بعد عام من الحرب.. كيف حافظت صادرات روسيا الزراعية على الزخم؟

ولاء عدلان

خلال 2022، عززت روسيا من صادراتها الزراعية إلى الدول الصديقة، التي لم تفرض عليها عقوبات.


قفزت الصادرات الزراعية الروسية خلال العام الماضي 12% على أساس سنوي، متجاوزة قيود العقوبات الغربية المتعلقة بالوصول للأسواق العالمية.

وبالتزامن مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني، حافظت صادرات القمح الروسي على هذا الزخم خلال الشهرين الماضيين بنمو تجاوز الـ90%، مدفوعة بموسم حصاد قوي وانتعاشة في مستويات الطلب، ما يثير الشكوك بشأن فاعلية العقوبات.

روسيا مصدر صافِ للأغذية

تعد روسيا أكبر مصدر للقمح عالميًّا، وصدّرت خلال 2022 أكثر من 70 مليون طن من المنتجات الزراعية والأغذية إلى الأسواق الخارجية، رغم سيف العقوبات الغربية الذي عزل موسكو عن الأسواق المالية العالمية منذ أن تحرك جيشها باتجاه الأراضي الأوكرانية في 24 فبراير 2022.

وفي نوفمبر الماضي، قال وزير الزراعة الروسي ديمتري باتروشيف إن بلاده  حافظت خلال 2022 على وضعها كمُصدّر صافٍ للأغذية للعام الثالث على التوالي، من خلال مجموعة من الآليات لتحييد تأثير العقوبات منها فتح أسواق جديدة للصادرات الزراعية وزيادة الدعم الحكومي لقطاع الزراعة، وفق وكالة إنترفاكس الروسية.

d3c04ef47c0b0e78a1ea0afff02094be

أسعار القمح الروسي سجلت مستويات قياسية في 2022 قبل أن تتراجع في النصف الثاني من العام وبداية 2023

روسيا تعزز صادراتها إلى الدول الصديقة

خلال 2022، عززت روسيا من صادراتها الزراعية إلى الدول الصديقة، التي لم تفرض عليها عقوبات، بنحو 25% مقارنة بالعام 2021، وقالت نائبة رئيس الوزراء الروسي فيكتوريا أبرامشينكو في مقابلة مع “روسيا اليوم” خلال ديسمبر الماضي، إن بلادها تتوقع ارتفاع قيمة الصادرات الزراعية إلى 40 مليار دولار من مستوى 37.1 مليار دولار المسجل في 2021.

وأوضحت أبرامشينكو أن هذه الإيرادات ستخصص لدعم القطاع خلال الموسم الجديد، مضيفة: “نتيجة للعقوبات تعرض القطاع الزراعي لبعض العقبات فيما يتعلق باللوجيستيات وارتفاع رسوم الشحن والتأمين، فضلًا عن التداعيات الناتجة عن عزل بنوكنا عن نظام سويفت للمدفوعات الدولية بما فيها بنك الزراعة الروسي، وأمام هذا تدخلت الحكومة لدعم القطاع في هذه اللحظة الصعبة”.

صادرات القمح الروسي تتضاعف

تضاعفت صادرات روسيا من القمح المنقول بحرًا خلال يناير وفبراير الماضيين لتصل إلى 6.1 مليون طن، وسط تراجع أسعار العقود الآجلة للقمح عالميًّا إلى أدنى مستوياتها خلال عام، وفق بيانات شركة “لوجيستك أو إس” المتخصصة في تتبع مسارات سفن الشحن.

وتوقع العضو المنتدب لشركة “سوف إيكون” الروسية للاستشارات أندريه سيزوف في تصريح لـ”بلومبرج” ارتفاع صادرات القمح الروسي إلى 29.5 مليون طن من القمح خلال الموسم الحالي، من مستوى 26.7 مليون طن في الموسم السابق.

مستوى قياسي لصادرات القمح

قدر محللو ستاندرد آند بورز جلوبال في مذكرة حديثة صادرات القمح الروسي خلال 2022 بـ41.5 مليون طن متري، مقابل 33 مليون طن متري في 2021، وتقديرات لوزارة الزراعة الأمريكية بصادرات في حدود 39 مليون طن بزيادة 18% على أساس سنوي.

قمح روسيا

ارتفاع شحنات القمح الروسي

وتتوقع ستاندرد آند بورز أن تسجل صادرات القمح الروسي مستوى 40 مليون طن متري خلال العام 2023-2024، أي أنها ستظل أعلى من مستويات ما قبل الحرب.

وأشاروا إلى أن روسيا تمكنت العام الماضي من زيادة محصولها من القمح ليصل إلى 91 مليون طن متري ارتفاعًا من 75.2 مليون طن متري في 2021، وسط توقعات بأن ينخفض إلى 84.6 مليون طن متري هذا العام.

قفزة في إنتاج زيت عباد الشمس

منتج أخر يستحوذ على الحصة الأكبر من صادرات روسيا الزراعية، هو زيت عباد الشمس، فموسكو هي ثاني أكبر منتج له بعد كييف وتستحوذان معًا على 74% من إنتاجه عالميًّا.

وحسب تقديرات مؤسسة أف إيه أس الأمريكية للأبحاث وستاتيستا الألمانية لأبحاث السوق، ارتفع إنتاج روسيا من زيت عباد الشمس في موسم 2022-2023 إلى 6.19 مليون طن، من 5.82 مليون طن في العام السابق، في المقابل تراجع إنتاج أوكرانيا إلى 4.3 مليون طن من زيت عباد الشمس من 4.64 مليون طن في 2021.

دوار الشمس

ارتفاع صادرات روسيا من زيت دوار الشمس

العقوبات تتراجع أمام صدمة أسعار

فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومجموعة السبع سلسلة من العقوبات المتواصلة على موسكو منذ 24 فبراير 2022، شملت قيودًا على التجارة وقطاع الطاقة ونقل التكنولوجيا والبنوك لكنها تجنبت الاستهداف المباشر لقطاع الزراعة الروسي، مكتفية باستهداف شركات بعينها ووضع قواعد لتنظيم حركة صادرات روسيا الزراعية باتجاه الأسواق العالمية.

روسيا وأوكرانيا أكبر موردي الحبوب عالميًّا، وتمثلان معًا 27% من تجارة القمح العالمي و17% من تجارة الذرة و74% من صادرات زيت عباد الشمس، وأمام هذا شكلت الحرب الروسية الأوكرانية صدمة لأسعار الغذاء العالمية، لتسجل أعلى مستوياتها على الإطلاق خلال فبراير ومارس 2022، وفق بيانات منظمة الأغذية والزراعة “فاو” ومجموعة البنك الدولي.

وخلال النصف الأول من 2022، قفزت أسعار القمح، على سبيل المثال، بأكثر من 52% والذرة بـ17% مقارنة بالفترة نفسها من 2021، نتيجة لعدة عوامل أبرزها مخاوف الأسواق من شح الإمدادات وفرض الدول المنتجة قيودًا على التصدير، وفي مقدمتها روسيا نفسها التي فرضت قيودًا على صادرات المنتجات الزراعية، وفي الفترة من 14 مارس إلى 30 يونيو 2022 حظرت تصدير القمح إلى خارج الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

أسعار الغذاء منظمة الفاو

ارتفاع أسعار الغذاء العالمية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق خلال 2022

روسيا تواصل الضغط

لتخفيف أزمة الغذاء العالمية توصلت الأمم المتحدة وتركيا وأوكرانيا وروسيا في يوليو الماضي إلى اتفاقية تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود، والتي بموجبها يجري تفتيش السفن المتجهة إلى أوكرانيا والقادمة منها في المياه التركية تحت إشراف من الأطراف الأربعة.

ومن المقرر أن ينتهي العمل بهذه الاتفاقية في 18 مارس الجاري، إلا أن الأسواق تتوقع تمديدها للمرة الثانية، كونها تساعد في كبح تضخم أسعار الغذاء وأيضا تلتقي مع مصالح أوكرانية وروسية على حد السواء لضمان استمرار تدفق صادراتهما الغذائية باتجاه الأسواق العالمية، وفق وكالة أنباء رويترز.

لكن موسكو اشترطت لتمديد الاتفاق أخذ مصالح منتجيها الزراعيين بعين الاعتبار، من حيث الوصول دون عراقيل للأسواق العالمية في إشارة إلى رغبتها في تخفيف جانب من العقوبات المفروضة على بنوكها وشركات التأمين وحركة التجارة، في المقابل تعهدت تركيا اليوم بالوصول إلى توافق بشأن تمديد الاتفاقية. وخلال نوفمبر الماضي أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن التزام الأمم المتحدة بتذليل العقوبات أمام تصدير الأغذية والأسمدة من روسيا، إلا أن الأخيرة تتدعي أن هذا لم يحدث.

ربما يعجبك أيضا