بعد عام من انتفاضة تشرين.. ما الذي تغير في العراق؟

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

يُحيي العراقيون، اليوم الأحد، الذكرى الأولى من “انتفاضة تشرين” التي خرج فيها آلاف العراقيين مُنددين بتردي أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، معلنين رفضهم لتفشي الفساد وللتدخلات الإيرانية، والتي كان من أبرز نتائجها استقالة حكومة عبدالمهدي وإلغاء قانون الانتخابات.

ورغم الحماس الذي تبديه جماعات الحراك لإحياء الذكرى الأولى، فإنه ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت ستنطلق بكثافة وتستمر لأشهر على غرار انطلاقتها الأولى أم أنها ستقتصر على يوم واحد فقط. فثمة اتجاهات تشير إلى احتمالية استمرارها والتصعيد ضد النظام بأكمله في ظل عجزه عن مواجهة الميليشيات الإيرانية، في مقابل اتجاهات تدعو للتهدئة والتزام الجانب السلمي وترجح عدم استمرارها لأشهر طويلة.

احتجاجات العراقيين

بدأ عدد من المتظاهرين بالتوافد منذ ليل السبت وحتى اليوم الأحد، لتجديد احتجاجاتهم على السلطات وتجديد مطالبهم القيام بإصلاحات ومحاسبة المتورطين بقمع التظاهرات التي تعرضت لها “ثورتهم” منذ العام الماضي.

وأطلق المتظاهرون ليلة السبت مبادرة أسموها “علم ووردة” بتقديمهم الأعلام العراقية والورود للقوات الأمنية تعبيرًا منهم على حسن النوايا وإظهار الاحترام لهم ولما يمثلونه.

واليوم تجمع البعض في ساحة التحرير، بينما فضل آخرون التظاهر عند مداخل المنطقة الخضراء شديدة التحصين التي تقع فيها السفارات الأجنبية ومؤسسات الدولة، وسط أنباء عن تفريق الأمن للمتظاهرين بالقوة لمنعهم من دخول العاصمة.

وفي وقت سابق أُعلن في مؤتمر صحفي عن تشكيل “جبهة تشرين”، التي ضمت “21 تنسيقية تمثل المتظاهرين”، ودعا هذا التشكيل الذي يسعى إلى التسجيل كحزب في مفوضية الانتخابات إلى “احتجاجات سلمية الأحد”، مع تذكير الطبقة السياسية بضرورة إجراء إصلاحات.

وفي المقابل، دعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان المتظاهرين إلى الالتزام بالسلمية، ومشددة على ضرورة حماية حرية الرأي والتعبير وحق التظاهر السلمي، و دعت كافة المتظاهرين للتعاون مع القوات الأمنية في حماية الممتلكات العامة والخاصة والابتعاد عن أية صدامات، كما حثت الأمن على توفير الحماية اللازمة إلى المتظاهرين وتطبيق قواعد الاشتباك الآمن.

فيما استبق رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مظاهرات الأحد بخطاب دعا فيه المتظاهرين إلى الحفاظ على سلميتها والتعاون مع القوات الأمنية وتفويت الفرصة على من سيحاولون حرف احتجاجاتهم عن مسارها وإفشالها، على حد تعبيره.

يأتي تحرك اليوم، بعد أن دعا مئات الناشطين يوم الجمعة للخروج في تظاهرات جديدة الأحد بمناسبة مرور عام على الاحتجاجات غير المسبوقة التي دعت إلى الإطاحة بالطبقة السياسية المهيمنة على السلطة منذ 2003.

ذكرى انتفاضة تشرين

تتزامن الاحتجاجات مع ذكرى مرور عام على مظاهرات حاشدة نُظمت في الكثير من مدن العراق في25 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، والتي مثلت انتفاضة شعبية غير مسبوقة قُتل خلالها حوالي 600 متظاهر وجرح ثلاثون ألفًا آخرون.

ويأتي احتجاج اليوم بينما يواصل مئات الآلاف من المتظاهرين الاعتصام منذ أشهر في بغداد ومدن أخرى في جنوب العراق. ويطالب المحتجون بتحسين الخدمات ومعالجة البطالة ومحاربة الفساد المستشري.

ويصرّ المتظاهرون على الخروج رغم انعكاسات التوتر بين إيران والولايات المتحدة وانتشار وباء كورونا التي أودي بحياة  الملايين حول العالم.

وتحولت ساحة التحرير المعقل الرئيسي للاحتجاجات في بغداد، إلى قرية من الخيام التي غطت أغلبها صور “شهداء” الانتفاضة، فيما تجمع متظاهرون قرب المنطقة الخضراء، حيث مقر الحكومة والبرلمان والسفارة الأمريكية.

تأهب أمني

وعلى إثر ذلك، وضعت السلطات العراقية حواجز خرسانية جديدة حول ساحة التحرير في بغداد مركز احتجاجات انتفاضة تشرين.

في حين خيم ناشطون منذ ذلك الحين في محيط الساحة حيث نُصبت ملصقات حدادًا على نحو 600 متظاهر قُتلوا عندما شنت قوات الأمن حملة قمع ضدهم.

يشار إلى أنه من المتوقع أن تتركز التظاهرات في ساحة التحرير التي يفصلها جسر فقط عن المنطقة الخضراء المحصنة حيث مبنى البرلمان والمقار الحكومية والسفارة الأميركية.

بينما استنفرت القوات الأمنية خشية دخول بعض المشاغبين على الخط، والتعدي على مؤسسات تابعة للدولة في المنطقة الخضراء، وخشية حصول صدامات بين عدد من المتظاهرين ومناصرين لأحزاب في البلاد تتهم الحراك بالتبعية للخارج وتخونه.

وفي ذات السياق، فرضت قوات الأمن إجراءات مشددة بينها انتشار قوات منذ ليل السبت، في وسط بغداد، الأمر الذي حال دول اقتراب سيارات أو عربات من ساحة التحرير والجسور المؤدية إلى المنطقة الخضراء. كما انتشرت قوات مكافحة الشغب خلف دروع شفافة سميكة لمنع انتشار المتظاهرين.

بعد عام.. ما الذي تغير؟

يمكن إلقاء نظرة إلى ما حدث من تغيرات منذ ثورة أكتوبر 2019، والتي بدأت باستقالة حكومة عبدالمهدي وتشكيل حكومة مصطفى الكاظمي بعد مخاض عسير، تعهد خلالها بمحاسبة قتلة المتظاهرين ووأد الفساد والحد من التدخلات الخارجية وتحسين الأوضاع الاقتصادية.

منذ تكليفه بتشكيل الحكومة سعى الكاظمي لإبراز نفسه كرجل حكومي محايد لا ينحاز لأي طائفة، وبدت لهجته حادة تجاه الميليشيات الموالية لإيران، والتي أسفرت عن هجمات متتالية على مواقع للقوات الأجنبية ردًا على زيارته لواشنطن على خلفية مقتل قائدهم قاسم سليماني.

وفي إطار تصعيد الحملات ضد حكومة الكاظمي، توالت عمليات قتل وخطف المعارضين، والتي تأججت معها مظاهرات العراقيين في الجنوب وعدة مدن عراقية تنديدًا بجرائم الميليشيات وعجز الحكومة عن إيقافها.

ومع تعقيد المشهد العراقي، تتعثر جهود الكاظمي الرامية لإجراءانتخابات برلمانية في يونيو القادم وتحسين وزن العراق دوليًا، بسبب تعنت الموالين لإيران وسعيهم الدائم لتحويل العراق لساحة لتصفية خلافاتها مع واشنطن، وهو ما دفع العراقيين اليوم للخروج مُنديين بهذه التدخلات التي أثرت سلبًا على أوضاعهم الأمنية والاقتصادية.

ربما يعجبك أيضا