بعد قمته مع “بوتين” .. هل تنتظر “طهران” اتصالًا من “ترامب”؟!

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف
 
يبدو أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لديه قناعة تامة أن إيران ستعود للمفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، على غرار تجربته مع كوريا الشمالية، فبعد قمته أمس مع نظيره الروسي، بوتين، قال ترامب في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية “إن إيران تشهد أعمال شغب منذ أن انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي الموقّع بين طهران والدول العظمى”، مشددا على أن الولايات المتحدة تدعم المتظاهرين.
 
وأضاف، “لديهم أعمال شغب في كلّ مُدنهم، والتضخم متفش”، “هذا النظام لا يريد أن يعرف الناس أننا نقف وراءهم مئة في المئة”.
 
وتواجه حكومة طهران استياءً متناميًا بسبب اضطرابات اقتصادية منذ أن سحب ترامب في مايو/أيار بلاده من الاتفاق النووي وأعلن تشديد العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران.
 
وما يراهن عليه ترامب، هو الضغط على النظام الإيراني بما يدفعه للبحث عن باب الإنقاذ عبر الدخول في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
 
لا يريد ترامب إسقاط النظام في إيران، وإنما يريد الضغط لتكرار تجربته مع كوريا الشمالية؛ من أجل تسويات أكبر في المنطقة؛ فالدعم الذي يتم تقديمه لجماعة معارضة مثل جماعة “مجاهدي خلق الإيرانية”، أو جماعة “أنصار عودة الملكية الدستورية في إيران”، لا يعبر عن رغبة أمريكية واضحة في إسقاط النظام في إيران؛ لأن مثل هذه الجماعات لا تلقى قبول شريحة كبيرة من الشارع الإيراني، وإنما هي سبب فقط لإزعاج النظام، فحتى الآن لم تقدم واشنطن الدعم لجماعة معارضة قادرة على وراثة النظام الحاكم في إيران.
 
رفض الحوار
 
قبل أن يلتقي الرئيس الروسي بنظيره الأمريكي في مدينة هلسنكي الفلندية، أمس الإثنين، توجه مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي إلى موسكو الأربعاء الماضي؛ ناقلًا إلى روسيا والصين رسالة من المرشد الأعلى علي خامنئي.
 
وهو ما يعني أن المرشد الأعلى يتدخل بشكل مباشر في إدارة ملف الأزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت تسريبات قد تداولت من قبل، أن ترامب قد طلب الدخول في محادثات مباشرة مع المرشد الأعلى، خامنئي، لضمان تنفيذ أي اتفاق يتم إبرامه بين طهران وواشنطن.
 
ثم سرعان، ما نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي أن لدى ايران رسالة ينقلها بوتين إلى ترامب خلال القمة التي تجمعهما.
 
كما نفى قاسمي، أن تكون زيارة وزير الخارجية، ظريف قبل أيام إلى سلطنة عمان، تتعلق بأي محادثات مع واشنطن، وذلك في إطار نفي ما تردد أن سلطنة عمان ستلعب نفس الدور الذي لعبته من قبل للوساطة بين طهران وواشنطن.
 
وفي إطار تأكيد رفض الدخول في حوار مباشر بين طهران وواشنطن، رفض رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الايرانية كمال خرازي أمس الاثنين إمكانية قيام ايران بأية مفاوضات مع واشنطن وقال: إنّ التجربة الايرانية أفادت بجدارة بأنّ الولايات المتحدة لا تلتزم بما يتمخض عن أية مفاوضات تُجرَي معها أو وثائق ومعاهدات.
 
وكان مجموعة من النشطاء السياسيين الإيرانيين في الخارج والداخل، قد طالبوا في رسالة مفتوحة عقب خروج واشنطن من الاتفاق النووي، من النظام في إيران، الدخول في مفاوضات مباشرة مع واشنطن. وهو ما أثار غضب البعض ونال تأييد البعض في الداخل والخارج أيضًا.
 
وتزامنًا مع قمة ترامب وبوتين، قال المدير السابق لمكتب المرشد الأعلى، علی‌اکبر ناطق نوری لوكالة مهر الإيرانية، أنه ليس من الحرام تقديم مثل هذا الاقتراح للدخول في تفاوض مباشر مع واشنطن. وأشار للمفاوضات السابقة التي تمت عبر وساطة سلطنة عمان وبموافقة من المرشد الأعلى، علي خامنئي.
 
شكوى ضد واشنطن
 
وتزامنًا مع القمة الأمريكية الروسية، قال وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، أن إيران سترفع شكوى لدى محكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة الامريكية وذلك بسبب استئناف فرض الحظر الأمريكي أحادي الجانب ضدها.
 
كما أشار إلى أن إيران سلّمت، أمس الإثنين، شكواها ضد الولايات المتحدة الى محكمة العدل الدولية وذلك بسبب فرض الحظر غير القانوني وأحادي الجانب من جديد. وقال “إن إيران وفي مواجهة انتهاكات أمريكا للدبلوماسية والتعهدات القانونية، تؤكد على سيادة القانون؛ وأنه لمن الضروري التصدي لهذا الأسلوب لذي اعتادت عليه أمريكا في اختراقها للقوانين الدولية”.
 
بعدها وضح المتحدث باسم الخارجية الايرانية، أن شكوى إيران من أمريكا بسبب نقضها التعهدات الدولي وعلى وجه التحديد معاهدة الصداقة والعلاقات الاقتصادية والحقوق القنصلية لعام 1955.
 
حول سوريا
 
تداولت وسائل الإعلام الإيرانية والأجنبية، أن قمة الزعيمين الروسي والأمريكي، سترتكز على ملفات مهمة، منها ملف إيران في سوريا، ومطالبة خروج إيران من سوريا، في مقابل ضمانات تتعلق بالرئيس الأسد والمصالح الاقتصادية.
 
وهو ما دفع مستشار رئيس البرلمان، حسين أمير عبد اللهيان، الخبير في الشؤون العربية، أن يصرح بأن لا أمريكا ولا روسيا ولا أي قوة أخرى في موقع يسمح لها باتخاذ قرار حول خروج المستشارين الايرانيين من سوريا. وأكد في حوار تلفزيوني، أن استمرار بقاء المستشارين الإيرانيين في سوريا يعود لقرار الرئيس بشار الأسد والحكومة السورية، ووجودهم في سوريا كان و لايزال بطلب من الحكومة السورية.
 
هل يتصل ترامب؟
 
وردًا علی سؤال أحد الصحفیین بشأن أن ترامب قد ذکر علی هامش اجتماع الناتو أن في نهایة المطاف سیتصل المسؤولون الإيرانیون به.  قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، قاسمي، إن سلوك ترامب حیال إيران عدواني، وهذا التصرف العدائي یشاهد بوضوح في مختلف الجوانب.
 
وأضاف ربما هو قد مزح، وبالطبع یمکن أن یتصل یومًا بطهران ویطلب التفاوض .هذا الموضوع أکثر إحتمالا وربما توجد علامات أیضًا في الماضي.
 
علامات الماضي التي أشار إليها قاسمي، هي أن ترامب طلب مقابلة الرئيس الإيراني على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 2017م، وكانت فرنسا الوسيط في نقل هذه الرسالة. ولكن الرئيس الإيراني رفض بسبب خطاب شديد اللهجة ضد إيران في الأمم المتحدة، وكذلك لا يمكن القيام بمثل هذه الخطوة دون الرجوع لموافقة المرشد الأعلى، خامنئي. وهو ما دفع ترامب بعد ذلك لطلب التفاوض مباشرة مع المرشد الأعلى لضمان التنفيذ العملي لما يتم الإتفاق عليه. خاصة أن إيران لم تتراجع عن سلوكها في المنطقة بعد الإتفاق النووي.
 
قمة غير عادية
 
لا شك أن القمة التي جمعة بوتين وترامب غير عادية، وأنها متعلقة بمصير العديد من الملفات الحياتية المتعلقة بالمنطقة، خاصة أن التواجد الروسي بات واضحًا في منطقة الشرق الأوسط، ولا يقتصر على منطقة الجوار الروسي كالقوقاز، وأن واشنطن تحتاج للتعاون مع موسكو لإدارة العديدة من التسويات في المنطقة.
 
لكن لا يمكن القول أن نتائج هذه القمة حتمية، فالأمر لن يكون سوى تقديم مقترحات من كلا الجانبين تنتظر موافقة كل طرف على طلب الآخر في إطار المساومات والمفاوضات. وسبب ذلك، أن القمة تناقش قضايا كبرى مثل الأزمة في سوريا والاتفاق النووي مع إيران، وملف خفض التسليح النووي والصاروخي بين البلدين. وكذلك مستقبل إسرائيل والمنطقة العربية.
 
ولذلك، قال بوتين بعد إنتهاء القمة “أمامنا مشاكل كثيرة لم نستطع حلها في لقاء واحد.. ولا يجب أن تكون العلاقات الأمريكية الروسية ورقة لعب في الخلافات السياسية”.
 
وأهمية القمة هي ما دفعت المرشد الأعلى، علي أكبر خامنئي، للتصريح تزامنًا مع لقاء الزعيمين، بأن “صفقة القرن” التي يعمل على تحقيها الأمريكان لن تمر، وأن والقدس عاصمة فلسطین الأبدیة. ومن الواضح أن هذه المسألة ستكون ضمن رسائل الحجاج الشيعة والإيرانيين خلال حج هذا العام.
 
وكذلك، صرح الرئيس الروسي، بعد قمته مع ترامب، حول سوريا، قائلًا إنه بعد تحرير المنطقة الجنوبية في سوريا من الإرهاب يجب العودة لنظام وقف إطلاق النار في منطقة الجولان، وأن الوضع هناك يجب أن يعود إلى كما كان عليه وفق اتفاقية 1974، وأنه يجب تهيئة الظروف للعودة إلى القرار 338 للتسوية بين سوريا وإسرائيل بشكل عادل.
 
وقال إنه نقل لترامب قلق روسيا من خروج واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران، معتبراً أن واشنطن تعرف موقفنا المبدئي من إيران وهو لم يتغير.
 
واعتبر ترامب أن التعاون بين موسكو وواشنطن حول الأزمة السورية من شأنه إنقاذ آلاف الأرواح، مشدداً على عدم وجود أي اتفاقات عسكرية محددة الآن حول سوريا.
 
كل هذه مؤشرات تدل على أن الجميع ينتظر أن تدار نتائج هذه القمة وفق مصالحه، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل تداخل الملفات وتعقدها؛ ولذلك وعلى سبيل المثال، لا يمكن فصل المسألة السورية والتدخل الإيراني هناك عن ملف الاتفاق النووي والعقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران، طالما كلا الملفين يتعلق بدولة واحدة هي إيران. ومن الصعب أيضًا أن تنجح طهران هذه المرة في فصل التعامل بين الملفات في ظل إدارة ترامب، كما فعلت من قبل مع إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

ربما يعجبك أيضا