بعد 100 يوم من الحكم.. هل حقق رئيس الوزراء العراقي سياسة خارجية متوازنة؟

إسراء عبدالمطلب
رئيس الوزراء العراقي ، محمد شياع السوداني ، العراق ، إيران

العراق يتبنى نهجًا جديدًا من خلال الابتعاد عن الصراع وتحقيق سياسة متوازنة مع دول الجوار، لتكون بغداد نقطة التقاء لدول المنطقة.


تتجه بوصلة الحكومة العراقية، برئاسة محمد شياع السوداني، في جميع الاتجاهات شرقًا وغربًا، محاولة رسم سياستها الخارجية، تجنبًا للانجراف في سياسة المحاور.

ويحاول العراق البقاء على مسافة واحدة من الجميع بهدف حلحلة المشكلات وإتاحة نفوذًا دبلوماسيًّا كبيرًا على دول الجوار والعالم، تعزيزًا للعلاقات الثنائية، بما يخدم مصلحة العراق، وشدد السوداني على أن العراق لن يكون طرفًا في سياسة المحاور.

رئيس الوزراء العراقي ، محمد شياع السوداني ، العراق ، إيران

رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني

الابتعاد عن ساحة الصراع

شدد رئيس الوزراء العراقي الجديد، محمد شياع السوداني، على أن العراق سيعتمد مبدأ العلاقات المتوازنة مع دول الجوار، وسيطرح أفكارًا لتحقيق شراكات اقتصادية لتكون بغداد نقطة التقاء لدول المنطقة، تحقيقًا للمصالح المشتركة للجميع، مضيفًا أن العراق تبنى مبادرات لتقريب وجهات النظر بين إيران والدول العربية، وأن من مصلحة العراق خفض التوترات وتقريب وجهات النظر بما ينعكس إيجابًا على أمن العراق والمنطقة.

ووفقًا لوكالة الأنباء العراقية (واع)، شدد مستشار الأمن القومي للعراق، قاسم الأعرجي، على تبني الحكومة سياسة الابتعاد عن المحاور، وأن العراق بلد ذو سيادة يرفض أن يكون مع طرف ضد آخر، ومن حقه الابتعاد عن ساحة الصراع والتفكير بمصالحه، مضيفًا أن العراق بلد متعدد الأعراق والأديان، ويسعى لأن يكون منطقة اطمئنان للجميع.

سياسة خارجية متوازنة

حسب المعهد الملكي للخدمات المتحدة للدفاع والأمن (RUSI)، كذّب رئيس الوزراء العراقي الجديد المخاوف الأولية بشأن تحالفه المحتمل مع طهران، مشيرًا إلى نيته في تبني نهج دقيق تجاه طهران وتنفيذ سياسة خارجية متوازنة.

ولفت تقرير المعهد الملكي إلى أن نجاح السوداني سيعتمد بقدر كبير على ما إذا كانت إيران والميليشيات المتحالفة معها ستمكّنه من متابعة هذا المسار، أو ما إذا كان العراق سينجر بقدر أعمق إلى الصراعات بين طهران وخصومها.

تخوفات دولية

بعد عام من الجمود السياسي في العراق بشأن تشكيل الحكومة الجديدة والتصعيد السياسي الحاد بين الشيعة، جرى انتخاب محمد شياع السوداني أواخر أكتوبر 2022، كرئيس وزراء عراقي جديد، ورغم الارتياح الدولي والغربي لانتهاء الأزمة التي استمرت عام، لكن يوجد تخوفات من التقارب المحتمل للحكومة الجديدة مع إيران والمخاطر المترتبة على ذلك.

وتمثلت أسباب تلك المخاوف في أن ترشيح السوداني كان مدعومًا بـ”إطار التنسيق” وهو تحالف الجماعات الشيعية الموالية لإيران، والذي احتفظ بالأغلبية في البرلمان العراقي بعد انسحاب مقتدى الصدر، والسبب الآخر أن السوداني شغل عدة مناصب بارزة في حكومة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الذي جمعته علاقات وثيقة بطهران.

بوادر تستدعي القلق

ما زاد من التخوفات الدولية هو أنه بعد أيام فقط من تولي السوداني رئاسة الوزراء، عيّن اثنين مواليين لإيران وتجمعهما بها علاقات جيدة وهما وزير التعليم العالي، نعيم العبودي، ورئيس مكتبه الصحفي، ربيع نادر، والاثنان قياديان بميليشيات عصائب أهل الحق وكتائب “حزب الله” التي تعد أبرز الجماعات الشيعية في العراق.

والتقى السوداني قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، منتصف نوفمبر 2022، في بغداد، وبعد أسبوعين سافر إلى طهران، فالتقى الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، والمرشد الأعلى، علي خامنئي، وأعرب عن أهمية الحفاظ على العلاقات الثنائية بين الدولتين في مختلف المجالات.

نهج جديد في السياسة الخارجية

بعيدًا عن خلفية السوداني السياسية واجتماعاته مع القيادات الإيرانية، فقد تبنى نهجًا جديدًا تجاه طهران في وقت مبكر من ولايته، فأدان بشدة القصف الإيراني والتركي لإقليم كردستان العراق، لأنه جرى إطلاقه دون الحصول على إذن من العراق، وكثفت إيران غاراتها الجوية القاتلة عبر الحدود شمال العراق في أعقاب الاحتجاجات على الحكومة، التي اندلعت بعد مقتل مهسا أميني، ضحية القمع الإيراني ضد المرأة.

واتهمت إيران الجماعات الانفصالية الكردية بتأجيج المظاهرات، ما تسبب في توترات كبيرة بين إيران والعراق، وفي الفترة الأخيرة أرسل السوداني قوات النخبة لمكافحة الإرهاب والتصدي للتجار الذين يهربون الدولارات إلى إيران، وهي خطوة مدفوعة بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة على العراق، التي تهدف إلى مراقبة الواجهة النهائية التي تصلها أمواله، فضلًا عن رغبة القيادة العراقية في مواجهة انخفاض الدينار.

رئيس الوزراء العراقي ، محمد شياع السوداني ، العراق ، إيران

رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني

سياسة خارجية إقليمية متوازنة

حتى الآن تبين السياسة الخارجية للعراق مع إيران أنه ينتهج سياسة خارجية إقليمية متوازنة، وجاءت رحلة السوداني الخارجية الأولى كرئيس للوزراء إلى الأردن، فأعاد التأكيد على العلاقات والاتفاقيات التي أبرمتها بغداد مع البلاد من الإدارة السابقة، وكذلك ضمان استمرار التعاون الثلاثي بين العراق والأردن ومصر الذي يتطور منذ مارس 2019.

وتلت الرحلة زيارة إلى الكويت، فأكد السوداني استعداد حكومته لإقامة شراكة حقيقية مع الحكومة الكويتية، والتقى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، على هامش القمة العربية الصينية في الرياض، وأعرب عن استعداده لتطوير العلاقات الثنائية.

خاصة في مجال الاقتصاد والاستثمار، بما في ذلك المحادثات بشأن ربط العراق بشبكة الكهرباء في المملكة العربية السعودية، وهو ما يعد وسيلة لتقليل اعتماد بغداد على واردات الطاقة من إيران.

موقف السوداني من الولايات المتحدة

أوضح السوداني أنه ينوي مواصلة تبني المحادثات بين إيران والسعودية، وهو حوار بادر به سلفه مصطفى الكاظمي، لكنه توقف منذ إبريل 2022، ومن جانب آخر، دافع السوداني في مقابلة صحفية في 13 يناير الماضي، عن وجود القوات الأمريكية ولم يقدم أي جدول زمني لانسحابها أو انسحاب قوات الناتو، مبررًا أن القضاء على داعش يحتاج مزيدًا من الوقت، خاصة في وجود تهديد في الحدود السورية.

وقال السوداني إنه ليس من المستحيل رؤية العراق يتمتع بعلاقة جيدة مع إيران والولايات المتحدة، ويخطط لإرسال وفدًا إلى واشنطن في فبراير المقبل.

تحديات كبيرة

من المحتمل أن تكون السياسة المتوازنة للسوداني تجاه إيران والولايات المتحدة ودول المنطقة، تهدف إلى جذب المزيد من المساعدات والاستثمار مع ضمان استقرار الاقتصاد العراقي وحمايته من اللوم والضغط الأمريكي، ولكن من المرجح أن تواجه خطته تحديات كبيرة.

ووفقًا لتقرير المعهد الملكي، ستراقب طهران بعناية خطوات الحكومة الجديدة وستسعى لمواجهة أي تحركات تأتي على حساب مصالح إيران ونفوذها في العراق، وقد تنكسر صفوف الجماعات المدعومة من إيران وتحديدًا كتائب “حزب الله”، وتكرر هجماتها ضد القوات الأمريكية التي ما تزال متمركزة في العراق.

ربما يعجبك أيضا