بـ”ضغطة زر” في لندن.. جراح يقع ضحية للقراصنة وحلب تدفع الثمن

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

“فلاديمير بوتين يريد إثارة المشاكل أينما كان، ليؤكد أن بلاده قوية كما كانت في عهد الاتحاد السوفيتي”، هكذا تحدث وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون عن الرئيس الروسي خلال جلسة استماع في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني، أمس الأربعاء، متهما موسكو بارتكاب جرائم حرب في سوريا.

وزير الخارجية البريطاني أشار خلال كلمته أمام مجلس العموم، إلى واقعة تفجير مستشفى تحت الأرض في حلب عام 2016، وتشير الأدلة إلى تورط موسكو في تنفيذ الغارة التي استهدفت المركز الطبي الذي أعدته المعارضة السورية تحت الأرض لعلاج الضحايا والجرحى بعيدا عن نيران الحرب.

يقول الطبيب البريطاني ديفيد نوت لـ”ديلي ميل”، إنه اعتاد منذ 25 عاماً على تخصيص ساعات أسبوعية من أجل العمل دون أجر لمساعدة ضحايا النزاعات في مناطق الحروب، وخلال الأعوام الماضية كان يساعد الأطباء في سوريا على إجراء بعض العمليات عن بعد عن طريق تطبيقات مثل “سكايب”، وفي عام 2016 كان يقدم استشارات عبر الإنترنت لأطباء يعملون في مستشفى M10  بحلب، وعندما تم تفجير هذا المستشفى اشتبه في أن تكون له يد في هذه الجريمة.

يتابع نوت اعتقد أن قراصنة قاموا باختراق جهاز الكمبيوتر الخاص بي وتمكنوا من تحديد إحداثيات M10، وذلك بعد أن بثت قناة BBC، في 13 سبتمبر 2016، لقطات للعمليات الجراحية التي يجريها الأطباء السوريون أثناء اتصالهم بي، إذ تم استهداف المستشفى بعدها بأيام قليلة بقذائف جوية، ما أسفر عن مقتل اثنين من المرضى وإغلاق غرفة العمليات بشكل دائم.

ويعد M10 أكبر مستشفى في الأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة في حلب، وعلى الرغم من أنه استهدف لنحو 17 مرة، فإن الطبيب البريطاني يعتقد أن القراصنة لم يتمكنوا من الحصول على تفاصيل دقيقة عن موقعه تحت الأرض إلا من خلال جهاز الكومبيوتر الذي يملكه، لذا عقب الحادثة قام بتغيير جهازه وهاتفه الشخصي، كما توقف عن الاتصال مع الأطباء السوريين عبر “سكايب”، خشية أن يتسبب في قتلهم مرة أخرى.

ويعبر نوت عن حزنه العميق لعدم قدرته على مساعدة الأطباء في سوريا بالقول: إذا كان هناك شخص ما يراقب ما نفعله ليقوم بتحديد موقع المستشفى ومن ثم استهدافه، فهذه جريمة حرب، إنها جريمة ضد الإنسانية تحول دون  مساعدة طبيب في بلد آخر لإنقاذ حياة إنسان.. إنها مأساة.

لم يتهم نوت موسكو مباشرة بقرصنة جهاز الكمبيوتر الخاص به، أو استهداف المستشفى، لكن الخبراء – بحسب مقال نشرته “التايمز” اليوم الخميس، أكدوا أن روسيا الوحيدة القادرة على قصف موقع المستشفى الذي كان يتواصل معه نوت، بل واختراق جهاز الحاسب الخاص به من أجل هذا الهدف.

الخبراء يعتقدون أن روسيا هي من نفذت الغارة على M10 بسبب تعقيدها، إذ تتطلب استخدام نوع من القنابل يعرف باسم “bunker buster” قادر على ضرب الأهداف تحت الأرض، وهذا النوع يمكن إسقاطه بسهولة بواسطة المقاتلات الروسية المتطورة، فيما لا يعتقد أن جيش الأسد يمتلكه.

يقول رئيس الجمعية الطبية السورية الأمريكية السابق زاهر سحلول – الذي كان يدير المستشفى وقت التفجير- يتبنى النظام وروسيا استراتيجية تتخذ من المستشفيات هدفا للضربات الجوية في مناطق سيطرة المعارضة، بحيث لا يمكن للناس العيش في تلك المناطق مع غياب الرعاية الصحية، لذا ليست مفاجأة أن تكون روسيا وراء استهداف مستشفى حلب وغيره من المراكز الصحية، إذ أن أغلبها تحت الأرض ويتطلب استهدافها تقنيات حديثة لا يعتقد أن النظام يمتلكها.

من جانبه قال خبير الأمن المعلوماتي آلان وودورد لصحيفة “ديلي تلجراف”، إن هاتف نوت أو جهاز الكمبيوتر الخاص به كان من الممكن استهدافه من قبل القراصنة أثناء العملية، بل أن اختراقه في وقت لاحق لمعرفة من كان يتحدث معه ومن أين سيكون أبسط بكثير، وهذا يزيد من احتمالات اختراق جهازه بعيد إذاعة تقرير بي بي سي عن العمليات التي يجريها عبر “سكايب”.

الواقع أن شهادة نوت – وهو جراح اشتهر طوال 25 عاما مضت بمساعدة ضحايا النزاعات حول العالم، ما أكسبه لقب  “إنديانا جونز الجراحة” ، ووسام الإمبراطورية البريطانية عن جدارة- تعد دليلا جديدا على جرائم بوتين في سوريا، والتي لعبت دورا كبيرا في مقتل نحو نصف مليون إنسان منذ بداية الحرب عام 2011.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري كشف محققون تابعون للأمم المتحدة أن الغارة التي شنتها طائرة روسية على سوق في بلدة الأتارب قرب حلب وأسفرت عن مصرع 84 شخصًا على الأٌقل في نوفمبر الماضي، قد ترقى إلى جريمة حرب، فيما دعا البرلمان الأوروبي إلى إنشاء محكمة جرائم حرب بسوريا، محملا  النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين مسؤولية الجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوري.

لكن العدالة الدولية في وجود الفيتو الروسي لن تتعدى بيانات الشجب والإدانة، ليظل بوتين يدعم الأسد في توأمة الموت والدمار، إلى أن تضع الحرب أوزارها.

ربما يعجبك أيضا