بفعل الفيروس التاجي.. الرحيل في صمت ومن دون مقبرة

هدى اسماعيل

هدي إسماعيل

الرحيل الصامت دون وداع.. مشهد يتكرر يوميا منذ أن بدأ فيروس كورونا في الظهور، يأكل الأجساد في صمت ويرحل معهم في صمت، فلم يكن في الحسبان يوما أن نبحث عن حفنة تراب من أجل أن نواري جثث الموتى، أن لا نحضر مراسم التشييع والصلاة بل والوقوف على القبر، ولكن أين القبر؟

مات الكثيرون من المصابين بفيروس كورونا وهم معزولون في المستشفيات دون أن يسمح لأقاربهم وأصدقائهم برؤيتهم.

وتطلب العديد من الأسر أن تلقي نظرة أخيرة على موتاها، لكن ذلك أمر ممنوع، فأولئك المقربون من الموتى يكونون في أغلب الأحوال خاضعين للعزل، لم يقف الأمر عند هذا الحد بل تم تغيير طقوس الدفن والحداد.

قبور جماعية

دفعت الأعداد الهائلة للموتى بفيروس كورونا دولا مثل الصين وإيران للجوء إلى المقابر الجماعية، وحديثا نيويورك بدأت في دفن موتى ضحايا فيروس “كورونا” في مقابر جماعية في جزيرة هارت، كما تتوقع دول كبريطانيا عشرات الآلاف من الموتى بوباء كورونا.

أعداد كهذه تحتاج دعما لخدمات الدفن والخدمات المتعلقة بها. وتحتاج أيضا إلى مساحات واسعة في المقابر التي تعاني ضغطا شديدا أساسا، وقد يخفف خيار حرق الجثث للذين يتبعون هذا التقليد العبء. لكن ماذا إذا كان الدفن شرطا أساسيا كما في الإسلام واليهودية مثلا؟

الأعداد الكبيرة للموتى يوميا فرضت على السلطات الصحية تأخيرا في تسليم الجثث ودفنها بينما تنص الديانتان، الإسلامية واليهودية، على الإسراع في دفن الموتى.

إيران.. بدون مياه

بحسب وكالة الأنباء الإيرانية، فهناك فريق من رجال الدين الذين يعملون في مقبرة “مشهد” لإقامة طقوس دينية لجثامين ضحايا وباء “كورونا”وبسبب المخاوف التي خلقها الفيروس المستجد، لم تعد طريقة الدفن التقليدية مطبقة في إيران، بل تغيرت تماما في معظمها.

ويشير التقرير إلى أن تحضير الجثامين للدفن لم يعد كما كان سابقا، فالجثامين في مقبرة “مشهد” لم تعد تغسل، ولا يتم تزيينها بأوراق شجرة العناب ولم تعد تعطر بالكافور، بحسب التقاليد الإيرانية قبيل التكفين.

عوضا عن التغسيل، باتت الجثامين تغسل بأسلوب أقرب إلى “التيمم”، دون استخدام أي ماء، قبل أن يتم لف الجثة بكفن فوق الملابس التي كان يرتديها الميت لحظة وفاته، مهما كانت.

وعقب التكفين، يتم تغليف الجثة بأغطية بلاستيكية تلف حولها ويحكم إغلاق أطرافها، قبل وضعها في كيس ومن ثم إدخالها إلى صندوق نعش محكم الإغلاق.

وتنتهي مهمة رجال الدين بعد التأكد من عزل الجثامين المُيمَّمة، ليتابع أفراد من ميليشيات “الباسيج” وعمال المقبرة المهمة بحمل النعش ودفنه في قبر عميق.

ويتم إنزال النعش بحبال يتحكم بها أربعة أشخاص، حتى يصل إلى عمق أربعة أمتار تحت الأرض، حيث يتم ردم القبر فوقه.

قبيل ردم القبر، يتم سكب طبقة من الجير على الجثة، لمنع تلوث التربة المحيطة بها.

وعقب الدفن، يتم حرق الحبال المستخدمة، إلى جانب أي متعلقات للمتوفى، لضمان القضاء على أي مواد ملوثة  بفيروس كورونا تماما.

كفن دون نعش

تغيرت الجنازات وطقوس الحداد للجميع منذ فرضت السلطات الإسرائيلية والفلسطينية تعليمات لملازمة البيوت وقيدت أعداد المشاركين في التجمعات العامة لمحاولة وقف انتشار العدوى.

ففي إسرائيل عادة ما يوارى المتوفى من اليهود الثرى في ثوب فضفاض وكفن دون نعش، أما الآن فيتم نقل جثث ضحايا كورونا لكي يقوم بتغسيلها أفراد يرتدون ملابس وقاية كاملة ويتم لفها بغطاء بلاستيكي محكم، وقبل الدفن تُلف الجثث بالبلاستيك مرة أخرى.

يقول “ياكوف كيرتس” الذي يعمل لدى منظمة “شيفرا كاديشا” وهي الجماعة الرئيسية التي تشرف على دفن اليهود في إسرائيل: “المشاعر متباينة جدا… لا ندري ماذا نتوقع، ولا نعرف كم عدد الموتى الذين سنتولاهم. المخاوف كثيرة”.

ويمكن حضور عدد لا يتجاوز 20 فردا الجنازات في إسرائيل على أن تقام الجنازة في منطقة مفتوحة فقط، وتقضي قواعد التباعد الاجتماعي بعدم معانقة أسرة المتوفى.

وأثر ذلك على تقليد “شيفا” اليهودي الذي يبدأ بعد الجنازة لمدة سبعة أيام يزور فيها الناس أسرة المتوفي لتقديم التعازي وإحضار الطعام وتبادل الذكريات عن الراحل.

وفي غزة والضفة الغربية المحتلة تتلقى أسر الموتى التعازي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

متطوعون “لإكرام “الموتى

التعامل مع الجثث وفق إجراءات معينة حددتها السلطات الصحية، تبعا لتوصيات منظمة الصحة العالمية، يحصر عدد القادرين على هذه المهمة في بضعة أشخاص، قد لا يكفي عملهم على مدار الساعة لغسل مئات الجثث يوميا.

لذا انطلقت مبادرات تدعو من لا يعاني أعراض الإصابة بفيروس كورونا للتطوع لغسل ودفن بعض الموتى الذين لا تستطيع عائلاتهم القيام بذلك.

وشكل أشخاص في مدينة “قم” الإيرانية مجموعة من المتطوعين لغسل جثث الموتى وفقا للشريعة الإسلامية.

وفي بريطانيا كذلك شكل البعض مجموعات تواصل يدعون من خلالها من يستطيع المساعدة في دفن جثث المتوفين وفقا لتعاليم الشريعة، خاصة الذين قد لا يجدون من يدفنهم لغياب العائلة أو التزام أفرادها بالحجر الصحي.

وأطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعوات لإقامة صلاة الغائب على الموتى بشكل فردي.

قانون الجبانات

كانت الأمراض الموبوئة منتشرة في العصور السابقة بكثرة الأمر الذي أجبر القائد الفرنسي “نابليون بونابرت” بوضع قانون خاص بالمقابر وطرق الدفن خاصة مع انتشار الأوبئة كالطاعون وغيره أطلق عليه قانون” الجبانات” حيث كان المصريون يقومون بدفن موتاهم في البيوت وتحت الأسرة أو زاوية من المنزل فأمر نابليون بالتالي أن تبعد المقابر عن المنازل بمسافة تبلغ 1000 متر، على ألا تكون المقابر داخل القرى والمدن مراعاة للقواعد الصحية، ويغسل الميت بمحلول الفورمالين 10% ويوضع بعض الفحم النباتي داخل كيس محكم، ومن ثم يتم تطهير المقبرة ودفن المتوفى وتظل المقبرة مغلقة لمدة 60 يومًا” وكانت هذه الطريقة لدفن الموتى أصحاب الأمراض المعدية والأوبئة كالإيدز والطاعون وغيرها.

وهناك طريقة أخرى ولكنها مكلفة وهى أن يوضع الميت في صندوق من الزنك بعدما يتم تغسيله بمحلول الفورمالين وباقى التعليمات الأخرى”.
https://www.youtube.com/watch?v=5E42xtrY30M
https://twitter.com/i/status/1247615046001270787

ربما يعجبك أيضا