بقيادة «سوبر ماريو».. إيطاليا تقترب من تحقيق معجزة اقتصادية

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تشهد إيطاليا منذ مطلع العام الجاري نموًا قويًا رغم استمرار تداعيات جائحة كورونا، وتشير توقعات عدة إلى أنها تقترب من تحقيق معجزة اقتصادية بتسجيل ارتفاع في ناتجها المحلي الإجمالي يتراوح ما بين 5 إلى 6% بنهاية 2021، بعد أن سجلت العام الماضي أسوأ ركود “-9%” في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية، وحتى قبل الجائحة كان الاقتصاد الإيطالي يتخلف كثيرا عن الركب الأوروبي، أما الآن فيبدو أنه يستعد لعكس الاتجاه وتقديم نموذج نجاح للتعافي القوي متفوقًا على ألمانيا وفرنسا.. وربما السر هنا يكمن في أن إيطاليا لديها رئيس حكومة من طراز اقتصادي رفيع يتمتع برصيد من النجاحات في مواجهة الأزمات المالية.

إيطاليا بقيادة دراجي تسجل سلسلة من الانتصارات

تسلم الاقتصادي المخضرم رئيس المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي رئاسة الحكومة الإيطالية في 13 فبراير الماضي خلفا لجوزيبي كونتي الذي أطاحت به خلافات حكومية بشأن خطة إنفاق أموال المساعدات الأوروبية الخاصة بالتعافي من جائحة كورونا، لكن دراجي أو “سوبر ماريو” -كما يحلو لوسائل الإعلام الأوروبية أن تسميه منذ مساهمته في إنقاذ اليورو من تداعيات أزمة الديون عام 2010- وخلال شهور فقط أثبت قدرته على قيادة البلاد بأمان وسط رياح الجائحة بل وتحقيق قفزات اقتصادية.

تحت وطأة الجائحة سجلت إيطاليا ركودا عميقا، وارتفع عجز الموازنة إلى أكثر من 10%، وبلغت نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 158%، وفقد أكثر من 420 ألف شخص وظائفهم بصفة دائمة، أما الآن فالصورة بدأت تتبدل والبلاد تسير باتجاه تعويض الخسائر وتسجيل قفزة اقتصادية.

 -منذ بداية العام، تشهد إيطاليا -صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا- انطلاقة اقتصادية قوية وسط إعادة فتح الاقتصاد تدريجيا وتراجع معدلات البطالة إلى ما دون الـ10% وزيادة الوظائف الجديدة بمعدل يتجاوز الـ1% على أساس سنوي، وارتفاع معنويات الشركات وتسجيل معدلات نمو تتجاوز الـ5% على مدار الشهور الماضية.

-خلال النصف الأول من 2021 انتعشت عقود العمل الجديدة إذا أفادت الشركات بالتعاقد مع أكثر من 400 ألف موظف جديد مقابل عمليات التسريح التي شهدتها الفترة المماثلة من 2020، بحسب تصريحات لرئيس المعهد الوطني للضمان الاجتماعي باسكوالي تريديكو في أغسطس الماضي.

-خلال الربع الثاني من العام الجاري، سجل الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا قفزة قياسية مقارنة بالفترة المماثلة من 2020، إذ حقق نموا بنسبة 17.3% على أساس سنوي، ومقارنة بالربع الأول من 2021 ارتفع بنسبة 2.7%، بحسب بيانات المعهد الوطني الإيطالي للإحصاء، وذلك في أشارة جديدة على التعافي القوي من تداعيات كورونا.

-اقتصاد إيطاليا يسجل حاليا معدلات نمو لم نراه منذ 20 عاما”، بحسب ما أكد رئيس مصرف “إنتيسا سانباولو” جان ماريا غروس-بييترو، في تصريح لـ”فرانس برس” منذ يومين.

-بدأت الحكومة في تخفيف قيود كورونا بنهاية يونيو الماضي، وسط حزمة تدابير استثنائية من أجل دعم الفئات الأكثر تضررا من الجائحة، ما ساهم في تقليل خطر فقر العاطلين عن العمل بنسبة جيدة.

-خصصت حكومة دراجي مليارات الدولارات لخطط التحفيز المالي لدعم الشركات والأسر المتضررة، وفي أغسطس الماضي حصلت على 24.9 مليار يورو كأول دفعة من حزمة التمويل الأوروبية لصندوق التعافي الوطني، ما يعادل 13% من مجموع 191.5 مليار يورو التي خصصتها بروكسل لروما في يونيو الماضي، وينتظر أن تساعد الحكومة في دفع عجلة التعافي والإصلاح الاقتصادي بقوة.

ويبدو أن تأثير دراجي –إن جاز التعبير- امتد لمنتخب إيطاليا لكرة القدم حيث فاز بلقب بطولة “يورو 2020” في يوليو الماضي، وكذلك لأبطال الأولمبياد ليحصدون عددا قياسيا من الميداليات في طوكيو.

توقعات بنمو قوي ولكن

المفوض الأوروبي للشؤون المالية والاقتصادية باولو جينتيلوني قال – في مقابلة مع صحيفة “لا ريبوبليكا” نهاية أغسطس الماضي- يبدو أن الاقتصاد الإيطالي قد وجد طريقة للتعايش مع هذا الوباء، والتعافي بشكل أفضل من المتوقع، وفي عام 2022 ستعود إيطاليا إلى مستويات ما قبل كوفيد.

وزير المالية الإيطالي دانييلي فرانكو توقع مطلع الشهر الجاري تعديل توقعات الحكومة لنمو الاقتصاد بالزيادة عن التوقعات السابقة “4.5%”، بينما رفع المركزي الإيطالي أخيرا توقعاته للنمو إلى 5% بنهاية 2021.

في أغسطس الماضي، توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نمو اقتصاد إيطاليا بنحو 4.5% هذا العام، فيما تتوقع المفوضية الأوروبية نموا بـ4.2%، وصندوق النقد الدولي بـ4.3%، يشار إلى أن التوقعات تأتي أقل تفاؤلا بالنسبة لأكبر اقتصاد في أوروبا “ألمانيا” إذ تشير إلى نمو يتروح ما بين 3% إلى 4.5%.  

توقع الاقتصادي نيكولا نوبيل في تقرير نشرته مؤسسة “أكسفورد إيكونوميكس”، أن تحقق إيطاليا نموا بـ6.1٪ هذا العام، لكنه قال أن التوقعات جميعها ما تزال تعتمد بشكل كبير على تطورات الوباء، تحديدا في ظل انتشار متغير دلتا.. يشار إلى أن إيطاليا سجلت حتى الآن أكثر من 4.6 مليون إصابة بكورونا و130 ألف وفاة.

بالفعل “يستمر الاقتصاد الإيطالي في النمو بأكثر من المتوقع هذا العام، لكن يجب أن تنجح البلاد في الحفاظ على معدل نمو أعلى مما كان عليه قبل الجائحة”، هكذا تحدث دراجي في الثاني من الشهر الجاري عن إدارته الناجحة لأزمة بلاده.. الرجل الذي سبق وأن أنقذ بلاده من أزمة ديون طاحنة عندما كان وزيرا للخزانة “1991-2001” وأنقذ العملة الأوروبية الموحدة في 2010، لا يحب الحديث عن الأمجاد، وحاليا تعكف حكومته على دراسة خطة جديدة بنحو 20 مليار يورو بهدف دفع عجلة التعافي، كما تسعى لاستغلال أموال التعافي الأوروبية في دفع عجلة الإصلاح الاقتصادي وضخ استثمارات جديدة لضمان جودة أفضل لاقتصاد البلاد والحفاظ على وتيرة النمو مرتفعة، لكن يبقى الأمر مرهونا بقدرته على ضمان استثمار هذه الأموال بكفاءة – للإشارة فقط إيطاليا لديها تاريخ سيئ فيما يتعلق بإنفاق الأموال الأوروبية وكانت ضالعة في انفجار أزمة الديون الأوروبية- كما أنه مرهون باستمراره بمنصبه، وسط أنباء حول أزمة حكومية قد تطيح به مع قرب نهاية ولاية الرئيس سيرجو ماتاريلا مطلع العام المقبل، لكن دراجي وكعادة رجال التكنوقراط نفى الأمر الخميس الماضي، مؤكدا أن حكومته مستقرة وأنه ليس مرشحا لخلافة ماتاريلا.. بالطبع تأثير دراجي مهم لبقاء عجلات إيطاليا مستقرة على قطار النمو لكن إيضا عدم العودة إلى قيود الإغلاق مهم ربما بذات الدرجة.

ربما يعجبك أيضا