بناء القدرات فرط الصوتية.. قرار حتمي للولايات المتحدة خلال العام الجديد

آية سيد
الأسلحة فرط الصوتية

يجب على واشنطن أن تطور القدرات فرط الصوتية في 2023، لأن أمن أمريكا وحلفائها وقواعدها بالخارج يعتمد على تلك القدرات.


قال أستاذ الدراسات العالمية والسياسة بجامعة كولورادو، جريجوري مور، إن الولايات المتحدة تحتاج بشدة لبناء قدرة هجومية ودفاعية للأسلحة فرط الصوتية.

وأوضح مور، في مقال نشرته مجلة “ناشيونال إنترست“، يوم السبت 31 ديسمبر 2022، أن الولايات المتحدة لم تنشر هذه الأسلحة حتى الآن، ومنظوماتها الدفاعية الصاروخية ليست قادرة على إسقاط هذا النوع، ما يترك أمريكا عرضة للخطر الشديد، على حد تعبيره.

الأسلحة فرط الصوتية

يقول مور إن الأسلحة فرط الصوتية عبارة عن صواريخ أو مقذوفات تسافر بسرعات تفوق سرعة الصوت بـ5 مرات (5 ماخ)، وتمتلك قدرة عالية على المناورة في أكثر الأحيان، ما يميزها عن الصواريخ الباليستية التقليدية.

ويشير إلى أنه في السنوات الأخيرة، سعت الصين وروسيا بنشاط لامتلاك التكنولوجيا فرط الصوتية، لتجاوز تفوق الدفاع الصاروخي الأمريكي. واختبرت بكين وموسكو الأسلحة فرط الصوتية ونشرتها، في حين أجرت واشنطن أول اختبار ناجح لصاروخ فرط صوتي في ديسمبر 2022.

مغير للعبة

يرى الكاتب أن الأسلحة فرط الصوتية تغير قواعد اللعبة، لأنها تأتي في نوعين، وتسافر بسرعة 5 ماخ، وتستطيع المناورة، ما يجعل من الصعب إسقاطها أو حماية أهدافها. ويمكن أن تحمل هذه الأسلحة رؤوسًا نووية أو تقليدية، أو لا تحمل متفجرات على الإطلاق، وتعتمد على الضرر الناتج عن الاصطدام الحركي للمقذوف نفسه.

ويتمثل النوع الأول من هذه الأسلحة في المركبة الانزلاقية فرط الصوتية، التي تكون في معظم الحالات رأسًا حربيًّا مزودًا بأجنحة، يوضع على قمة صاروخ باليستي تقليدي. وبعد مغادرة الصاروخ للغلاف الجوي، تنفصل المركبة عنه. وبينما تعاود دخول الغلاف الجوي، تمنحها الأجنحة قدرة على المناورة أثناء انزلاقها تجاه الهدف بسرعات فرط صوتية.

والنوع الثاني، وفق ما ذكره الكاتب، هو صاروخ كروز فرط الصوتي. وهذا الصاروخ لا يغادر الغلاف الجوي للأرض، لكنه يمتلك محركًا نفاثًا يسمح للصاروخ ببلوغ سرعات فرط صوتية في ارتفاعات منخفضة، لا يكشفها الرادار، مع القدرة على المناورة حتى الوصول إلى الهدف.

أمريكا ضد روسيا والصين

كانت روسيا والصين تطوران تكنولوجيات الصواريخ فرط الصوتية وتختبراها منذ فترة، سعيًا للتغلب على الريادة الأمريكية في دفاعات الصواريخ الباليستية. ووفق مور، نشرت روسيا هذه القدرات في صورة صواريخ تُطلق من الجو، مثل صاروخ “كينجال“، الذي يُعتقد أنه استخدمت في أوكرانيا، مارس الماضي، وصواريخ “تسيركون” التي تُطلق من البحر.

واختبرت الصين أيضًا صواريخ كروز ومركبات انزلاقية فرط صوتية. وخلال العام 2021، اختبرت بكين مركبة انزلاقية فرط صوتية دارت حول الأرض قبل الوصول إلى هدفها، ما دفع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكي، الجنرال مارك مايلي، إلى وصفها بأنها “قريبة جدًا من لحظة سبوتنيك“، ومصطلح يُطلق على اللحظة التي تدرك فيها الدول أنها مهددة.

الدفاعات الأمريكية

يقول أستاذ الدراسات العالمية إن الولايات المتحدة، منذ الثمانينات، استثمرت في الدفاع الصاروخي، سواء “باتريوت”، أو “ثاد”، أو “الدرع الصاروخي الأمريكي”. ولأنها نشرت العديد من المنظومات الفعالة، كان الخبراء الاستراتيجيون وصناع السياسة الأمريكيون متفائلين نوعًا ما بشأن التحدي، الذي تفرضه تكنولوجيا الأسلحة فرط الصوتية على الأمن.

لكن على الجانب الآخر، الصين وروسيا، اللتان كانتا متأخرتين في الدفاعات الصاروخية، استثمرتا في الأسلحة فرط الصوتية. ونظرًا لقدرة هذه الأسلحة على جعل منظومات الدفاع الصاروخي الأمريكية زائدة عن الحاجة، أدركت الولايات المتحدة متأخرًا أنها يجب أن تنشر أسلحة فرط صوتية هجومية.

تطوير القدرات الهجومية

اليوم، تحرز الولايات المتحدة تقدمًا قويًّا في مجالي الهجوم والدفاع في عالم الأسلحة فرط الصوتية، وفق مور. وفي 12 ديسمبر 2022، أكملت الولايات المتحدة بنجاح أول اختبار بالذخيرة الحية لصاروخ فرط صوتي. ومن المقرر أن تدخل المنظومة حيز التشغيل بحلول خريف 2023.

لكن لا يزال على واشنطن أن تختبر صاروخ كروز بمحرك نفاث فرط صوتي. وفي سبتمبر 2022، منحت القوات الجوية الأمريكية عقدًا بقيمة مليار دولار لشركة “رايثيون” للدفاع لتطوير نماذج أولية واختبارها. وفي ديسمبر 2022، منح مختبر أبحاث القوات الجوية الأمريكية شركة “ليدوس” عقدًا بقيمة 334 مليون دولار لتطوير برنامج لصواريخ كروز فرط الصوتية.

تطوير القدرات الدفاعية

يذكر مور أن الولايات المتحدة تمضي قدمًا في الإجراءات الدفاعية ضد الأسلحة فرط الصوتية عبر طريقين. الأول هو تطوير صواريخ اعتراضية لاعتراض المركبات الانزلاقية، وصواريخ كروز فرط الصوتية وهي في مرحلة الانزلاق، وقبل الاقتراب من الهدف. وتعمل “رايثيون” حاليًّا على تطوير هذه القدرة لصالح وزارة الدفاع (البنتاجون).

والطريق الثاني هو تطوير نظام استشعار فضائي لتتبع الصواريخ الباليستية وفرط الصوتية. وفي 2021، منح البنتاجون عقدين، واحد لشركة “إل3 هاريس” والثاني لـ”نورثروب جرومان”، لتطوير نماذج أولية من هذا النظام، من المقرر اختبارها في ربيع 2023.

ماذا يجب أن تفعل واشنطن؟

نظرًا للحالة الراهنة في المجال فرط الصوتي على الصعيد العالمي، يتعين على الولايات المتحدة التفكير في قرارين للعام الجديد، وفق مور، الأول تطوير ونشر القدرات الهجومية للمركبات الانزلاقية وصواريخ كروز فرط الصوتية في 2023.

والثاني عقد العزم على تطوير واختبار ونشر نظام الاستشعار الفضائي لتتبع الصواريخ الباليستية وفرط الصوتية، والصواريخ الاعتراضية بنهاية 2024.

ويحذر أستاذ الدراسات العالمية من أن خصوم الولايات المتحدة يمضون قدمًا في منظومات الصواريخ فرط الصوتية، ولا يمكن لواشنطن أن تتخلف عنهم. ويجب عليها تطوير القدرات فرط الصوتية في 2023، لأن أمن أمريكا وحلفائها وقواعدها بالخارج يعتمد على تلك القدرات.

ربما يعجبك أيضا