بيع مجموعة “دوغان” .. الإعلام التركي نحو صوت الرجل الواحد

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

بيعت مجموعة “دوغان ميديا جروب” التي يملكها آيدين دوغان إلى مجموعة “دميروران” مقابل 1.2 مليار دولار. ومع توقيع عقد البيع ستتخلى مجموعة “دوغان ميديا جروب” بشكل كبير عن مجال عملها في الإعلام.

ويغلب الظن أن هناك مجموعة أو طرفا آخر لم يعلن عنه يقف خلف تمويل هذه الصفقة. لكن مصادر تركية رجحت أن يقف وراء الصفقة رجال أعمال مقربون من حزب العدالة والتنمية الحاكم.

ويتمتع نجل “ديميرورين” يلديريم بنفوذ كبير كرئيس للاتحاد التركي لكرة القدم. وهو زائر دائم للقصر الرئاسي.

وتعد مجموعة دوغان الإعلامية أكبر مجموعة تمتلك أسهم في مجال الإعلام على الإطلاق، حيث تمتلك لوحدها حوالي 40% من وسائل الإعلام التركية بين صحف مثل حرييت وميلليت وفاناتيك وبوستا، ومحطات تلفزيونية على رأسها سي إن إن تورك” وقناة “د”.

وبينما يقول أردوغان: إن مجموعة دوغان الإعلامية تمثل “تركيا القديمة” التي كانت تهيمن عليها النخبة العلمانية السابقة، فإن “تركيا الجديدة” في ظل أردوغان تدار على أساس الالتفاف حول فرد ووفقا لسياسات استبدادية.

سياسة استحواذ

يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى استحواذ المقربين منه في وسائل الإعلام على المجموعات الإعلامية التي لا تتوافق معه في تركيا، ويسلك عدة سبل من أجل ذلك، منها التضييق على أصحابها، أو اعتقال صحفيين عاملين فيها، كي يتخلص من أي صوت لا يرضخ لإملاءاته، أو يسعى لنقده أو معارضته.

يبدو أنه في الساحة الإعلامية التركية ليس أمام أي وسيلة إعلامية لا تتوافق مع سياسات أردوغان ولا تقوم بالتصفيق له، إلا أن تتخلى عن دورها في الإعلام، أو تخضع لشروطه، أو تترك عملها وتضطر للبيع لتجنب مواجهة الاستبداد الذي يمارسه أردوغان بحق الصحافة وحرية الرأي والتعبير.

وبعد إتمام عملية البيع أصبح دمير أورين؛ الرجل التابع لأردوغان، أكبر مالك للمؤسسات الإعلامية في تركيا.

وكانت قد انتشرت أخبار عن أن مجموعة دوغان الإعلامية ستتعرض لعمليات تصفية من قبل أردوغان، وأنها ستضطر إلى الإغلاق كغيرها من وسائل الإعلام التي لم تكن تابعة لأردوغان، أو أنها ستضطر للخضوع له بشكل كامل، أو أنها ستلجأ إلى بيعها، ويبدو أن هذا ما تم في النهاية.

وذكرت صحيفة فاينانشال الإنجليزية، أن دوغان على خلاف مع أردوغان منذ فترة طويلة غير أن المجموعة كانت تتبع مسار نشر موال للحكومة أحيانا وكانت تتصرف بحذر نظرا لتعرض المجموعة الإعلامية والشركة القابضة لضغوط شديدة من الحكومة خلال السنوات الأخيرة مؤكدة أن بيع المجموعة الإعلامية تعني رحيل أحد القيادات الإعلامية الحرة المحدودة التي لا تُعد ضمن الحلقة المقربة لأردوغان.

وأضافت الصحيفة، أن أيدين دوغان (82 عاما) اتهُم بدعم عملية الانقلاب الحديث الواقع في 28 فبراير/ شباط ووجه إليه أردوغان أثناء فترة توليه منصب رئيس الوزرا، انتقادات عنيفة بحجة انتمائه للجانب المعارض للحكومة، مشيرة إلى فرض السلطات التركية غرامة ضريبية بقيمة 4.2 مليار ليرة على مجموعة دوغان في عام 2009.

وفي تلك الفترة رفض أيدين دوغان اتهامات التهرب الضريبي الموجهة إليه وزعم أن الأمر برمته “سياسي” مفيدة أن صحفيين وكتاب من قناة سي إن إن التركية وصحيفة حريت التابعتين لمجموعة دوغان فقدوا شعبيتهم أو فصلوا من عملهم بسبب نهجهم المنتقد للحكومة.

قرصنة مواقع الشركة المستحوذة

وقد تمكن قراصنة إنترنت يطلقون على أنفسهم اسم RedHack من اختراق بعض المواقع الإلكترونية لشركات تابعة لمجموعة “دمير أورين” التركية القابضة التي استحوذت على مجموعة دوغان الإعلامية.

وتسبب اختراق مجموعة قراصنة RedHack للمواقع الإلكترونية، موجة كبيرة من الجدل على موقع التواصل الاجتماعي تويتر في تركيا.

ووضع الهاكرز على مواقع الشركات التي اخترقواها رسالة نصية كتب فيها: “أردنا أن نبارك لكم”، بالإضافة إلى عدد من الصور والأخبار عن رئيسي حزب الشعوب الديمقراطية المعتقلين صلاح الدين دمير تاش وفيجين يوكسيك داغ، والمحامي المعتقل سلجوق كوز أغاتشلي، ونفين يلدريم التي حكم عليها بالمؤبد بسبب قتلها الرجل الذي اغتصبها.

قيود إعلامية متزامنة

وقد تزامن تمرير البرلمان التركي مساء الأربعاء الماضي، تشريعاً يضع جميع منصات البث على شبكة الإنترنيت تحت مراقبة الهيئة المسؤولة عن البث في البلاد، مع إعلان استيلاء حليف لأردوغان على مجموعة دوغان الإعلامية، إذ وصل حظر المواقع الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية من قبل الحكومة التركية إلى أرقام مهولة. حيث تحظر 172 ألف موقع إلكتروني، من بينها “ويكيبيديا”، ناهيك عن الآلاف من حسابات “تويتر” ما تزال محظورة.

وقد مرر البرلمان التركي مساء الأربعاء الماضي، تشريعا يضع جميع منصات البث التدفقي على الإنترنت، والتي تشمل المنافذ الإخبارية، تحت مراقبة الهيئة المسؤولة عن تنظيم البث في البلاد، وذلك بحسب ما ذكرته وكالة أنباء الأناضول الرسمية.

وانتقدت المعارضة الإجراء الذي اعتبرته فرضا للرقابة. وقال باريس ياركاداس، من “حزب الشعب الجمهوري” الذي ينتمي لتيار يسار الوسط، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، إن الحكومة “تحجب جميع المنابر التي يمكن للمعارضة من خلالها أن تتنفس وتعبر عن نفسها”.

وحذر الخبراء من إمكانية تأثر منصات مثل نتفليكس. وسيطلب القانون -الذي وضعه “حزب العدالة والتنمية” الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس رجب طيب أردوغان- من الشركات الحصول على ترخيص من الهيئة التنظيمية قبل بدء البث على الإنترنت.

ويمكن للهيئة التنظيمية إيقاف خدمة البث في غضون 24 ساعة، بموجب حكم صادر عن المحكمة. ويقول يمان أكدينيز -وهو أكاديمي يتابع سير الرقابة- إن تركيا تحظر نحو 172 ألف موقع إلكتروني، من بينها “ويكيبيديا”. وكانت هناك فترات تم خلالها حظر موقعي “تويتر” و”يوتيوب”. وما زالت الآلاف من حسابات “تويتر” محظورة.

سياسة مخالفة للاتحاد الأوروبي

المحلل السياسي، مارك بنتلي، أشار في تقرير له عن صفقة البيع هذه، على موقع “أهفال تركية”، أن استحواذ أحد حلفاء الرئيس رجب طيب أردوغان على أكبر مجموعة إعلامية في تركيا يجعل البلاد أقل ديمقراطية، وربما يبدد حماس المستثمرين القلقين بالفعل من سعي أردوغان إلى الحكم المطلق.

وأوضح، أن تركيا التي كانت ذات يوم مرشحا طموحا لعضوية الاتحاد الأوروبي وعميلا ناجحا لصندوق النقد الدولي، باتت تأخذ منحى بعيدًا عن الغرب تحت حكم أردوغان الذي يسعى لتهيئة مكان لتركيا في السياسة الدولية مستلهما أمجاد الماضي العثماني والقيادة المطلقة.

وأن مساعي أردوغان لإسكات الإعلام من خلال استحواذ بعض حلفائه المستثمرين، وسجن عشرات من الصحفيين، هو مثال واحد على تحول تركيا نحو حكم الفرد الذي يدفع المستثمرين الأجانب إلى الابتعاد عن تركيا.

وقد جمد الاتحاد الأوروبي محادثاته مع الحكومة نحو الانضمام للتكتل، وأرجع السبب إلى تحول تركيا نحو حكم الفرد والابتعاد عن حكم القانون.

وفي السنوات الأخيرة، ألغى أردوغان إصلاحات كانت هي ذاتها السبب الذي قاد شركات أجنبية لضخ استثمارات بمليارات الدولارات في البلاد قبل الأزمة المالية.

خطورة الاحتكار على الاقتصاد

وبيّن الباحث السياسي، مارك بنتلي، انه بينما تعتمد تركيا على رؤوس الأموال الأجنبية لتمويل عجزها المتزايد في الحساب الجاري، فهي تؤسس إدارتها الاقتصادية على رفض السياسات التي يؤيدها صندوق النقد الدولي رغم أنها ساهمت في وقت من الأوقات في كبح جماح التضخم وعززت استقلال البنك المركزي والجهات التنظيمية.

وربما تعد سيطرة دميروران على مجموعة دوغان الإعلامية في ظل امتلاكه صحيفتي ميللييت والوطن خرقا لقوانين المنافسة في تركيا.

وقال أوزغور أوزيل -عضو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية- إن صفقة الشراء ستخلق “احتكارا ضخما” في سوق الإعلام وإنه ينبغي للجهات التنظيمية التركية وقف إتمام هذه الصفقة.

وتتولى هيئة مكافحة الاحتكار التي يقع مقرها في أنقرة مهام مراجعة كل صفقات الاندماج والاستحواذ في تركيا للتأكد من عدم تكوين كيانات احتكارية.

ودفع القلق بشأن سوء الإدارة داخل الحكومة وبشأن الاقتصاد إلى تراجع الليرة التركية أمام الدولار واليورو في الأسابيع الأخيرة. وسجلت العملة التركية مستوى منخفضا قياسيا عند 4.03 للدولار الواحد يوم الجمعة.

خفض التصنيف

ويحذر خبراء اقتصاد من أن تركيز السلطة في قبضة أردوغان يزيد من صعوبة توقع مسار السياسة الاقتصادية، ويقوض استقلال البنك المركزي وغيره من المؤسسات.

وفي السابع من مارس، خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف الديون السيادية التركية إلى مستوى أقل درجتين من المعدل المناسب للاستثمارات مستشهدة بتآكل المساواة المؤسسية تحت حكم أردوغان.

ومن المحتمل أن تصدر مؤسستا ستاندرد آند بورز وفيتش، اللتان تصنفان أيضا الديون السيادية التركية بأنها عالية المخاطر، بيانات مشابهة في الشهور المقبلة.

وتراجعت الاستثمارات المباشرة في تركيا إلى أقل من النصف منذ الأزمة المالية، وتراجعت 60 في المئة منذ عام 2015 وفقا لبيانات البنك المركزي.

ولن يتغير هذا الاتجاه على الأرجح بسيطرة دميروران على دوغان رغم كل ما تحمله الصفقة من تداعيات على الديمقراطية واقتصاد السوق.

ربما يعجبك أيضا