بين الاستمرار والانهيار.. هيمنة الدولار إلى أين؟

علاء بريك

تتدفق التحليلات الاقتصادية منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية بشأن مستقبل النظام العالمي، ويحتل الشق الاقتصادي جانبًا رئيسًا من هذه التحليلات. فما هو المشهد اليوم؟


استخدم الغرب منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية العقوبات الاقتصادية للرد على روسيا، لكنَّ هذه العقوبات لم تخلُ من آثار عكسية أشار لها عديدٌ من الخبراء.

لم يكن استخدام العقوبات الاقتصادية ضد الدول أمرًا جديدًا، لكنَّ الجديد هو استخدامها ضد دولة كبرى وبكثافة غير مألوفة من قبل، حسبما كشفت صحيفة الفايننشال تايمز في تقريرٍ لها يوم الخميس، 7 إبريل 2022، لتتوازى الحرب العسكرية على الأرض مع الحرب الاقتصادية مهدِّدةً النظام المالي العالمي ومكانة الدولار فيه.

انقسام عالمي

قال الأمين لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج، الخميس 7 إبريل 2022، إن الدول أعضاء الحلف اتفقت على مواصلة دعم أوكرانيا عسكريًا، وأن الصين ليست على استعدادٍ لإدانة روسيا. لكنَّ الصين ليست وحدها  فقد عارضت 24 دولة تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يوم الخميس، وامتنعت 58 دولة أخرى عن التصويت على القرار، بينما أيَّده 93 من الدول الأعضاء.

إلى جانب هذه المواقف على الصعيد الدبلوماسي، تمتلك روسيا، إلى جانب الصين، منظومة اتصال بنكي يمكن تطويرها لتكون بديلًا عن منظومة السويفت، بحسب الخبير الاقتصادي الأمريكي مايكل هدسون. وتتمتع بشراكات اقتصادية مؤثرة مع دول آسيا الوسطى والهند والصين، وهذه الدول لا تتبنى الموقف الغربي ذاته من الحرب الروسية.

اهتزاز الثقة

جمَّد الغرب جزءًا كبيرًا من احتياطيات البنك المركزي الروسي من العملة الأجنبية، وكانت الخطوة مفاجِئة للغرب بقدر مفاجأتها لروسيا، ليصفها وزير الخارجية، سيرجي لافروف، بالسرقة الموصوفة وتنقل صحيفة الفايننشال تايمز عن رئيس مجلس الدوما الروسي، فياتشيسلاف فولودين، قوله “لن يكون بمقدور من يحتفظ بالدولار الأمريكي أن يتأكد من أن واشنطن لن تسرقه منه”.

أُخرِجَت بعض البنوك الروسية من منظومة سويفت، وحذر مستمثرون من وول ستريت في مقال نُشر على بلومبرج، من مغبة إخراج روسيا المنظومة لأنّ هذا قد يشجع على استحداث بديلٍ عن منظومة سويفت يمكن له في نهاية المطاف النيل من هيمنة الدولار الأمريكي، وعبَّر مدير بلاك روك، لاري فِنْك عن أفول الثقة بالنظام العالمي قائلًا للفايننشال تايمز: “أنهت الحرب العولمة التي عشنا في ظلها 3 عقود”.

نهاية هيمنة الدولار؟

بعد فرض عقوبات على روسيا انخفض الروبل للنصف مقابل الدولار، لكنَّه عاد إلى مستوى ما قبل الحرب، وقال فولودين: “العقوبات الشيطانية لا تؤتي ثمارها، فقد أرادوا تدمير اقتصاد روسيا وشل نظامها المركزي، وهذا لم يحدث”. بحسب صندوق النقد، تراجعت حصة الدولار من احتياطات العملة الأجنبية إلى 59% في 2020 بعدما كانت أكثر من 70% في 1999، وأعلن بعض المحللين قرب نهاية عصر الدولار.

لكن إزاء هذه النظرة المتفائلة تبرز نظرة أخرى تقنية تقول باستحالة انهيار الدولار، على الأقل في الأجل القصير. تبني على واقع عمل الاقتصاد العالمي وقوة الاقتصادات المختلفة فيه ومقدرة الدولة صاحبة العملة البديلة على امتلاك سياسة نقدية تيسيرية وانفتاحٍ على الأسواق العالمية واقتصادٍ منفتح ومستقر، بحسب المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأمريكية براين أوتول.

هل الرينمبي بديل مستقبلي؟

إذا أرادت الصين طرح عملتها كعملة احتياطي عالمي بديلة عن الدولار، فستواجه معضلة تتمثل في صرامة قيودها على حساب رأس المال، علاوة على ذلك، لا تتمتع عملة الرينمبي الخاصة بها بقابلية تبادل واسعة، وأدركت القيادة الصينية هذه المعضلة، بعبارة أخرى تعي الصين أنها أمام خيارين إما تدويل الرينمبي وجعله عملة عالمية أو الإبقاء على قيود رأس المال في نظامها المالي المحلي,

ولخص الباحث في معهد بروكينجز، إسوار براساد، المشهد المالي العالمي بالقول: “ثمة ندرة في البدائل، والحقيقة المُرّة أنَّ رينمبي عند هذه المرحلة ليس لاعبًا كبيرًا على الساحة المالية الدولية ليكون بديلًا حقيقيًا”. وشدد المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأمريكية، جون سميث، على استمرار الدولار في قوته حتى بعد أن تضع الحرب الأوكرانية التي أطلقتها روسيا أوزارها.

ربما يعجبك أيضا