تآكل المعرفة والتعليم والابتكار.. أمريكا تفقد أسس القوة

أرض هشة.. الأسس المتداعية للقوة الأمريكية

بسام عباس
التنافس التكنولوجي بين الصين والولايات المتحدة

تتدهور العديد من قدرات الحكومة الأمريكية، التي ذبلت أدواتها التقليدية في السياسة الخارجية، فيما يعتمد البنتاجون بشكل متزايد على تدابير ميزانية مؤقتة تمول البرامج القائمة فقط، وليس البرامج الجديدة، مما يمنع مبادرات البحث والتطوير الجديدة أو برامج الأسلحة من الانطلاق.

وفي عالم اليوم، القائم على المعرفة والتكنولوجيا، يحتاج صناع السياسات في واشنطن إلى التفكير بطرق مبتكرة حول ماهية القوة الأمريكية، وكيفية تطويرها ونشرها، فلن يعتمد الرخاء والأمن في المستقبل على منع الخصوم من الحصول على التكنولوجيات الأمريكية بقدر ما سيعتمدان على تعزيز القدرات التعليمية والبحثية للبلاد.

التكنولوجيا هي القوة

أوضحت الكاتبة إيمي زيجارت، في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية الثلاثاء 20 أغسطس 2024، أن قوة الأمة على مدى قرون من الزمان، كانت تنبع من موارد ملموسة تستطيع حكومتها رؤيتها وقياسها والسيطرة عليها بشكل عام، مثل السكان والأراضي، والقوات البحرية، والسلع التي يمكن إطلاقها أو تقييدها، مثل النفط.

وأضافت أن إسبانيا كانت في القرن 16 تمتلك جيوشًا ومستعمرات ومعادن ثمينة، وكانت المملكة المتحدة في القرن 19 تمتلك أقوى بحرية في العالم، والمكاسب الاقتصادية التي نشأت عن الثورة الصناعية. وكانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في القرن 20 تمتلك ترسانات نووية هائلة.

واليوم، تستمد الدول قوتها بشكل متزايد من الموارد غير الملموسة، المعرفة والتكنولوجيات مثل الذكاء الاصطناعي التي تعمل على تعزيز النمو الاقتصادي والاكتشاف العلمي والإمكانات العسكرية، ويصعب على الحكومات السيطرة على هذه الأصول، بسبب طبيعتها غير الملموسة وسهولة انتشارها عبر القطاعات والدول. ​​

سلاح لا يمكن استرجاعه

قالت الكاتبة إن المعرفة هي السلاح المحمول الذي لا يمكن استرجاعه، ولا يمكن للمسؤولين الأمريكيين الإصرار على أن يعيد الخصم خوارزمية ما إلى أمريكا، ولا يمكنهم أيضًا مطالبة مهندس بيولوجي صيني بإعادة المعرفة المكتسبة من أبحاث ما بعد الدكتوراه في الولايات المتحدة.

وأضافت أن هذه الموارد تنشأ عادة في القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية، ما يجعل مهمة الحكومة أكثر تحديًا. وكانت السياسة الخارجية دائمًا لعبة ذات مستويين؛ يتعين على المسؤولين الأمريكيين التعامل مع الجهات الفاعلة المحلية والخصوم الأجانب.

وأوضحت أن قرارات الشركات التكنولوجية الخاصة لا تتوافق دائمًا مع الأهداف الوطنية، لافتة إلى أن الرؤساء التنفيذيون الأمريكيون لشركة “ميتا”، الشركة الأم لمنصات التواصل الاجتماعي التي يستخدمها 3 مليارات شخص في مختلف أنحاء العالم، التقوا الزعيم الصيني شي جين بينج بنفس عدد مرات لقاء وزير الخارجية الأمريكي، لأن لديهم مصالح تجارية مع الصين.

نظرة إلى الداخل

ذكرت زيجارت أن بناء واستخدام قوة المعرفة يتطلب من واشنطن أن تنظر إلى الداخل، فهي تنطوي على حشد الأفكار والمواهب والتكنولوجيا لمساعدة الولايات المتحدة وشركائها على الازدهار بغض النظر عما تفعله الصين أو أي خصم آخر، مشيرةً إلى أنه قد يكون من الصعب رؤية مكونات قوة المعرفة وقياسها.

وأكدت أن المكان الجيد للبدء هو مستويات الكفاءة التعليمية الوطنية، وإذا كان التعليم والابتكار أساسيين لقدرة الولايات المتحدة على إبراز القوة، فإنّ آفاق البلاد تقف على أرض هشة، فالتعليم الأمريكي من الروضة وحتى الصف 12 في أزمة. يسجّل الطلاب اليوم نتائج أسوأ في اختبارات الكفاءة مقارنة بما حصلوا عليه منذ عقود، ويتخلفون عن أقرانهم في الخارج.

وأضافت أن الجامعات الأمريكية تواجه صعوبات أيضًا، حيث تواجه منافسة عالمية أكبر على المواهب ونقص الاستثمار الفيدرالي المزمن في البحوث الأساسية التي تشكل أهمية بالغة للإبداع على المدى الطويل، فبينما يتخلف الطلاب في الولايات المتحدة عن الركب، فإن الطلاب في دول أخرى يتقدمون للأمام.

الابتكار الأمريكي يتآكل

أفادت زيجارت أن ميزة الابتكار التي تتمتع بها الجامعات الأمريكية على نظيراتها الأجنبية تتآكل أيضًا، فقبل 10 سنوات، أنتجت الولايات المتحدة الأوراق العلمية الأكثر استشهادًا بها في العالم، واليوم تتقدم الصين، ففي عام 2022، ولأول مرة، تجاوزت مساهمات الصين مساهمات الولايات المتحدة في هذا الشأن.

وشددت على أنه بدون تغييرات ملموسة لحل هذه المعضلات، ستستمر القدرة المعرفية للولايات المتحدة في التآكل وستزداد قوة الولايات المتحدة ضعفًا في السنوات المقبلة، والآن، ينبغي على واشنطن أن تفهم أن المعرفة هي قوة، وأنه يجب تنميتها في الداخل.

ربما يعجبك أيضا