تأثير القوى المتوسطة على تشكيل النظام العالمي متعدد الأقطاب

ما أهمية القوى المتوسطة في تشكيل المشهد العالمي المتعدد الأقطاب المتغير؟

بسام عباس

يمر النظام الدولي بتحول دراماتيكي من عالم أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة إلى نظام متعدد الأقطاب أكثر تعقيدًا وتطورًا، ويتسم هذا التغيير بإنشاء العديد من مراكز القوّة التي يكون لكل منها نفوذ على مجالات مختلفة من الحوكمة العالمية.

ورغم أنّ التركيز في المحادثات عن السياسة العالمية ينصب في كثير من الأحيان على دور القوى العظمى، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، فإنّ القوى المتوسطة أصبحت أكثر أهمية في تشكيل هذا المشهد المتعدد الأقطاب المتغير.

ذات نفوذ وتأثير

أوضحت مجلة “مودرن دبلوماسي” الأمريكية، في تقرير نشرته الخميس 19 سبتمبر 2024، أن القوى المتوسطة تحتل مكانة خاصة في النظام الدولي بسبب دبلوماسيتها الاستباقية واقتصاداتها القوية ونفوذها المعتدل، وهي لا تشارك في الحوكمة العالمية فقط، بل تصممها أيضًا، باستخدام استقلاليتها الاستراتيجية لتعزيز التعاون واستقرار العالم وحل النزاعات.

وذكرت أن القوى المتوسطة هي دول ذات نفوذ إقليمي كبير وتأثير في الدبلوماسية الدولية، لكنها تفتقر إلى قدرات الإسقاط الشامل للقوة التي تتمتع بها القوى العظمى، وتمتلك اقتصادات متطورة للغاية وشبكات دبلوماسية معقّدة وقوة عسكرية كافية للتأثير في ديناميكيات الأمن الإقليمي، ومن هذه الدول، جنوب إفريقيا والبرازيل وأستراليا وكوريا الجنوبية وكندا وتركيا.

مساهمات في الاقتصاد العالمي

قالت المجلة إن أحد الأشياء التي تميّز القوى المتوسطة هو استقلالها الاستراتيجي، فغالبًا ما تنفّذ سياسات خارجية مستقلّة تمثل مصالحها الوطنية وأولوياتها الإقليمية، على النقيض من الدول الأصغر حجمًا، والتي قد تتماهى مع القوى العظمى لأسباب أمنية واقتصادية، وبسبب استقلالها، تستطيع ملء الفراغات التي خلّفتها القوى العظمى والعمل كمدافعين ووسطاء وبناة تحالفات لتغيير الحكومة العالمية.

وتقدّم الدول المتوسطة الحجم مساهمات كبرى في الاقتصاد العالمي من خلال العمل كمحفزات مهمة للتكامل الإقليمي والنمو الاقتصادي، وتتمثل المحاور الرئيسة لاستراتيجياتها الاقتصادية في اتصالاتها التجارية، ومشاركتها في سلاسل القيمة العالمية، وتعزيز التعاون الإقليمي، وتستخدم القوى المتوسطة نفوذها الاقتصادي للتأثير في القرارات الاقتصادية الدولية، وتدفع نحو أنظمة اقتصادية دولية أكثر ليبرالية وشمولًا.

استقرار النظام الدولي

أوضحت المجلة أن القوى المتوسطة تدعم جهود الأمن الإقليمي وحفظ السلام والوساطة في النزاعات، حتى وإن لم تكن تتمتع بالقوة العسكرية نفسها التي تتمتع بها القوى العظمى، وكثيرًا ما تخدم الدول المتوسطة الحجم كقوات لحفظ السلام في مناطقها، فتتجنب الحروب وتحافظ على الهدوء باستخدام قوتها العسكرية واتصالاتها الدبلوماسية.

وأضافت أن القوى المتوسطة، في التعامل مع النظام العالمي المتعدد الأقطاب، تواجه صعوبات مختلفة رغم مساهماتها الجديرة بالملاحظة، وتشكّل ضرورة الحفاظ على استقلاليتها الاستراتيجية مع إيجاد التوازن مع القوى العظمى أحد الشواغل الأساسية، وكثيرًا ما تجد الدول المتوسطة الحجم نفسها في ظروف دبلوماسية صعبة، إذ يتعيّن عليها الموازنة بين المصالح المتضاربة للدول الأكثر قوة.

ويتزايد دور القوى المتوسطة أهمية مع استمرار النظام العالمي في التحول نحو التعددية القطبية، فهذه الدول حيوية لاستقرار النظام الدولي وسير عمله بسلاسة بسبب استقلالها الاستراتيجي وتفانيها في التعددية وقوتها الاقتصادية ومساهماتها في الأمن الدولي، ولضمان انعكاس مصالح مجموعة واسعة من الدول في الحوكمة العالمية، تعمل القوى المتوسطة كصانعي تحالفات ومثبتين ووسطاء.

ربما يعجبك أيضا