تاريخ من الانفصام.. أنقرة وأبواق المتاجرة بالقضية الفلسطينية

كتبت – علياء عصام الدين

لا يمكن أن تترك أنقرة مناسبة للمزايدة والمتاجرة بالقضية الفلسطينية التي طالما تشدقت بها واستغلت المؤتمرات والمحافل الدولية لإطلاق الشعارات والأكلشيهات التي بات الكل يحفظها عن ظهر قلب.

وتأتي تصريحات أردوغان العنترية وكأنه في حالة حرب مع الاحتلال -في حين أن العلاقات بين تركيا والاحتلال قائمة على أكمل وجه- لتبرز وجه تركيا المنفصم المضحك إن جاز التعبير.

انفصام تركي

منذ الإعلان عن معاهدة السلام بين دولة الإمارات العربية المتحدة والاحتلال الإسرائيلي بدأت أبواق تركيا، ومن ورائها الأبواق الإخوانية، باستغلال الموقف للمزايدة والتدليس والتضليل.

ويعمل رجب طيب أردوغان جاهدًا منذ زمن على الظهور بمظهر المتبني الأوحد للقضية الفلسطينية، ونصيرها مزايدًا على الآخرين، حيث يلجأ إلى أساليب التهييج العاطفي والانفعال والصياح للتغطية على حقيقة كونه الرئيس الوحيد الذي انتعشت في عهده العلاقات بين أنقرة ودولة الاحتلال.

ويتميز الموقف التركي حقًا بـ”الطرافة” خصوصا بعد أن هدد رجب طيب أردوغان بقطع العلاقات مع دولة الإمارات، وهاجمت وسائل الإعلام الرسمية والحكومة التركية القرار الإماراتي -الذي لاقى ترحيبا دوليا وعربيا واسعا- في الوقت الذي تقيم فيه تركيا علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل.

يمكن ملاحظة الانفصام التركي العجيب بمراجعة تاريخ العلاقات بين أنقرة والاحتلال فتركيا هي أول دولة مسلمة أقامت علاقات مع إسرائيل بتمثيل دبلوماسي كامل .

تاريخ أسود

في مارس 1949 كانت تركيا ثاني أكبر بلد ذي أغلبية مسلمة يعترف بدولة الاحتلال بعد اعتراف إيران عام 1948، ومنذ ذلك الوقت أصبحت دولة الاحتلال هي المورد الرئيسي للسلاح التركي.

حققت حكومة البلدين تعاونًا كبيرا في المجالات العسكرية، الدبلوماسية، الاستراتيجية، والاقتصادية ويتفق البلدان حول الكثير من الاهتمامات المشتركة والقضايا المشتركة التي تخص الاستقرار في الشرق الأوسط.

في 1958، وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون ورئيس الوزراء التركي عدنان مندريس اتفاقية تعاون ضد التطرف ونفوذ الاتحاد السوڤيتي في الشرق الأوسط.

في عام 1986 عينت الحكومة التركية سفيراً كقائم بالأعمال في تل أبيب وفي 1991، تبادلت الحكومتان السفراء، وفي أغسطس 1996، وقعت حكومتا أنقرة والاحتلال اتفاقيات تعاون عسكري.

وفي يناير 1998 بدأت تدريبات “عروس البحر” البحرية المشتركة بين جيشي البلدين، كما يوجد مستشارون عسكريون إسرائيليون في القوات المسلحة التركية. وتشتري أنقرة العديد من الأسلحة من إسرائيل، كما تقوم الأخيرة بمد الجيش التركي بالدبابات والطائرات الحربية الحديثة.

يبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرئيل 6 مليارات دولار سنويًا، وهذا المعدل يرتفع باطّراد، وأنقرة هي الدولة الوحيدة التي تعمل على تنفيذ مشروع لمد إسرائيل بمياه الشرب.

وتعتبر إسرائيل واحدة من أهم 5 أسواق تسوّق فيها تركيا بضائعها، حيث بلغت المبادلات التجارية بين البلدين في 2016 أكثر من 4.2 مليار دولار لترتفع بنسبة 14% في 2017.

وعلى الرغم من الأموال الطائلة التي ينفقها النظام التركي للترويج لفكرته الوهمية بدعم القضية الفلسطينية، يأتي تقرير 2016 لوكالة الغوث “الأونروا” لتشغيل اللاجئين ليسقط القناع التركي، ويفضح المتاجرين بالفلسطينيين وقضيتهم، فمن بين أهم 20 دولة داعمة للقضية الفلسطينية يختفي اسم تركيا وقطر وإيران من القائمة.

وحسب ورقة بحثية لمعهد “السادات بيجن”، فإن العلاقات التركية الإسرائيلية تشهد مؤشرات تحسن ملموس في الوقت الحالي إذ التقى رئيس المخابرات التركية هاكار فيدان، رئيس الموساد يوسي كوهين، عدة مرات خلال العام الماضي.

وخلال جائحة كورونا، سمحت أنقرة بتصدير مساعدات طبية إلى إسرائيل حيث هبطت طائرة شحن تابعة لشركة العال في تركيا، علاوة على اجتماع مسؤولين من البلدين لمناقشة المصالح المشتركة في البحر المتوسط.

تركيا هي الدولة الأكثر ارتباطاً بإسرائيل وبينهما اتفاقيات استراتيجية توجت في عام 1997 بتعاون عسكري عالي المستوى وصل لدرجة وجود غرفة استخبارات مشتركة للتنسيق المتبادل استفادت منه بالطبع أنقرة في حربها ضد الأكراد منذ التسعينات.

ويبدو أن تركيا لا تنظر إلى نفسها في المرآة حتى تستيقظ من وهم الشعارات التي تلوكها بشأن فلسطين والقضية الفلسطينية، فماذا فعل أردوغان لفلسطين والفلسطينيين سوى تكريس الحصار الإسرائيلي لغزّة وتحويلها إلى سجن يقبع فيه أهلها بحماية حماس ورعايتها.

ربما يعجبك أيضا