تبادل السجناء.. هل يشير لتحول في العلاقات الأمريكية الروسية؟

أفرجت روسيا عن أكثر من 20 سجينًا، بما في ذلك أمريكيون وألمان ومعارضون روس، في واحدة من أكبر وأعقد صفقات تبادل السجناء في تاريخ الولايات المتحدة.

وعاد مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال” إيفان جيرشكوفيتش، إلى أمريكا مساء أمس الخميس 1 أغسطس 2024، حيث استقبله الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس بحفاوة بعد فترة احتجاز طويلة في روسيا.

الأمريكيون المحررون

اعتُقل جيرشكوفيتش عام 2023 وحُكم عليه في يوليو 2024 بتهم التجسس التي نفاها هو والصحيفة والحكومة الأمريكية.

ووصل جيرشكوفيتش إلى قاعدة عسكرية في ضواحي واشنطن، وكان أول الخارجين من الطائرة هو الجندي السابق بول ويلان، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، اليوم الجمعة 2 أغسطس 2024.

3 من المحررين كانوا مواطنين أمريكيين: الصحفيان إيفان جيرشكوفيتش وألسو كورماشيفا والجندي السابق بول ويلان. كما تم الإفراج عن الصحفي فلاديمير كارا-مورزا، المقيم في الولايات المتحدة.  ومن بين الألمان المحررين كان ريكو كريغر، الذي كان قد حُكم عليه بالإعدام في بيلاروسيا. تم أيضًا إطلاق سراح عدد من المعارضين الروس المسجونين.

وحسب ما نشرت مجلة بولتيكو الأمريكية أمس 1 أغسطس 2024. كانت الجائزة الكبرى لروسيا هي فاديم كراسيكوف، وهو كولونيل مرتبط بالكرملين في الخدمة السرية الروسية سُجن في ألمانيا عام 2019 لقتله معارضًا شيشانيًا.

عملية التفاوض

قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان عملنا على الصفقة لأكثر من عام، وتمثل انتصارًا كبيرًا للرئيس الأمريكي جو بايدن: “في سياق الحرب الروسية المستمرة ضد أوكرانيا والتدهور العام في علاقاتنا مع روسيا، كان تأمين الإفراج عن الأمريكيين المحتجزين في روسيا تحديًا فريدًا.” موضحا أن الروس لن يوافقوا على الإفراج عن هؤلاء الأفراد دون تبادل يشمل فاديم كراسيكوف.

ظلت الولايات المتحدة وروسيا في خلافات طويلة الأمد حول الحرب بين موسكو وأوكرانيا. وفرضت إدارة بايدن عقوبات صارمة على روسيا في محاولة لتقليل قدرتها على الحفاظ على حملتها العسكرية، وأنفقت مليارات الدولارات لدعم كييف. وقد زاد احتجاز الأمريكيين من تلك التوترات.

التوترات بين واشنطن وموسكو

رغم أهمية صفقة تبادل السجناء، إلا أنها لا تشير إلى تغيير كبير في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع علاقتها مع روسيا. وغالبًا ما تكون اتفاقيات الرهائن وتبادل السجناء، وخاصة بين واشنطن وموسكو، خالية من الاعتبارات السياسية أو الخارجية وتُعتبر صفقات من الفرص.

هبط الأمريكيون في أنقرة، تركيا، قبل أن يستقلوا طائرة متجهة إلى واشنطن. وقد تصاعدت التكهنات في الأيام الأخيرة بأن نوعًا من التبادل كان وشيكًا، حيث تم الإبلاغ عن غياب بعض السجناء الأجانب من عدة سجون روسية دون تفسير من الحكومة الروسية.

الصحفي الأمريكي إيفان جيرشكوفيتش

جيرشكوفيتش وكورماشيفا

كان جيرشكوفيتش، البالغ من العمر 32 عامًا، مراسل موسكو لصحيفة وول ستريت جورنال، سجينًا بارزًا حيث شنت صحيفته حملة لإطلاق سراحه منذ اعتقاله في مارس 2023 أثناء رحلة صحفية في روسيا واتهامه بالتجسس.

واعتقلت في براغ كورماشيفا، (47 عامًا)، المراسلة لراديو أوروبا الحرة، في أكتوبر 2023 لعدم تسجيلها كعميلة أجنبية. واعتقل الصحفي الروسي البريطاني والمواطن الأمريكي، كارا-مورزا، الدائم، في 2022، لانتقاده حرب روسيا لأوكرانيا. وهو مساهم في قسم الرأي بصحيفة واشنطن بوست.

صفقات سابقة

في الصفقة الأخيرة في 2022، تم تبادل لاعبة كرة السلة بريتني غراينر مقابل تاجر الأسلحة الروسي فيكتور بوت. وفي نفس العام، أمنت الولايات المتحدة الإفراج عن الجندي السابق تريفور ريد مقابل مهرب مخدرات روسي. ولم تتمكن الولايات المتحدة من الإفراج عن ويلان، (54 عامًا)، في التبادلات السابقة. وتم سجنه في 2018 بتهمة التجسس.

بعد إطلاق سراح غراينر، قدمت الولايات المتحدة عرضًا آخر لروسيا للإفراج عن ويلان، والذي رفضته موسكو. وخلال الأشهر التي تلت ذلك، قادت الإدارة، بقيادة سوليفان، خطة لمحاولة صياغة صفقة مختلفة تؤدي إلى الإفراج عن العديد من الأمريكيين المسجونين في روسيا.

التحدي الأكبر

كان التحدي الأكبر أمام سوليفان وإدارة بايدن هو الحصول على موافقة الألمان على الإفراج عن كراسيكوف. وفي زيارة لواشنطن في 10 فبراير 2024، أخبر المستشار الألماني أولاف شولتز بايدن أن ألمانيا مستعدة لمساعدة واشنطن في الصفقة.

وبعد أسبوع، في 16 فبراير، توفي أليكسي نافالني. مما أثر سلبًا على التفاؤل بشأن التوصل إلى اتفاق مع روسيا. ولكن سوليفان اعتقد بأن هناك صفقة يمكن للولايات المتحدة إتمامها مع ألمانيا، وطلب من فريقه في مجلس الأمن القومي تعديل شروط الاتفاقية لتكون أكثر “قبولاً سياسيًا”.

التوصل إلى الاتفاق

في أبريل 2024، أعد سوليفان رسالة لبايدن ليُرسلها إلى شولتز بمقترحات محددة للولايات المتحدة. ووافقت ألمانيا على الإفراج عن كراسيكوف كجزء من الصفقة، ونقل سوليفان شروط الاتفاقية عبر قنوات الاستخبارات إلى موسكو.

وخلال الأسبوعين الأخيرين، أصدرت روسيا حكمًا بالسجن لمدة 16 عامًا على جيرشكوفيتش ثم 6 سنوات ونصف على كورماشيفا، مما كان إشارة إلى استعداد روسيا للمضي قدمًا في تبادل السجناء.

استكمال الصفقة

قام سوليفان بإجراء مكالمات أخيرة في يوليو لإتمام الصفقة. وكانت هناك نقاط نهائية للتفاوض، بما في ذلك مشكلة قانونية في سلوفينيا كانت تعيق إطلاق سراح أحد السجناء الروس. لكن الصفقة كانت قريبة من الاكتمال قبل إعلان بايدن انسحابه من السباق الرئاسي في 21 يوليو.

ظهرت تقارير إعلامية يوم 31 يوليو أن ويلان وكارا-مورزا اختفيا من السجن، مما أثار الشكوك داخل الحكومة الأمريكية والكونجرس بأن الصفقة كانت وشيكة.