تحول تاريخي.. أسواق المال العالمية تتجاهل الصين وتراهن على الهند

مليارات الدولارات تتحول من بكين إلى نيودلهي باعتبارها الوجهة الاستثمارية الرئيسة للعقد المقبل

أحمد السيد

شهدت الأسواق المالية العالمية تحولاً هائلاً إلى الهند، بعدما سحب المستثمرون مليارات الدولارات من اقتصاد الصين المتعثر، بعد عقدين من الرهان على البلاد باعتبارها أكبر قصة نمو في العالم.

اتجهت معظم هذه الأموال الآن نحو الهند، حيث يفضل عمالقة وول ستريت، مثل جولدمان ساكس جروب ومورجان ستانلي، الدولة الواقعة في جنوب آسيا باعتبارها الوجهة الاستثمارية الرئيسية للعقد المقبل، وفق تقرير بلومبرج، اليوم الأربعاء 7 فبراير 2024.

أسواق المال العالمية تتجاهل الصين

هذا الزخم الاستثماري يخلق منافسة محتدمة نحو هذه الوجهة، وحدد صندوق التحوط مارشال وايس، البالغة قيمته 62 مليار دولار، الهند باعتبارها أكبر رهان طويل الأجل بعد الولايات المتحدة في صندوق تحوطه الرئيسي.

وأصبحت الهند واحدة من أهم الأسواق الناشئة بالنسبة لأحد أذرع شركة “فونتوبيل هولدينغ” (Vontobel Holding AG)، ومقرها في زيوريخ، فيما تستكشف جانوس هندرسون جروب (.Janus Henderson Group Plc) عمليات الاستحواذ على صناديق الاستثمار، حتى أن المستثمرين الأفراد في اليابان، الذين يتبنون عادةً نهجاً استثمارياً تقليدياً، بدأوا يتجهون نحو الهند ويقلصون انكشافهم على الصين.

ويولي المستثمرون اهتماماً كبيراً بالمسارين المتناقضين للقوتين الآسيويتين العظميين. فقد عززت الهند، وهي الاقتصاد الرئيسي الأسرع نمواً في العالم، بنيتها التحتية بشكل كبير في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي في مسعاه من أجل جذب رؤوس الأموال العالمية وسلاسل الإمداد بعيداً عن بكين، وفي المقابل، تواجه الصين مشاكل اقتصادية مزمنة وخلافاً متزايداً مع النظام الذي يقوده الغرب.

بورصة الهند

خصائص صينية للنمو الاقتصادي في الهند

قال فيكاس بيرشاد، مدير محفظة الأسهم الآسيوية لدى شركة “إم أند جي إنفستمنتس” (M&G Investments) في سنغافورة: “الناس مهتمون بالهند لعدة أسباب، أحدها ببساطة أنها ليست الصين. الهند تحظى بقصة نمو حقيقية طويلة المدى”.

على الرغم من أن المعنويات الإيجابية تجاه الهند ليست شيئاً جديداً، فمن المرجح أن يرى المستثمرون الآن سوقاً أشبه بالصين في الماضي، تتمثل في اقتصاد ديناميكي هائل، ومنفتح على الأموال العالمية بطرق جديدة. لا يتوقع أحد رحلة سلِسة، خاصة أن سكان البلاد لا يزالون فقراء إلى حد كبير، كما أن أسواق الأسهم مكلّفة، وأسواق السندات معزولة، لكن معظمهم يجتازون ذلك على أي حال، معتقدين أن مخاطر الرهان ضد الهند أكبر.

نمو الاقتصاد الهندي وقيمة سوق الأسهم

يظهر التاريخ أن نمو الاقتصاد الهندي وقيمة سوق الأسهم لديها مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وإذا واصلت البلاد النمو بنسبة 7%، فمن المتوقع أن ينمو حجم السوق بمعدل لا يقل عن هذا الرقم في المتوسط. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي والقيمة السوقية بشكل متزامن من 500 مليار دولار إلى 3.5 تريليون دولار خلال العقدين الماضيين.

قال أنيكيت شاه، رئيس الشؤون البيئية والاجتماعية والحوكمة العالمية لدى “جيفريز غروب” (.Jefferies Group LLC)، إن الاجتماع الأخير الذي عقده مع المستثمرين عبر الهاتف بشأن الهند كان واحداً من أفضل اجتماعات الشركة التي حظيت بالحضور، إذ “يسعى الجميع إلى فهم ما يحدث في الهند”.

تدفقات داخلة غير مسبوقة للأسهم الهندية

تعكس تدفقات رأس المال حماس المستثمرين، ففي صناديق المؤشرات المتداولة في البورصة الأميركية، تلقى الصندوق الرئيسي الذي يشتري الأسهم الهندية تدفقات داخلة غير مسبوقة في الربع الأخير من 2023، فيما شهدت أكبر أربعة صناديق صينية مجتمعة تدفقات خارجة تقدر بنحو 800 مليون دولار.

كما خصصت صناديق السندات النشطة 50 سنتاً لصالح الهند مقابل كل دولار سحبته من الصين منذ 2022، وفقاً لبيانات “إي بي إف آر” (EPFR).

في غضون فترة وجيزة تجاوزت الهند هونغ كونغ في منتصف يناير لتصبح رابع أكبر سوق للأسهم في العالم. يعتقد بعض المستثمرين أن مكانة الدولة الواقعة في جنوب آسيا سترتفع بشكل أكبر.

سوق الأسهم الهندية بورصة الهند

توقعات بأن تصبح سوق الأسهم الهندية ثالث أكبر سوق

كما يتوقع “مورجان ستانلي” أن تصبح سوق الأسهم الهندية ثالث أكبر سوق بحلول 2030، حيث قفزت حصتها في مؤشر “إم إس سي آي” لأسهم الأسواق النامية إلى أعلى مستوياتها عند 18%، حتى مع تقلص حصة الصين إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق عند 24.8%.

قال مارك ماثيوز، رئيس أبحاث آسيا لدى “بنك جوليوس باير” (Bank Julius Baer) في سنغافورة، والذي أطلق أول صندوق له في الهند العام الماضي، إن “الوزن الترجيحي للصين سيكون أقل، والهند أكبر. هذا هو الاتجاه”.

تفضيل الهند على وول ستريت

بدأ المستثمرون الأفراد في اليابان، الذين كانوا يفضلون الولايات المتحدة تقليدياً، في التوجه نحو الهند، وأصبحت خمسة من صناديقهم الاستثمارية المشتركة التي تركز على الهند الآن ضمن أفضل 20 صندوقاً من حيث التدفقات النقدية الداخلة.

ووصلت الأصول في الصندوق الأكبر، صندوق “نومورا” للأسهم الهندية (Nomura Indian Stock Fund)، إلى أعلى مستوياتها منذ أربعة أعوام.

فرص النمو المستمرة

تشير بعض صناديق التحوط، بما فيها “مارشال وايس”، إلى النمو القوي والاستقرار السياسي النسبي في الهند كأسباب لمواصلة التفاؤل بشأن فرص النمو المستمرة، حتى لو كانت السوق الأوسع تتمتع بتقييمات باهظة.

يقول صندوق “كارما كابيتال” (Karma Capital)، الذي يدير أموالاً في الهند لصالح مؤسسات مثل “نورجيس بنك” (Norges Bank)، إن المستثمرين الأميركيين حريصون بشكل خاص على دخول السوق والتعرف عليه أكثر.

سوق السندات السيادية في البلاد البالغة قيمتها 1.2 تريليون دولار

ستواصل أسواق المال في الهند، التي كانت معزولة ذات يوم، الانفتاح، وتُضاف سوق السندات السيادية في البلاد البالغة قيمتها 1.2 تريليون دولار إلى مؤشر الديون العالمية لـ”جيه بي مورغان تشيس آند كو” اعتباراً من يونيو، في ظل وجود نسبة ملكية أجنبية تزيد قليلاً عن 2%. هذه الخطوة ربما تجذب تدفقات تصل إلى 100 مليار دولار في الأعوام المقبلة، وفقاً لشركة “إتش إس بي سي أسيت مانجمنت” (HSBC Asset Management).

تكثف الهند أيضاً جهودها لعولمة الروبية، وإن كان على نطاق أقل بكثير من توسع اليوان الصيني. مع ذلك، تبرز الإمكانات عندما تقترن بتطوير الحكومة لـ”غيفت سيتي” (GIFT City)، وهو مشروع تجريبي للسوق الحرة في غرب الهند يطمح ليصبح مركزاً مالياً عالمياً غير مقيد بالقواعد والضرائب. إنها فرصة تتشابه أصداؤها مع ترقية “شنزن” في 1980 لتصبح منطقة اقتصادية خاصة.

ربما يعجبك أيضا