تداعيات الانسحاب الأمريكي وقراءة في المشهد العراقي

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

بعد سنوات من الأزمات السياسية والأمنية التي يواجهها العراق، قررت إدارة ترامب تخفيض عدد قواتها إلى ثلاثة آلاف جندي تنفيذًا لوعود الرئيس الأمريكي قبيل الانتخابات الرئاسية. خطوة قد تهدد أمن واستقرار العراق في وقت لا يزال خطر تنظيم داعش يلقي بظلاله على الساحة الأمنية، لكنه يحقق مطلبًا رئيسيًا للأحزاب والميليشيات الموالية لإيران، فإلى أي مدى سيؤثر القرار الأمريكي على المشهد العراقي؟ ومن المستفيد منه؟

خفض القوات الأمريكية

ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستخفض عدد القوات الأمريكية في العراق بأكثر من الثلث هذا الشهر إلى 3000، حيث يسعى الجيش الأمريكي إلى ترك المعركة ضد مقاتلي تنظيم “داعش” للقوات العراقية.

وفي هذا المسعى، أعلن قائد القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، الجنرال كينيث ماكينزي، أن الولايات المتحدة قررت تخفيض عدد قواتها في العراق من 5200 إلى 3000 جندي.

وقال الجنرال كينيث “فرانك” ماكنزي جونيور، قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي، متحدثًا خلال احتفال أقيم في العاصمة العراقية بغداد بمناسبة تغيير القيادة للقوات الأمريكية وقوات التحالف، إن تحسين قدرة قوات الأمن العراقية جعل من الممكن تقليل مستوى سابق يزيد على 5000.

وأضاف الجنرال الأمريكي بأن هذا العدد سيسمح لهم بتقديم المشورة والمساعدة للشركاء العراقيين في استئصال البقايا الأخيرة لداعش وضمان هزيمته، لافتًا إلى أن القرار الأمريكي هو دليل واضح على التزام واشنطن بالهدف النهائي وهو تشكيل قوة عراقية قادرة على منع عودة داعش وتأمين سيادة العراق.

يمثل الإعلان الأمريكي علامة بارزة أخرى في مسار التدخل العسكري الأمريكي في العراق، والذي شمل ما يصل إلى 170.000 جندي في السنوات التي أعقبت غزو 2003 والإطاحة بصدام حسين وما لا يقل عن عدة مئات بعد 2011، عندما كانت إدارة أوباما تأمل في إنهاء التمرد المكلف.

وفي عام 2014، أرسل البنتاجون الآلاف من القوات مرة أخرى، بعد انهيار جزء كبير من الجيش العراقي مع تقدم مقاتلي تنظيم داعش، ومنذ ذلك الحين، استخدمت القوات الأمريكية وحلفائها بغداد كمقعد للإشراف على عملية جوية وبرية واسعة النطاق تهدف إلى هزيمة الجماعة المتطرفة في جميع أنحاء العراق وسوريا.

أبعاد الانسحاب على المشهد العراقي

يأتي الانسحاب الأمريكي تزامنًا مع عمليات شرسة تشنها القوات العراقية ضد بقايا داعش في المناطق الوعرة والتي تستخدمها في عملياتها الإرهابية، وهو ما يثير المخاوف من احتمال عودة التنظيم مجددًا في حال قل الضغط عليه.

ومن ثم فإن سحب ثلث القوات الأمريكية الموجودة ما هي إلا بداية وإيذان لبدأ الأزمات الخطيرة، التي قد تؤدي إلى حدوث اقتتال وتصفية حسابات لصالح الدول التي تطمح وتطمع في البقاء في العراق تحت أي ذريعة، لما يمثله العراق من موقع استراتيجي هام يجعله محط أطماح الكثير من الدول.

والمتابع للشأن العراقي، يجد أن العراق حاليًا أصبحت ساحة خصبة لأي صراع قد يحتدم، وهو ما يظهر جليًا بين خلافات واتهامات القوى السياسية المتناحرة من أجل المكاسب، والتي أثبتت ضعف المنظومة السياسة وعدم قدرتها على إيجاد حلول للملفات الساخنة وعلى رأسها “السلاح المنفلت” الذي تسبب في العديد من عمليات الاغتيال الأخيرة بحق الناشطين والإعلاميين.

بالإضافة لذلك سيؤثر الانسحاب الأمريكي بدوره على تمدد النفوذ الإيراني في العراق، وإحكام ميليشياته سيطرتها على مفاصل الدولة في وقت صدعت حناجر المتظاهرين للمطالبة بإنهاء النفوذ الإيراني وضبط السلاح المنفلت.

من المستفيد؟

يبدو للوهلة الأولى من قرار الانسحاب الأمريكي، أن صواريخ الميليشيات الإيرانية حققت انتصارها وانتقمت ولو جزئيًا لمقتل قائدها قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس اللذين اغتيلا في غارة لطائرة أمريكية مسيّرة في يناير الماضي قرب مطار بغداد، والتي أعقبها استهداف قواعد أمريكية وشركات أجنبية لإجبارها على الخروج من العراق.

جدير بالذكر أنه في عام 2011 “وبضغط من إيران والأحزاب الموالية لها على نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء آنذاك أصرّ الأخير على أمريكا في عهد رئاسة أوباما إخراج آخر جندي أمريكي في نهاية تلك السنة بحجة أن الوجود الأمريكي يشكل إساءة للكرامة والسيادة الوطنية، فكانت النتيجة احتلال داعش في 2014 لجميع المحافظات العربية والسنية أي ثلث مساحة العراق.

وبحسب موقع “صوت العراق: “لا يمكن لأية حكومة عراقية أن تحل مشاكل العراق الكبيرة إلا بدعم أمريكا. إن معظم دول العالم تنشد المساعدات الأمريكية، فلماذا العراق وحده وبوضعه الهش المنهك يجب عليه أن يعادي أمريكا “.

من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد قيس النوري إن “آليات ووسائل تنفيذ الاستراتيجيات للدول الكبرى تتغير تبعا للمتغيرات الدولية التي تفرض استحقاقاتها على المشهد الدولي، ونظرًا لما أفرزته جائحة كورونا من خسائر اقتصادية جسيمة على الاقتصاد الأمريكي، فإن الأمر تطلب تخفيض الإنفاق التشغيلي الخارجي، المتمثل في الوجود العسكري خارج الأراضي الأمريكية، والتعويض عنه بعقود وتنظيم تفاهمات مع الدول الموجود فيها قوات أمريكية”.

ويرى النوري أن “الخاسر الوحيد فيما يجري هو العرب، وهذه الخسائر تصب في مصلحة النظام الإيراني الذي نجح في توظيف حالة ضعف النظام الإقليمي العربي، لكن الخبرة التاريخية بمعرفة مسارات التوجهات الإيرانية، تشير إلى أن النظام الإيراني يمرحل تحقيق أهدافه التوسعية، مستغلا متغيرات الواقع على الأرض، ويوظفها لصالح رؤيته التوسعية، وهو بهذا المنهج نظام ذو فلسفة براغماتية مرنة”.

ربما يعجبك أيضا