تداعيات «صفر كوفيد».. هل تشهد الصين تحولاً سياسيًّا؟

محمد النحاس

الرئيس الصيني، شي جين بينج، ربط شرعية سلطته بنجاح سياسة "صفر كوفيد".. فكف تغير الوضع الآن؟


مطلع تسعينات القرن الماضي، عقد الحزب الشيوعي الصيني صفقة ضمنية مع الشعب، مفادها السيطرة على الحياة السياسية مقابل الرخاء المعيشي للمواطنين.

ومع تراجع النمو الاقتصادي والاحتجاجات الأخيرة داخل الصين، أمضت مراسلة “نيويورك تايمز“، فيفان وانج، أسابيع متجولةً بين المدن الصينية، لاستطلاع أوضاع المواطنين، وفي محاولة أثر تلك التداعيات في هذا “العقد الضمني”.

الآمال الكبرى

قالت فيفان وانج، في تقرير نشرت الصحيفة الأمريكية، يوم الأحد 4 ديسمبر 2022، إن منطقة هايتشو بمدينة قوانجتشو الجنوبية، أحد المناطق الصينية التي عانت من جراء القيود الحكومية، وهي منطقة ريفية بسيطة، ومع أحلام النمو ووعود الرخاء تحولت إلى مركز اقتصادي وتجاري وصناعي.

وطالت أحلام النمو مدينتي جوانجزو وشنتشن المجاورتين، أيضًا، وانطلقت فيها منذ سنوات إصلاحات اقتصادية جذرية، ووسط هذه الجاذبية، شعر ملايين الصينيين أنه من الممكن انتشالهم من براثن الفقر، ليتوافدوا على تلك المدن الصناعية، بحثًا عن فرصة واعدة في ظل السوق الجديدة.

تهاوي الحلم

سلط التقرير الضوء على حالة شي، المواطن الصيني الذي يبلغ من العمر 31 عامًا، وجاء إلى هايتشو من أحد المناطق الفقيرة، بحثًا عن فرصة جديدة، لكن أمله تضاءل بسبب التراجع الاقتصادي، وظل بلا مأوى لمدة أسبوعين، قبل أن يجمع المال لاستئجار غرفة مساحتها 100 قدم مربع، مقابل 120 دولارًا في الشهر.

وقال شي للمراسلة الصينينة: “لا يوجد عمل كافٍ للجميع”، متساءلاً كيف يمكن أن يخلد إلى فراشه في المساء للبحث عن عمل في الصباح؟

gettyimages 1245152808

في نهاية المطاف، لم يتحمل العمال بمدينة هايتشو تداعيات الإغلاق والتباطؤ الاقتصادي، فخرجوا بالمئات في تظاهرات غاضبة، تطالب بإنهاء القيود، ورغم كثافة الانتشار الأمني، ومحاولات قمع واحتواء الاحتجاجات، حطّم المتظاهرون الحواجز، وطالبوا بالحرية، في مشهد غير مألوف في واحدة من أكثر الدول استبدادًا، وفق التقرير.

اهتزاز العقد

رأت فيفان وانج أن خروج المتظاهرين على هذا النحو، عبر عن صرامة قيود كورونا وفداحة تأثيرها، مشيرة إلى أن الرئيس الصيني، شي جين بينج، ربط شرعية سلطته بنجاح سياسة “صفر كوفيد”، وعمل على توسيع قبضة الحزب الشيوعي على المواطنين، ليذهب لما هو أبعد مما حققه مؤسس الصين، ماو تسي تونج.

وشددت على أن الاحتجاجات مثّلت تحولاً في “العقد الاجتماعي” بين الحزب والشعب، وهو عقد ضمني أبرمته الحكومة مع المواطنين بعد احتجاجات ميدان تيانانمن عام 1989، ومفاد الصفقة كان “الاستبداد السياسي” في مقابل “الرخاء الاقتصادي”، وفق تعبير المراسلة الصينية.

خيبة أمل

في ظل الأوضاع الحالية بالصين، تبدّل الحال مع تزايد الضغوط الاقتصادية، والإجراءات المفروضة منذ 3 سنوات، وما تلاها من تباطؤ النمو، ففي أواخر نوفمبر الماضي، كان ما يزيد على 40% من السكان تحت أحد أشكال الإغلاق، الذي تفرضه الحكومة، وبحسب وانج، مات بعض المواطنين في منازلهم، بسبب تأخر الرعاية الطبية.

ورغم أن الحكومة لم تقر علنًا بوجود احتجاجات، حاولت كبح جماح الغضب بتقليل الإجراءات الاحترازية، وتحركت لوأد أكبر احتجاج شهدته البلاد منذ أحداث “تيانانمن”، على حد تعبير المراسلة الصحفية، وكشف هذا الحراك عن “خيبة الأمل”، التي يشعر بها الصينيون، وأوضحت سياسة “صفر كوفيد” الصارمة كيف تفرض السلطة رغبتها على الشعب.

15virus china economy1 videoSixteenByNine3000 scaled

تلاشي الوعود

وفق التقرير، هزت قبضة السلطة وهيمنتها توقعات الصينيين بإحراز تقدّم مستمر، وقلّصت مقدار طموحهم واستعدادهم لخوض المجازفات.

ونقلت الصحيفة عن مواطن صيني يدعى وه: “يبدو الحال كما لو أن والدك يحاول السيطرة عليك”، مقرًا: “نعم.. هذا دور الدولة”، لكنه تساءل عما ستؤول إليه الأمور في نهاية المطاف، “لن تشعر بالارتياح بالتأكيد حيال هذه السيطرة”.

تخبط العمالقة

طالت الخسائر القطاعات الأكثر نموًا في السوق الصينية، وخسر عملاق التجارة الإلكترونية “علي بابا” ما يقدر بـ 3 مليارات دولار، بسبب تراجع الطلب الاستهلاكي، وسرّحت “تنسنت”، الشركة الأكثر قيمة في الصين، آلاف الموظفين في سابقةٍ من نوعها خلال العقد الحالي، كما جاء في تقرير “نيويورك تايمز”.

وفي ظل تقلبات السوق، بات الكثير من الصينيين يشعرون بتهديد متزايد، كما هو حال ريان ليو، مدير المبيعات بشركة إنترنت صينية كبرى، وكانت نشأته متواضعة، واستطاع مواكبة الطفرة الاقتصادية ليتبدَل نمط حياته، فأصبح يقضي الإجازات خارج البلاد، مستمعًا بـ “نمط حياة عصري”، إلا أنّه بات يدخر، ويتوقع أن تكون السنوات المقبلة “صعبة للغاية”.

من الترف إلى التقشف

لي هونج واحدة من أولئك الذين دفعهم الطموح للبحث عن موطىء قدم خلال سنوات النمو، فقبل 16 عامًا اشترت مصنعًا للملابس، وكانت متعطشة لمواصلة “الرهان” والاستمرار في المنافسة، وطالما اعتبرت نفسها متحمسةً في عالم تندر فيه الفرص، ومع التراجع الاقتصادي وقيود كورونا المتزايدة، اضطرت للتخلي عن وظيفتها.

وتعتقد لي أن السلطات لا تفعل إلا ما تريد، ولا تهتم لما يرغب به الناس، وحالها حال غيرها، وجدت نفسها مضطرةً لترك كل ألوان الترف، والاعتماد على الأساسيات فقط، وتخلص إلى أن تعليمات السلطات تتركز في “عدم التجمع إلا للضرورة”، و”عدم مغادرة المنزل إلا للضرورة”، ما أوصل الأمور لهذا الحد.

تحت الرقابة

وفق تقرير الصحيفة الأمريكية، حال اكتشاف إصابة في أحد الأحياء السكنية، تُقيم السلطات حواجز حديدية وبلاستيكية حمراء، لمنع أي شخص من مغادرة الحي، في “تجلٍ مادي لهيمنة الحزب المتزايدة على جوانب الحياة كافة”، ويعلق أحد المواطنين على هذه الظاهرة مبديًا امتعاضه: “حتى السجن ليس كذلك!”

XCNEIKDTP5NZPBJUJ5632HFWX4 1

راقب المسؤولون تحركات المواطنين عبر هواتفهم، واقتحموا منازل البعض بحثًا عن مصابين، وفرضوا إجراء اختبار كورونا قبل دخول الأماكن العامة، ووصلت الرقابة حدها الأكبر منذ 40 عامًا، وأصبح لكل 250 مواطنًا مسؤول للمراقبة، ويعلق أحد أساتذة القانون بجامعة بيل الصينية: “ببساطة أصبحت هيمنة الدولة فوق كل شيء، وباتت السلطات في كل مكان”.

على مدار الـ 3 سنوات الماضية، أصبحت الشرطة أقوى وأكثر فعالية في إجراءات فرض القيود والرقابة، وتزايدت قدرة السلطات على تتبع المواطنين، وتعتقد مراسلة “نيويورك تايمز” أنه حتى لو انتهت سياسة “صفر كوفيد”، ستظل القضية الأهم بالنسبة للرئيس الصيني هي فرض السيطرة.

ربما يعجبك أيضا