تراجع معدل الزواج بالصين لأدنى مستوى منذ 40 عامًا.. ما السبب؟

شروق صبري

يكافح النظام الصيني لوقف التدهور الديموجرافي، الذي يقيد صعود البلاد كقوة عالمية، فهل ينجح في مواجهة تحديات شيخوخة السكان؟


انخفضت الزيجات الجديدة في الصين لأدنى مستوى لها منذ 40 عامًا تقريبًا، ما عزز احتمالية استمرار انخفاض عدد سكان ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.

وسجل قرابة 6.8 مليون من الأزواج في الصين، خلال عام 2022، بانخفاض 11% عن عام 2021، وهو أقل رقم منذ عام 1985، في حين يواجه الاقتصاد الصيني ضغوطًا مع تقدم السكان في السن، وانخفاض أعداد المواليد.

أسباب انخفاض معدل الزواج بالصين

أشارت وكالة بلومبرج للأنباء الأمريكية، يوم أمس الاثنين 12 يونيو 2023، إلى أن الانخفاض في عدد الزيجات الصينية يُعزى إلى انخفاض عدد الشباب، وتغيير المواقف تجاه الزواج، وتأثير وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) على السكان.

وفي عام 2021، انخفض عدد من هم في سن بين 20 و34 عامًا إلى أقل من 300 مليون، للمرة الأولى منذ منتصف الثمانينات، ويرجع الانخفاض في عدد الشباب إلى سياسة الطفل الواحد في الصين، التي بدأ في الثمانينات واستمرت حتى عام 2016.

ويوجد 10 ملايين رجل أكثر من النساء في تلك الفئة العمرية. ووفق بيانات الأمم المتحدة، قد يؤدي عدم التوازن بين الجنسين إلى زيادة صعوبة الزواج، خاصة أن زواج المثليين غير قانوني في الصين.

توقعات باستمرار الانكماش السكاني

انكمش عدد سكان الصين، العام الماضي، للمرة الأولى منذ 6 عقود، وهو اتجاه من المتوقع أن يستمر، بسبب كبر السن، وتأخير الزواج وقلة الأطفال، وعدم الرغبة في الزواج مطلقًا.

ووفق ما أظهرته بيانات التعداد الوطني الصيني، فإن متوسط سن الزواج في عام 2020 كان 29 عامًا تقريبًا، بزيادة 4 سنوات تقريبًا عن عام 2010.

وعلى الرغم من الجهود الأخيرة، التي بذلتها الحكومة لتشجيع الأسر على إنجاب المزيد من الأطفال، من المرجح أن يتسبب انخفاض عدد الزيجات الجديدة الآن في استمرار انخفاض المواليد في السنوات المقبلة، خصوصًا أن معظم الأطفال في الصين يولدون نتيجة الزواج الرسمي.

مستقبل «شائخ» في شرق آسيا

من ناحية أخرى، أشارت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، يوم 2 مايو 2023، إلى ارتفاع عدد سكان الصين من 540 مليونًا في عام 1949 إلى 1.4 مليار في عام 2021، لكنها تتحول إلى الانخفاض منذ عام 2022.

وفي العقود المقبلة، ستتبع بقية شرق آسيا مستقبل يتميز بانخفاض معدلات الخصوبة، والشيخوخة السريعة، وانخفاض في عدد السكان. ومن المتوقع أن يقل عدد سكان الصين بحلول منتصف القرن، لما يصل إلى 200 مليون شخص عما هو عليه اليوم.

اقرأ أيضًا| الصين إلى الشيخوخة.. هل يحدث نقص في القوى العاملة؟
اقرأ أيضًا| الصين تعتزم تطبيق سياسة جديدة للتصدى لشيخوخة السكان

فناء الصين وحكم شي

رأت المجلة الأمريكية أن تقلص عدد  السكان والشيخوخة لا يؤدي بالضرورة إلى فناء الصين. لكن التحديات التي يمثلها انخفاض القوة العاملة وارتفاع أعداد كبار السن، يتطلب تخطيطًا فاعلًا طويل الأجل وقرارات حاسمة.

وتشير التصريحات الرسمية الصادرة عن الحزب الشيوعي الصيني إلى أهمية تلبية احتياجات المجتمع المتقدم في السن، وحذر المسؤولون والعلماء الصينيون من الحاجة إلى رفع سن التقاعد. لكن النظام السياسي في الصين تحت حكم الرئيس شي جين بينج غير مناسب للتعامل مع هذه التحديات، على حد تعبير المجلة.

شيخوخة الصين

شيخوخة الصين

كيف تفاقم سياسات شي الأزمة؟

مع عودة الصين إلى عصر حكم الرجل الواحد، تتداعى ممارسات الحكم التكنوقراطي في البلاد، ما يجعل من الصعب تنفيذ التخطيط طويل الأجل، خاصة في المناطق الريفية، وأعطى شي الأولوية للاستقرار السياسي على كل شيء آخر، ما حدّ من قدرة بكين على إجراء الإصلاحات الضرورية، التي قد تضر بمصالح النخب الحضرية، مثل تقليص استحقاقات التقاعد.

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن سياسات الحزب الشيوعي تجاه الجنسين تهدد بمزيد من تفاقم الانخفاض في معدل الخصوبة، من خلال تعزيز العوامل الأساسية التي تدفع شباب الصين، خاصة النساء، إلى الانسحاب من الزواج وتربية الأطفال.

اقرأ أيضًا| خوفًا من انخفاض القوة العاملة.. الصين تحارب شيخوخة السكان بخطط جديدة

اقرأ أيضًا| رئيس الصين: نسعى لرفع معدل المواليد في مواجهة شيخوخة السكان

تحديات داخلية تقيّد الطموح الصيني

أشارت فورين آفيرز إلى أنه بحلول منتصف القرن 21، من المحتمل أن تجد الصين نفسها محاصرة بمجموعة من التحديات الداخلية الشديدة، مثل التوترات المتزايدة مع النخب الحضرية بشأن تكاليف المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية، وتدهور ظروف كبار السن في المناطق الريفية، الأمر الذي يقيد صعود البلاد كقوة عالمية.

وتكمن أخطر التحديات الديموغرافية في الصين بالمناطق الريفية الفقيرة، حيث يتركز السكان المسنون في البلاد. وفي عام 2020، كان 17.7 % من سكان الريف يبلغون 65 عامًا أو أكبر، مقارنة بـ11.1 % فقط في المناطق الحضرية. وسترتفع هذه الأرقام في العقود المقبلة، وستضع ضغوطًا اقتصادية واجتماعية هائلة على المجتمعات.

الصين

الصين

الحقائق السياسية الصعبة

قالت المجلة الأمريكية إن الصين قد تبدو، ظاهريًا، مجهّزة للتعامل مع هذه التحديات، بما لديها من بيروقراطية ضخمة مزودة بخبراء يعدّون بانتظام وثائق سياسة مفصّلة تحمل عناوين رائعة، مثل الخطة الوطنية متوسطة وطويلة الأجل لعام 2019 للاستجابة لشيخوخة السكان.

لكن، من الناحية العملية، رأت المجلة أنه غالبًا ما تنهار مثل هذه الخطط في مواجهة الحقائق السياسية الصعبة في الصين. ووثَّق الخبير الاقتصادي، سكوت روزيل، والباحثة ناتالي هيل، 4 عقود من المحاولات لتلبية احتياجات الأطفال الريفيين، التي تعثرت نتيجة عدم المساواة بين سكان الحضر والريف، خاصة في ما يتعلق الأمر بتلقي الموارد الحكومية.

شيخوخة السكان في الصين

شيخوخة السكان في الصين

فوارق واضحة بين الريف والحضر

توجد نفس الفوارق في ما يتعلق الأمر بكبار السن في الريف، ويتلقى سكان الريف معاشات تقاعدية شهرية تبلغ 26 دولارًا تقريبًا، أي أقل بكثير من 506 دولارات التي يتلقاها نظرائهم بالمناطق الحضرية. وبالمثل فإن موارد الرعاية الصحية والتغطية التأمينية غير متساوية.

ولاحظ عالم الاجتماع، يان لونج، وعالمة الشيخوخة، ليديا لي، أن نظام الرعاية الصحية المكون من مستويين أدى إلى توزيع متباين للموارد الصحية بين كبار السن، واختلاف كبير بين كيفية رؤية سكان الحضر والريف لعلاقاتهم مع الدولة، ويعدّ الأفراد الذين يعيشون في المدن أنفسهم مواطنين لهم حقوق، في حين يرى سكان الريف أنفسهم على أنهم “فلاحون لا يستحقون رعاية الدولة”.

تآكل قدرات بكين التخطيطية

رأت مجلة فورين أفيرز الأمريكية أن عودة الصين إلى حكم الرجل الواحد تزيد من تآكل قدرات بكين على التخطيط للمستقبل. ومع تهميش شي بنحو مطّرد للأصوات والمؤسسات التكنوقراطية، تظهر سياسات الدولة علامات مقلقة على تلبية نزواته.

وعلى سبيل المثال، الخطط التي طرحت هذا العام لإصلاح الرعاية الصحية الريفية تدعو إلى توسيع استخدام الطب الصيني التقليدي في الاستجابة لاحتياجات سكان الريف، الذين يتقدمون في السن بسرعة.

العلم الصيني

أشارت فورين أفيرز إلى أن هذه الخطط ليست جهدًا مدروسًا بعناية لتحسين صحة كبار السن في الصين، بقدر ما هي مثال على بيروقراطيات الدولة، التي تتعامل مع الرياح السياسية الجديدة التي أنشأها قرار شي لتعزيز الطب التقليدي كرمز للفخر الوطني، وهو ما أشار إليه بعبارة “كنز العلم الصيني القديم ومفتاح أرشيف الحضارة الصينية”.

وربط شي شرعيته الشخصية بسياسات الصين الناجحة في بداية «صفر كوفيد» في 2020-2021، ما جعل من المستحيل سياسيًّا على المسؤولين التخطيط أو حتى مناقشة ما قد يحدث في المستقبل.

اقرأ أيضًا| مركز الإمارات للسياسات يتناول دخول الصين «حقبة شيخوخة المجتمع»
اقرأ أيضًا| شيخوخة الصين تهدد استدامة النمو

ربما يعجبك أيضا