ترامب يريد تغيير سلوك النظام الإيراني لا إسقاطه .. لكن هل يوجه صفعة أولًا لإيران؟

يوسف بنده

رؤية
 
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد أعلن في مايو الماضي انسحاب بلاده من خطة العمل المشتركة الشاملة مع إيران، ووعد ليس فقط باستئناف العقوبات القديمة ضدها، بل وفرض عقوبات جديدة.
 
وفيما ستتم إعادة العمل بأول قسم من العقوبات القديمة ضد إيران في السادس من أغسطس المقبل، تؤكد الإدارة الأمريكية أن واشنطن مستعدة لإبرام اتفاقية بديلة جديدة مع إيران، إلا أنها وضعت مسبقا شروطا تعجيزية.
 
وضغطت الولايات المتحدة على الشركات التي تستثمر في إيران لدفعها إلى المغادرة قبل انتهاء المهلة المحدد أميركيا، ورفضت محاولات دول مثل فرنسا وألمانيا لإعفاء شركاتها من العقوبات، وهو ما أفضى إلى إعلان شركات عالمية كبرى التزامها بالقرار الأميركي، آخرها شركة رينايلس الهندية.
 
ويعتقد المراقبون أن إيران تتخوف من تأثير العقوبات على اقتصادها، وزيادة الغضب الشعبي في البلاد أكثر مما تتخوف من أي ضربة مفاجئة وتأثيراتها.
 
وتهدف واشنطن إلى إجبار طهران على إنهاء برنامجها النووي وإنهاء دعمها للجماعات المتشددة في الشرق الأوسط، حيث تشارك إيران في حروب بالوكالة من اليمن إلى سوريا.
 
وبينما تحث الولايات المتحدة الدول على وقف كل واردات النفط الإيراني ابتداء من نوفمبر، حذرت إيران من اتخاذ تدابير مضادة وهددت بوقف صادرات النفط الخليجية إذا توقفت صادراتها.
 
تدابير مغلقة
 
أعلن البيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترامب لا ينوي الكشف مسبقا عن التدابير التي يخطط لاتخاذها ضد إيران. وتزامنت التصريحات الأميركية مع تقرير استخباراتي أسترالي جاء فيه أن عملًا عسكريا ضد إيران بات وشيكا وقال، إن مسؤولين أستراليين يعتقدون أن واشنطن مستعدة لقصف منشآت نووية في إيران في وقت قريب قد يكون بحلول الشهر المقبل.
 
وقال هوجان جيدلي، المتحدث باسم البيت الأبيض في هذا الصدد: “الرئيس أوضح بجلاء الموقف الذي يتخذه فيما يتعلق بإيران وأنشطتها، خاصة جهودها في تطوير أسلحة نووية.. الصفقة لم تمنع إيران من تطوير أسلحة نووية”.
 
وكشف جيدلي أن ترامب لا ينوي “استباق الأمور”  بخصوص أي خيارات يجري النظر فيها ضد إيران، مشددا على أن واشنطن “ستواصل ممارسة الضغط على طهران بهدف تغيير سلوكها ولمنعها من امتلاك أسلحة نووية”.
 
ورفض وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس الجمعة ذلك التقرير الأسترالي، ووصفه بأنه “من نسج الخيال”، وقال للصحفيين “أنا واثق إنه ليس أمرا محل بحث في الوقت الراهن”.
 
وردا على سؤال في وزارة الدفاع (البنتاجون) عما إذا كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب استحدثت سياسة لتغيير النظام الإيراني أو دفعه للانهيار قال ماتيس “لم يتم وضع مثل هذه السياسة”.
 
وأضاف ماتيس للصحفيين “نريدهم أن يغيروا سلوكهم فيما يخص عدد من التهديدات التي يمكن أن يشكلها جيشهم ومخابراتهم ومن ينوبون عنهم ووكلاؤهم”.
 
وتصريحات ترامب هي الأكثر تفصيلا لمسؤول كبير بالإدارة بشأن السياسة الأميركية تجاه إيران عقب مناقشات رفيعة المستوى في البيت الأبيض شملت إيران.
 
ومنذ قرر ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران والقوى العالمية، تتعرض المؤسسة الدينية في إيران لضغوط أميركية مستمرة.
 
وساطة عُمانية
 
وقد أعلن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أن بلاده لا تسعى إلى تغيير النظام في إيران وإنما دفعه إلى تغيير أسلوبه.
 
وقد ربط المراقبون زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي إلى واشنطن ولقائه وزير الدفاع جيمس ماتيس الجمعة بمساع إيرانية للتهدئة وفتح قناة تواصل مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
 
ولاحظ المراقبون أن اللقاء بين بن علوي وماتيس جاء بعد يوم واحد من تصريحات قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، التي لوح فيها بالاستعداد للمواجهة في البحر الأحمر، معتبرة أن إيران التي تبحث عن التهدئة بأي ثمن لتجنب العقوبات المقررة في نوفمبر القادم، تريد أن تغطي عليها بتصريحات قوية لخداع الشارع الإيراني، فضلا عن أذرعها في المنطقة.
 
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد زار عمان منذ أسبوع، وهو ما يؤكد أن طهران بحثت عن توسيط مسقط في إخراجها من الأزمة، وفتح قناة تواصل مع الأميركيين مثلما حصل في 2013 وأفضى ذلك إلى الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني في صيف 2015.
 
ورغم أن المسؤولين الإيرانيين يلوحون بأن بلادهم لن تقبل حوارا تحت التهديد، إلا أن مراقبين سياسيين يعتقدون أن التصريحات شيء والواقع شيء آخر، وأن إيران ستعمل ما في وسعها لتجنب العقوبات الأميركية التي ستكون هذه المرة قاسية وملزمة للجميع.
 
وجاء الرد على لسان ماتيس أمس حين أعلن أن بلاده لا تسعى إلى تغيير النظام في طهران، وإنما دفعه إلى تغيير أسلوبه، ومن ضمنه تهديداته في المنطقة، وتغيير أسلوب وكلائه، وهو ما قد يهدئ من المخاوف في إيران من تلميحات ترامب بالرد القوي وغير المتوقع.
 
تحالف مضاد
 
وقال مسؤولون أمريكيون وعرب إن إدارة الرئيس دونالد ترامب تسعى خفية لتشكيل تحالف أمني وسياسي جديد مع دول الخليج العربية ومصر والأردن بهدف التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة.
 
ونقلت رويترز، عن أربعة مصادر لم تسمها، أن البيت الأبيض يريد تعزيز التعاون مع تلك البلدان بخصوص الدفاع الصاروخي، والتدريب العسكري، ومكافحة الإرهاب، وقضايا أخرى مثل دعم العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية الإقليمية.
 
والخطة التي ترمي إلى تشكيل ما وصفه مسؤولون في البيت الأبيض والشرق الأوسط بنسخة عربية من حلف شمال الأطلسي أو “ناتو عربي” للحلفاء المسلمين السنة، من شأنها على الأرجح أن تزيد التوتر بين الولايات المتحدة والقوة الشيعية – إيران، والمحتدم بالفعل بشكل متزايد منذ أن تولى الرئيس دونالد ترامب السلطة.
 
وقالت عدة مصادر: إن إدارة ترامب تأمل في أن تتم مناقشة ذلك التحالف الذي أُطلق عليه مؤقتا اسم “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” خلال قمة تقرر مبدئيا أن تعقد في واشنطن في 12 و13 أكتوبر القادم.
 
وأكد البيت الأبيض أنه يعمل على فكرة التحالف مع “شركائنا الإقليميين الآن ومنذ عدة أشهر”.
 
وقال مصدر أمريكي: إن مسؤولين سعوديين طرحوا فكرة إقامة حلف أمني قبيل الزيارة التي قام بها ترامب العام الماضي إلى المملكة العربية السعودية، حيث أعلن وقتها عن اتفاق ضخم لبيع الأسلحة الأمريكية للسعودية، لكن اقتراح تشكيل الحلف ظل يراوح مكانه.
 
وذكرت مصادر من بعض الدول العربية المشاركة أيضا أنهم على علم باستئناف الجهود لإحياء الخطة. ولم يرد مسؤولون من المشاركين المحتملين الآخرين على طلبات التعقيب على ذلك.
 
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض: “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي سيشكل حصنا في مواجهة العدوان والإرهاب والتطرف الإيراني، وسوف يرسي السلام بالشرق الأوسط”.
 
ورفض المتحدث تأكيد أن ترامب سيستضيف قمة في تلك المواعيد، كما نبهت المصادر إلى أنه لا يزال غير مؤكد ما إذا كانت الخطة الأمنية ستكتمل بحلول منتصف أكتوبر أم لا.
 
وأخفقت في الماضي مبادرات مشابهة من جانب حكومات أمريكية في إبرام تحالف رسمي مع دول خليجية وعربية أخرى.
 
وتتهم واشنطن والرياض وأبوظبي إيران بزعزعة استقرار المنطقة وإثارة الاضطرابات في بعض البلدان العربية من خلال وكلاء لطهران، فضلا عن تهديد إسرائيل بشكل متزايد.
 
وسيركز هذا التحالف على الدولتين الخليجيتين الأكثر تأثيرا في المنطقة، وهما السعودية والإمارات، للعمل عن كثب مع إدارة ترامب لمواجهة إيران.
 
ولم يتضح كيف سيمكن للتحالف مواجهة طهران على الفور، لكن إدارة ترامب وحلفاءها لديهم مصالح مشتركة في الصراعات الدائرة في اليمن وسوريا، إضافة إلى الدفاع عن مسارات النقل الخليجية التي تمر عبرها أغلب إمدادات النفط العالمية.
 
ومن بين العقبات الكبرى المحتملة أمام التحالف المزمع تلك المقاطعة المستمرة منذ 13 شهرا من جانب السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر التي تستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة.
 
وفي حين صرح أحد المصادر بأن الإدارة الأمريكية قلقة بشأن إمكانية عرقلة هذا الخلاف الخليجي لمبادرة التحالف، قال مصدر ومسؤول عربي إن الرياض وأبوظبي أكدتا لواشنطن أن الخلاف لن يمثل مشكلة أمام التحالف الجديد.
 
ونفى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي أن يكون الخلاف الخليجي عقبة.

ربما يعجبك أيضا