تزييف عميق بالحرب الروسية الأوكرانية.. تضليل أم سخرية؟

رنا أسامة

انتشرت فيديوهات بتقنية التزييف العميق خلال الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ 24 فبراير 2022، إلى أي مدى نجحت في تضليل الرأي العام العالمي؟


تدخل الأزمة الروسية الأوكرانية يومها الـ23 دون انفراجة، ويتواصل ما يُمكن تسميته بحرب معلومات مُضللة مع تدفق صور وفيديوهات مُزيفة تتلاعب بالعقول لتحقيق أهداف بعينها.

ظهر مقطعا فيديو مجددًا للرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلنسكي، الأول يُعلن سلامًا والثاني يدعو قوات بلاده للاستسلام، لكن أزالهما فيسبوك ويوتيوب لاحقًا بعد أن ثبت أنهما مُفبركان بتقنية “التزييف العميق”، فماذا تكشف مقاطع كهذه عن حالة التضليل في الصراع؟ هل يُصدّقها الناس حقًا؟

ما التزييف العميق؟

التزييف العميق تقنية من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأداة من أدوات التضليل، لإنتاج فيديو أو التعديل على محتواه كاملًا ليستعرض شيئًا لم يكن موجودًا فيه بالأصل، باستخدام برامج مفتوحة المصدر وبطاقات رسومات يسهل شراؤها. قد يُستخدم لأغراض مشروعة، مثل استدعاء ممثل مُتوفى في فيلم، أو خدع مسلية.

ويُمكن استخدامه أيضًا في أنشطة إجرامية وعمليات احتيال، وقد تستخدم لإنتاج مواد إباحية وأخرى ساخرة. وفي العام الماضي، أنشأت القناة الرابعة البريطانية ملكة مزيفة وجّهت رسالة عيد الميلاد كجزء من تحذير حول استخدام تلك التقنية لنشر أخبار مزيفة، بحسب شبكة بي بي سي البريطانية.

زيلنسكي للأوكرانيين: استسلموا للروس

ظهر الرئيس الأوكراني زيلنسكي بوجه شاحب خلف منصة، يطلب من الأوكرانيين إلقاء أسلحتهم والاستسلام للروس. بدا رأسه كبيرًا جدًا، مقطوعًا أكثر من جسده، وصوته أعمق. تداول رواد التواصل الاجتماعي المقطع المُزيف البالغ مدته دقيقة تقريبًا.

لم يتضح بعد صانعو الفيديو، لكن مسؤولون حكوميون بأوكرانيا حذّروا سابقًا من احتمالية نشر روسيا مقاطع مُفبركة كجزء من حرب معلوماتية. نشرت وكالة المخابرات العسكرية الأوكرانية شريط فيديو قصيرًا هذا الشهر ينبه لخطر التزييف العميق، مُدعيًا أن الكرملين كان يستعد لعمل يتضمن ذلك لبث الذعر والارتباك، بحسب موقع إن بي آر الأمريكي.

ما ردود الفعل؟

أثار فيديو زيلنسكي سخرية بين رواد التواصل الاجتماعي الذين نبهوا إلى تفاوت بين لون رقبة زيلينسكي ووجهه وإلى لهجته التي بدت غريبة، بحسب موقع إن بي آر الأمريكي. نُشر نص الفيديو المُفبرك أولًا على الشريط الإخباري على قناة أوكرانيا 24 التليفزيونية خلال بثّ مباشر يوم 16 مارس، ثم عُرض المقطع ونصّه الكامل على موقعها الإلكتروني. بعدها أوضحت في منشور عبر فيسبوك أن الفيديو بثّه “قراصنة أعداء” وأنه “زائف”.

ردّ زيلنسكي على المقطع المزيف الذي وصفه بأنه “استفزاز صبياني” بفيديو نشره على انستجرام قال في: “إذا كُنت سأحث أحدًا على إلقاء سلاحه، فسيكون القوات الروسية. عودوا إلى دياركم لأننا في دارنا. نحن ندافع عن أرضنا وأطفالنا وعائلاتنا. لذلك لا نخطط لإلقاء السلاح حتى ننتصر”.

انستجرام زيلنسكي

ماذا عن مِنصات التواصل الاجتماعي؟

حذفت فيسبوك ويوتيوب وتويتر الفيديو المُزيف من مِنصاتها لانتهاكه سياساتها المتعلقة بالمعلومات المضللة. قال رئيس السياسة الأمنية لشركة ميتا، ناثانيال جلايشر، إنه “راجع وحذف” الفيديو فورًا.

مؤلفة كتاب التزييف العميق نينا شيك، قالت إن الفيديو يمنح “فوزًا سهلًا” لشركات التواصل الاجتماعي لأنه ” كان فظًا للغاية لدرجة تُمكّن المشاهدين شبه المتمرسين من اكتشاف زيفه”. وصفته بأنه “سلاح جديد وشكل قوي من أشكال التضليل المرئي بإمكان أي شخص استخدامه”، لكنها حذرت من أن “الأمر مسألة وقت قبل أن تُتاح هذه التكنولوجيا (التزييف العميق) بصورة أكبر”، وفق بي بي سي.

بوتين وسلام مزعوم مع أوكرانيا

ظهر بوتين في مقطع فيديو يقول “لقد تمكنا من التوصل إلى سلام مع أوكرانيا”، مُعلنًا شبه جزيرة القرم كجمهورية داخل أوكرانيا، مُرفقًا بتعليق بالأوكرانية: “رئيس الاتحاد الروسي يعلن استسلام روسيا. الجنود الروس ألقوا أسلحتكم وعودوا للمنازل وأنتم على قيد الحياة”. أضاف صاحب حساب تغريدة على تويتر لاحقًا أن “الفيديو ليس أصليًا”.

تحقّقت وكالة رويترز من أن الفيديو مُفبرك باستخدام مقاطع من كلمة مصورة لبوتين ألقاها في 21 فبراير2022، مع إضافة مقطع صوتي جديد مكان الأصلي. وجدت أن اللقطات في المقطع تطابق مقطعًا مصورًا للرئيس الروسي قبل غزو أوكرانيا. تتوافق إيماءات ووضع يديه على الطاولة وإمالة رأسه مع المقطع الأصلي. كذلك قال متحدث روسي إن المقطع الصوتي في الفيديو المُفبرك لا يشبه صوت بوتين، وإن حركات الشفاه غير متزامنة مع الخطاب.

سُخرية أم تضليل؟

يوجد خط رفيع بين السخرية والتضليل. قال سام جريجوري، خبير في الذكاء الاصطناعي والمعلومات المضللة، إن استخدام التزييف العميق خلال الحرب الروسية الأوكرانية حتى الآن مصبوغ بصبغة ساخرة وهجائية وإن بدا كأنه محاولة تضليل.

واستشهد جريجوري بفيديو الرئيس الأوكراني، قائلًا “إنه ليس تزييفًا عميقًا فعالًا”. يرجع ذلك إلى أنه كان رديئًا وأن أوكرانيا سارعت لكشف زيفه ونبهت مُسبقًا لخطورة المقاطع المُزيفة في “استراتيجية مناسبة”، بحسب تصريحات لشبكة يورونيوز الأوروبية. لكنه أوضح في الوقت نفسه أن هذه “المرة الأولى التي نشهد فيها تهديدًا ملموسًا حقيقيًا من التزييف العميق في صراع”.

لقطة حقيقية وأخرى مزيفة للرئيس الأوكراني زيلنسكي لقطة شاشة لجزء من مقطع مزيف للرئيس الروسي بوتين التقطته شبكة يورونيوز

تلوث منظومة المعلومات

الباحث في جامعة كاليفورنيا المتخصص في كشف الأخبار الكاذبة، هاني فريد، قال إن “تلك التقنية تلوث منظومة المعلومات، وتلقي بظلالها على كل المحتوى الذي يتعامل بالفعل مع ضباب الحرب المعقد”، على حد قوله.

وتابع: “في المرة القادمة التي يظهر فيها الرئيس (الأوكراني) على التلفزيون، قد يظن البعض أنه مزيف ويقولون لأنفسهم (انتظر لحظة – هل هذا حقيقي؟)”، وفق إن بي آر.

كيف يُمكن اكتشافه؟

قد لا يكون هذا آخر تزييف عميق نشهده خلال الغزو الروسي لأوكرانيا في محاولة لتغيير رواية الحرب.

إذا رأيت فيديو تعتقد أنه قد يكون مزيفًا، حاول التقاط لقطة شاشة من المقطع، ثم استخدم أداة البحث العكسي للصور على محرك البحث جوجل أو تن آي أو أي محرك بحثي عكسي آخر للصور، كما يوصيك موقع سنوبس للتحقق من الشائعات.

اقرأ أيضًا:

فيديوهات وصور ترصد الحرب الروسية الأوكرانية.. ما حقيقتها؟

خدعة “الزيف العميق”.. لا تصدق كل ما تراه عيناك

ربما يعجبك أيضا