تسريب ظريف يفجّر صراع المحافظين والإصلاحيين في إيران

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

يبدو أن إيران كانت في لحظة استقطاب «كامنة» قبل أن تخرج للعلن منذ تسريب حديث لوزير الخارجية جواد ظريف عن خفايا السلطة في بلاده وخباياها. قال ظريف كلاما كثيرا في التسريب عن وزير كان يملي عليه ما يفعل وكان آخر من يعلم، يؤكد من خلالها قيادة الحرس الثوري للدولة الإيرانية واستغلال الطيران المدني لنقل الميليشيات الطائفية مما يخالف القانون الدولي. وكما يقول مراقبون ففي الدول المحترمة، «الفضيحة» تؤدي إلى تحقيقات أو حتى تكذيب الخبر، فيما روحاني لم ينف، فقط استاء من الإعلام لقيامه بدوره بكشف المستور.

عقيدة الدولة في خطر

ظريف الوجه الأكثر شعبية لإيران على مسرح الدبلوماسية الدولية، ومهندس الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع القوى العالمية في 2015، اتهم قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني بالتعاون مع موسكو «لتدمير» إنجازات إدارة روحاني. اقترب ظريف من الخط الأخضر ، يقول سليماني، عن شؤون الدبلوماسية في إيران.

تيار المحافظين في إيران لا يرون في حديث ظريف «وجهة نظر»، بل اتهاما ثقيلا وخوضا في عقيدة الدولة، ولكن ما الجديد ؟ يقول البعض. من وجهة نظرهم فإن تسريب ظريف لم يأت بشيء جديد، فالكل يعلم سطوة الحرس الثوري وسيطرته على كل مقاليد الأمور في إيران، وأنه لم يكن هنالك صوت يعلو على صوت الإرهابي قاسم سليماني، الذي تسبب بكوارث وارتكب الجرائم هو وأتباعه في المنطقة.

هيمنة الحرس الثوري وقاسم سليماني على القرار السياسي والدبلوماسية الإيرانية التي تخدم مشروع إيران التوسعي في المنطقة، حسب ظريف وكأنه يبرىء ذمته كإصلاحي من خطايا نظام الملالي في إيران التي على رأسها سلطة يقودها إصلاحي هو روحاني.

سمع العالم إذن إحدى الروايات عن سيرة السلطة في إيران تحت العنوان الكبير الموحد «سياسة إيران بها مواطن كبيرة للشروخ» هكذا كان الساسة في أكثر من حدث وقرار وجها لوجه في مواجهة العسكر. إنها مناطق الخلاف التي تخرج من الظل إلى العلن، لكن من سرب تلك التسجيلات ؟ وما الغاية والمقصد ؟

ظريف

رسائل داخلية وخارجية

رأى روحاني أن الهدف من التسريبات تأجيج الخلاف الداخلي في إيران، بينما تفاوض بلاده في مسألة برنامجها النووي والاتفاقية التي أبرمت في 2015 في فيينا، هناك في الداخل كما الخارج من لا يريد لهذه المفاوضات أن تنجح .

تسريب ظريف الذي انتقد فيه دور إيران وسليماني في سوريا هو تسريب مقصود ومتعمد ومعد مسبقا لإيصال رسالة إيرانية للغرب من أن هناك أملا في التغيير من الداخل الإيراني وليس من خارجه حيث يتزامن ذلك مع قرب التوصل لإعادة العمل بالاتفاق النووي يقول مراقبون .

بيد أنه لا يمكن فصل تسريب ​ظريف عن ملفين أساسيين، مفاوضات النووي في ​فيينا​، والانتخابات الرئاسيّة المقبلة. تلك محض حملة مبكرة لانتخابات رئاسية على الأبواب، سرب تلك التسجيلات محسوبون على المحافظين أم المعتدلين لا يهم ، الكل يريد أن تعلو شكواه وتُسمع لدى الناخبين، لكن صوت ظريف هذه المرة «المسموع» في أكثر من مكان.

رغم أن ظريف لا يزال مُصرًا على نفي نيته الترشح، لكن هناك كثير من الدعوات التي توجه له من داخل التيار الإصلاحي في إيران، الأمر الذي يدفع باتجاه ربط التسريب بهذا الاستحقاق بشكل أساسي، إذ يبقى ظريف أهم مرشح محتمل للتيار الإصلاحي، وإصابته بالتسريب ستكون رغبة لدى المحافظين الذين يتهمونه بخيانة الأسرار القومية.

صراع العقارب

هذا التسريب يُظهر أننا أمام صراع داخلي، وليست قصة حمائم وصقور، والتي خدعت إيران الجميع بها، هو صراع حيوانات مفترسة للبقاء، فإيران غابة لا دولة في ظل الملالي، وهناك أزمة حقيقية في حکومة نظام الملالي وصراع العقارب.

تسريب كلام جواد ظريف الذي يهاجم فيه مغامرات قاسم سليماني الدموية يشبه تسريب خطاب خروتشوف عام ١٩٥٦ الذي فضح دموية ستالين، وكلاهما من الثغرات التي تتفتح في النظام الشمولي وتقضي عليه. انتهى الاتحاد السوفييتي بعد تسريب خروشوف بـ٣٣ عاما، فكم عاما سيعيش النظام الإيراني بعد تسريب ظريف؟ وهل يلقى نفس مصير رفسنجاني ويُنفى سياسياً بعد أن بات في خانة المساءلة والاتهام؟

ربما يعجبك أيضا