خيارات روسيا في أوكرانيا.. تصعيد نووي أم تسوية تفاوضية؟

رنا أسامة

توجد خيارات حاسمة أمام أوكرانيا وروسيا في الحرب المستمرة منذ 24 فبراير الماضي.. ما أبرزها؟


اعتبر مدير المناصرة بمعهد “كوينسي” الأمريكي للأبحاث، ستانلي ماركوس، أن هزيمة قوات روسيا قرب خاركيف شمالي أوكرانيا، نقطة تحول للحرب الروسية الأوكرانية.

وقال الباحث، في مقال نشره موقع “ريسبونسيبل ستيتكرافت” الأمريكي، إن على روسيا الآن أن تقرر ما إذا كانت ستعلن حربًا واسعة النطاق في أوكرانيا، رسميًّا، بدلًا من “العملية العسكرية الخاصة”، التي يراها تسمية “خيالية”، ومن ثم انتظار مزيد من الدمار لكلا البلدين.

تسوية أو مواجهة

في خضم الانتكاسات الروسية المتوالية، أشار ماركوس، في مقاله المنشور أمس الاثنين 19 سبتمبر 2022، إلى أن أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) أمامهما خياران، إما البحث عن تسوية تفاوضية مواتية من موقع القوة، وإما مواجهة مخاطر نشوب صراع قد يكون أكثر حدة.

ومنذ إبريل الماضي، بات جليًّا أن استراتيجية موسكو الأولية، الممثلة في التقدم مباشرة نحو كييف لإسقاط الحكومة الأوكرانية، قد باءت بالفشل، ما دفع القوات الروسية لإعادة تجميع صفوفها في شرق أوكرانيا، لمتابعة استراتيجية جديدة بغية الاستيلاء على أراضيها، لكن نجاح الهجمات المضادة الأوكرانية أظهر نقاط ضعف خطيرة في تلك الاستراتيجية أيضًا، بحسب مقال ماركوس.

مقاومة روسية صعبة

لفت ماركوس في مقاله إلى أن عدد القوات الروسية الأولية البالغ قوامها 200 ألف جندي، عدد صغير للغاية، لا يسمح لروسيا بالاحتفاظ بحوالي 1000 كيلومتر من الأراضي في شرقي أوكرانيا، التي تمتد من الحدود الشمالية لأوكرانيا مع روسيا، إلى البحر الأسود في الجنوب.

وفي حين أن روسيا بإمكانها حشد قوات تكفي لمقاومة هجمات أوكرانية في بعض المناطق، كما حدث في خيرسون، فإن الانهيار السريع لقواتها حول خاركيف يؤشر على صعوبة مقاومة القوات الأوكرانية في أنحاء أوكرانيا كافة.

وفسر ماركوس ذلك بالإشارة إلى أن معظم القوات الروسية في المنطقة من أفراد الحرس الوطني الروسي، وهم في الأساس قوات شرطية غير مدربة على القتال العسكري في الخطوط الأمامية، معروفة باسم “روسجفارديا”.

سؤال جوهري

بحسب ماركوس، يحيل النقص في عدد القوات الروسية بأوكرانيا إلى سؤال جوهري: “هل استراتيجية روسيا مرتبطة بحرب محدودة، أو كما تسميها عملية عسكرية خاصة طويلة الأمد، من دون تجنيد عسكري كامل أو تعبئة شاملة؟ أم أن الكرملين بحاجة الآن إلى تعبئة عسكرية شاملة ووضع الاقتصاد الروسي على أساس حرب؟”.

ووفقًا لما جاء في تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية مؤخرًا، عن الحياة المدنية في موسكو، فإن موسكو حمت غالبية المدنيين الروس من العواقب المادية للحرب، وقد نجا المدنيون الروس من الخسائر البشرية بسبب قلة التجنيد بين صفوف الشباب في موسكو.

قوات أوكرانية

عدو لا يستهان به

يبدو من الغامض نوعًا ما، كما يرى ماركوس، أن يختار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خوض حرب بجزء ضئيل من القوة القتالية المحتملة لروسيا، فقد كان ذلك قابلًا للتفسير في بداية الحرب ظنًّا من بوتين أن الحكومة الأوكرانية ستنهار في مواجهة الاندفاع العسكري الروسي الحادّ، لكن ذلك لم يعد منطقيًا بعدما أثبتت أوكرانيا المدعومة من “الناتو” أنها عدو لا يستهان به عسكريًّا.

وبفضل اقتصادها المدعوم غربيًّا، بما في ذلك المساعدات الأمريكية التي تعادل الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا قبل الحرب، يمكن لأوكرانيا أن تحشد عددًا أكبر من مواطنيها لمواجهة القوات الروسية، ومع دعم من أمريكا و”الناتو” بمعدات عسكرية يبلغ ثمنها 20 ضعفًا من قيمة الناتج المحلي الروسي، يرى ماركوس أن “هذا ليس صراعًا يمكن لروسيا أن تكسبه بسهولة دون التزام أكبر بكثير”.

مخاطر سياسية لبوتين

طرح ماركوس تفسيرين في مقاله، أولهما أن بوتين من الناحية السياسية لا يستطيع مطالبة الروس بتحمل تكاليف التعبئة العسكرية الشاملة، وقد يلقى معارضة من عائلات روسية باعتبار أنها حرب اختيارية، وسيتعين عليه حينئذ مشاركة صلاحيات أكبر مع نخب أخرى من أجل توسيع الجهد العسكري.

ومن منظور غربي، رجح ماركوس أن دعم الحرب في الداخل الروسي هش، في ظل تزايد الضغط الدولي بفرض عقوبات على موسكو، وهو ما قد يفضي في نهاية المطاف إلى انهيار نظام بوتين، وأنه بصرف النظر عن السبب، تحمل زيادة الجهد الحربي مخاطر سياسية لبوتين.

وعلق ماركوس هنا بأنه “قد يكون مبالغًا فيه أن نأمل أن انقلاب الشعب الروسي على بوتين إذا اشتدت الحرب، لأنه شعب معروف تاريخيًّا بتحمله مصاعب كبرى”، لافتًا إلى أن بوتين لم يواجه أي انتقادات داخلية حتى الآن، إلا من القوميين الروس المحافظين، الذين طالبوا بتكثيف المجهود الحربي لا وقفه.

إشارة تنذر بسوء

في خطاب إلى القادة السياسيين الروس في يوليو الماضي، قال بوتين: “يريدون هزيمتنا في ساحة المعركة. حسنًا ماذا يسعني أن أقول؟ دعهم يحاولون…”، وهو ما فسره ماركوس بأنه إشارة على خطوات تصعيدية محتملة، خاصة مع بدء القوات الروسية في الانهيار بساحة المعركة.

وأشار مدير المناصرة بمعهد كوينسي الأمريكي، في مقاله، إلى أن الضربات التي شنتها القوات الروسية مؤخرًا على البنية التحتية الأوكرانية الحيوية، مثل شبكة الكهرباء والسدود، تمثل أحد الأمثلة على هذا التصعيد، الذي من المرجح أن يزيد من معاناة الشعب الأوكراني.

putin

قضية حاسمة

القضية الحاسمة، بحسب ماركوس، تتعلق بتداعيات التصعيد المحتمل مع استمرار الهجمات الأوكرانية المضادة واستمرار الناتو والولايات المتحدة في ضخ موارد بأوكرانيا، ليبرز سؤال حول ما إذا كانت روسيا ستعزز بطريقة حادة مواردها العسكرية، من خلال تعبئة الاحتياطيات وبذل مجهود أكبر لتحويل صناعاتها المدنية إلى حربية.

وحتى الآن، لا يزال الكرملين يرفض دعوات اليمين للتعبئة الكاملة، وهو الأمر الذي ينم إما عن خوف من مخاطر سياسية، وإما الاعتقاد بأنه من الممكن تثبيت التموضع العسكري الروسي في أوكرانيا باستخدام القوات الموجودة. لكن من شأن التعبئة الكاملة أن توسع نطاق أكبر حرب أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، وتثبت أن روسيا تنظر إلى الصراع على اعتباره وجوديًّا.

تصعيد نووي محتمل

يكمن الأمر الأكثر إثارة للقلق وراء التصعيد التقليدي، فبعض الأصوات يحذر من أنه في حال تصعيد روسيا ولجوئها إلى تكتيكات أكثر تدميرًا في أوكرانيا، قد تتدخل قوات “الناتو” مباشرة في الصراع. وإذا كانت أوكرانيا المدعومة من “الناتو” قادرة على الضغط على شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا إلى أراضيها من أوكرانيا، فقد يصبح التصعيد النووي محتملًا.

وحسب تقرير من مشروع تكاليف الحرب في جامعة براون الأمريكية، فإن تراجع وضعف القوات التقليدية الروسية قد يدفعها للاعتماد على أسلحة نووية، وهو احتمال لن يتحقق إلا إذا انهزمت روسيا عسكريًّا في ساحة المعركة. وهددت موسكو مرارًا بتصعيد نووي منذ بدء الحرب. وفي حين أن العالم قد يكون أسقط ذلك الاحتمال من حساباته، عليه أخذ مخاطر الصراع النووي على محمل الجد، لأن كلفته ستكون باهظة للغاية.

لحظة مناسبة

وفقًا لكاتب المقال، ينبغي أن يقدم التفوق الأوكراني في ساحة المعركة إمكانات دبلوماسية إضافية لـ”الناتو”، لمتابعة تسوية تحفظ استقلال أوكرانيا وسيادتها.

ومع تزايد وضوح المخاطر الوجودية على الدولة الروسية، رجح ماركوس أن يكون بوتين أكثر استعدادًا لحل وسط يحفظ ماء وجهه، حتى لو انطوى على إعادته أراضي أوكرانية سيطرت عليها القوات الروسية منذ فبراير. لكن على العكس من ذلك، فإن الضغط في ساحة المعركة من دون أي مبادرات دبلوماسية، سيضغط على روسيا بعواقب لا يمكن التنبؤ بها.

وإلى حين التوصل إلى تسوية، توقع ماركوس أن “تواصل روسيا لعب دور المفسد في أوكرانيا، وتمنع بفاعلية أي محاولة لإعادة لبناء اقتصادها، وهو ما يتضح من استهداف روسيا للبنية التحتية الأوكرانية. واختتم المقال بأن “الحرب المكثفة، حتى تلك التي تخسرها روسيا، ستؤدي إلى استمرار الدمار والفوضى”، معتبرًا أن هذه لحظة مناسبة لفتح الباب أمام الدبلوماسية.

ربما يعجبك أيضا