تفجير أجهزة «البيجر» لحزب الله.. خطوة تكتيكية أم استراتيجية؟

رؤية

يشهد لبنان تحديات كبيرة في ظل تداعيات حرب غزة وأحداث 7 أكتوبر 2023، وتتصاعد التوترات مع حزب الله، بينما تسعى الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو لتوسيع دائرة الصراع ونقل الحرب إلى شمال إسرائيل، مركزة على المواجهة مع حزب الله في هذه المنطقة.

رغم هذا التصعيد، لا توجد رغبة دولية في توسيع نطاق الحرب، إذ أعلن حزب الله مرارًا أنه لا يرغب في خوض حرب شاملة أو توسيع الصراع ليشمل جنوب لبنان والشمال الإسرائيلي.

توتر الأوضاع بين حزب الله وإسرائيل

مع ذلك، يبقى الوضع متوترًا، حيث تحاول إسرائيل تحويل الضغط والاهتمام بعيدًا عن غزة، في حين يجد لبنان نفسه في موقف صعب بين الحفاظ على الاستقرار الداخلي ومواجهة الضغوط الخارجية، وفقا لتقرير أصدره المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، اليوم الخميس 19 سبتمبر 2024.

أعلن حزب الله في 17 سبتمبر 2024 مقتل 20 من أعضائه، وتشير تقارير إعلامية إلى أن الشركة المصنعة لأجهزة النداء التي انفجرت في لبنان هي مجرد واجهة للموساد، ووفقًا للمعلومات، فإن الشركة الهنغارية التي صنعت الأجهزة هي في الواقع واجهة استخباراتية للموساد.

شركة  Gold Apollo

أعلنت شركة “Gold Apollo” التايوانية أنها منحت ترخيص تصنيع أجهزة النداء لشركة مجرية، فيما ذكرت المديرة التنفيذية لشركة “B.A.C Consulting” الأمريكية أنها كانت مجرد وسيط لمعدات الراديو.

وتشير صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن “B.A.C Consulting” كانت جزءًا من شبكة شركات يُعتقد أن إسرائيل هي المصنعة الحقيقية لهذه الأجهزة.

انفجرت مئات أجهزة النداء في لبنان بضغطة زر واحدة، ما اعتبره الخبراء نجاحًا استخباراتيًا للموساد ضد حزب الله. وعلى الرغم من عدم وجود تأكيد رسمي، يُعتقد أن الهجوم المنسق يحمل بصمة الموساد.

وصرح شلومو شبيرو، أستاذ في جامعة بار إيلان، بأن معظم الخبراء في الشرق الأوسط يعتقدون أن إسرائيل وراء هذه العملية.

قتلى وجرحى

وفقًا للتقارير، قتل ما لا يقل عن 12 شخصًا وأصيب حوالي 2800 آخرين في هذه الانفجارات المتزامنة.

وصرح وزير الصحة اللبناني فراس أبيض بأن حوالي 300 من المصابين في حالة حرجة، ومن بين الضحايا أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و11 عامًا، كما وقعت انفجارات أخرى في أجهزة الاتصال اللاسلكية في اليوم التالي.

تفاصيل العملية الاستخباراتية

يشير الخبير شبيرو إلى أن هذه العملية تطلبت شهورًا من التحضير، وكان من أكبر التحديات تهريب آلاف الأجهزة إلى حزب الله دون إثارة الشكوك، ويعتقد أن الأجهزة لم تكن مجرد أفخاخ، بل ربما استخدمها الموساد للتنصت على اتصالات حزب الله.

توقيت الهجوم يثير العديد من التساؤلات، إذ يفسر سايمون فوكس، خبير شؤون الشرق الأوسط، التوقيت بانتهاء المعارك في غزة، ما دفع إسرائيل لتحويل انتباهها نحو إيران وحزب الله، ومن الممكن أن التوقيت جاء بسبب مخاوف إسرائيل من اكتشاف حزب الله للأجهزة التي تم التلاعب بها.

يشير هذا الصراع إلى تحول كبير في أساليب الحرب إلى ما يُعرف بحروب الجيل الخامس، التي تعتمد بشكل أكبر على العمليات الاستخباراتية والاختراقات الأمنية بدلاً من المواجهات العسكرية التقليدية.

رغم النجاح الذي حققه الموساد، إلا أن يوسي ميلمان، مؤلف متخصص في المخابرات الإسرائيلية، يشكك في جدوى الهجوم من الناحية الاستراتيجية. وفي المقابل، يرى شلومو شبيرو أن الهجوم كان الرسالة الأخيرة والملاذ الأخير قبل حرب كبرى، ويؤكد أن الأجهزة التي استُخدمت كانت مخصصة لحزب الله وساعدت إسرائيل في الوصول إلى شخصيات مهمة داخل الحزب.

ومن المتوقع أن يكون هناك رد فعل استراتيجي من حزب الله لاستعادة توازنه الاستخباراتي، وربما محاولة الرد بعملية نوعية ضد إسرائيل. وعلى الصعيد السياسي، قد يحصل حزب الله على تعاطف دولي نظرًا لأن ما يشهده لبنان من عمليات يُعتبر تهديدًا للأمن العالمي.

النتائج

هنا يتوجب بحث الجوانب المرتبطة بالصراع الاستخباراتي بين “الموساد” وحزب الله، من أجل معرفة كيف أن حروب الجيل الخامس تعتمد على الخروقات الأمنية والاستخباراتية بدلاً من المواجهات العسكرية التقليدية. فيما يلي بعض النقاط الرئيسية:

اختراق أمني داخل حزب الله: الموساد استطاع الترتيب لفخ مع شركة تعمل واجهة للموساد، إن لم تكن وهمية، في هنغاريا، ما يشير إلى أن الحزب كان مخترقًا من الداخل حتى قبل عملية التفخيخ. هذا يُظهر وجود عميل أو عملاء داخل المنظمة.

الحصول على معلومات خطط الشراء: وصول الموساد إلى معلومات خطط حزب الله لشراء أجهزة الاتصالات يُعتبر نتيجة طبيعية لعمل الاستخبارات التقليدية، لكن تواجد عملاء داخل حزب الله يُعد إنجازاً كبيراً للموساد.

الاختراق الفني: إلى جانب العملاء داخل الحزب، من المحتمل أن الموساد اخترق اتصالات حزب الله فنيًا، سواء عبر الهواتف السلكية أو اللاسلكية، ما سمح لهم بمتابعة خطط الشراء.

إخفاق أمني: الاختراق الفني والعملياتي يُعد ثغرة أمنية كبيرة لحزب الله، إذ أن فقدان سرية الاتصالات يعرض العمليات والخطط لمخاطر كبيرة. الحزب بحاجة إلى مراجعة كاملة لعمليات الشراء والتوريد والبحث عن نقاط الخرق.

تفجير الأجهزة اللاسلكية: الموساد سارع بتفجير أجهزة “ووكي توكي” بعد يوم من تفجير “البيجر” بسبب الشكوك التي أثارتها العملية الأولى لدى حزب الله. الموساد حاول الاستفادة من الفرصة قبل أن يكتشف الحزب تورط تلك الأجهزة أيضاً.

حروب الجيل الخامس: هذه الحروب تعتمد على العمليات الاستخباراتية والخروقات الأمنية أكثر من المواجهات العسكرية، وهي أقل تكلفة وأكثر تأثيرًا. العملية أثرت على حزب الله بشكل يفوق أي معركة ميدانية.

تأثير العمليات على حزب الله: مثل هذه الخروقات تُحدث حالة من الشك داخل منظومة حزب الله وتؤدي إلى تعليق الكثير من العمليات والاتصالات لحين حل المشاكل الأمنية، ما يخلق حالة من الشلل المؤقت.

مواصلة العمليات الاستخباراتية: الموساد سيواصل البحث عن ثغرات جديدة، مستفيدًا من هذه الخروقات. الهدف هو إضعاف حزب الله دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، ونقل الصراع من غزة إلى الجبهة الشمالية.

إن الشركة المسجلة في هنغارية، فرع للشركة التايوانية، لايمكن اعتبارها شركة وهمية، بل هي شركة “واجهة” عمل للموساد وفقًا لقواعد الاستخبارات، طالما يوجد لها عنوان وترخيص من الشركة الأم ” تايوان، يٌذكر التقارير كشفت إن الشركة الأم أعطت الترخيص وتستخدم علامتها التجارية في انتاج اجهزة “البيجر” واللاسلكي.

الهجوم “الإسرائيلي” أظهر قدرة إسرائيل على ضرب حزب الله من الداخل، إلا أنه لا يغير الصورة الاستراتيجية العامة بشكل كبير.

بات متوقعًا أن يكون هناك تحركًا استراتيجيًا لحزب الله لمحاولة استعادة توازنه الاستخباراتي، مع احتمال أن يحاول الحزب الردّ بعملية استخباراتية نوعية ضد إسرائيل. أما على مستوى سياسي، فمن المتوقع أن يحصل لبنان على تعاطف من دول العالم باعتبار مايشهده لبنان من حروب هجينة، هي تهديد وخرق للأمن العالمي.

وأن يكون هناك موقف دولي رافض لمثل هذا النوع من العمليات التي تتعارض مع “أخلاقيات” الحروب” ومن الممكن أن تكون رسالة واضحة ضد ما تنتهجه إسرائيل من حروب هجينية.

ربما يعجبك أيضا