توازنات جديدة.. هل يصبح الجنوب الآسيوي مركز ثقل القوة الأمريكية؟

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي 

ثمة تغير في السياسة الأمريكية يلوح في الأفق منذ عقد من الزمن لم يختلف بتغير القادة، بينما اتضحت ملامحه بمرور الوقت عقب وصول الرئيس السابق باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وشارفت على الاكتمال بوصول الرئيس الحالي دونالد ترامب إلى سدة الحكم؛ رغم اختلاف توجهاته عن سابقيه، ولكن ظل التوجه الجديد في طريقه نحو الاستمرار والاكتمال.

غالبًا ما تدعم الولايات المتحدة سياستها بانتشار قواعدها العسكرية الخارجية، والاستناد إلى وكلاء محليين ضد آخرين؛ تراهم خطرًا على نفوذها الدولي والإقليمي. ويمكن أن نحدد ملامح الاهتمام الأمريكي  بالدوائر الإقليمية الدولية بنسبة بوجودها العسكري. رأت واشنطن أن الشاطئ الآخر من المحيط الهادئ يحوي مخاطر مستقبلية يرسمها الاقتصاد الصيني والعسكرية الروسية.
 
دلالات التمركز العسكري

تسعى واشنطن إلى “تحييد” مخاطر الصعود الصيني، وبحسب واقعية السياسة الأمريكية فترى أن التفوق الصيني سيترجم مستقبلًا لقوة عسكرية هائلة تنافس الولايات المتحدة وربما تهاجمها، ناهيك عن ضرورة المحاصرة العسكرية للدب الروسي واستنفاذ قوته حتى لا ينقلب الأمر لمرحلة جديدة من الحرب الباردة بين البلدين.

قواعد عسكرية جديدة: يسعى البنتاغون لنقل المزيد من القوات الأمريكية من أوروبا والشرق الأوسط إلى منطقة المحيط الهادئ، لردع ما أسمته “الخطر الروسي والصيني”. وبحسب وزير الجيش الأمريكي “سيقوم الجيش الأمريكي بتوسيع جهوده لمواجهة الصين من خلال نشر (قوة عمل) وحدة متخصصة في المحيط الهادئ قادرة على جمع المعلومات الحساسة وعمليات الاختراق والهجمات الإلكترونية والصاروخية ضد بكين”.

كما تتضمن الخطة تجهيز القواعد المزمع إنشاؤها في جزر قريبة من تايوان والفلبين في المحيط الهادئ بأسلحة عالية الدقة بعيدة المدى، ومنها قواذف إطلاق الصواريخ الأسرع من الصوت، وبالتالي ستقوم الوحدة المتخصصة في تحييد بعض القدرات التي تمتلكها الصين وروسيا (التي تهدف إلى إبعاد الناقلات الأمريكية عن البر الرئيسي الآسيوي) ما سيفسح المجال للسفن البحرية الأمريكية بالتحرك في حالة نشوب أي صراع مع الصين، دون أن يكشف عن موعد نشرها هذه الوحدة.

في المقابل، تهدف القيادة العسكرية الصينية إلى وضع “استراتيجية منع الوصول”، داعمة إياها بصواريخ بعيدة المدى مضادة للسفن وقدرات مراقبة فضائية، وتهدف إلى إبقاء مجموعات من حاملة الطائرات الأمريكية بعيدة عن ما يطلق عليه السلاسل الأولى والثانية من البر الرئيسي الصيني، حيث تمتد سلسلة الجزر الأولى من جزر كوريل وصولا إلى بورنيو، بينما تمتد سلسلة الجزر الثانية عموما من شرق اليابان إلى غوام وصولا إلى غينيا الجديدة.

دعم قضايا إقليمية: بغض النظر عن الدعم الأمريكي لتايوان في مواجهة النفوذ الصيني بوجود قواعد عسكرية وحاملات طائرات وملف قضايا حقوق الإنسان، تهدف واشنطن إلى احتواء الصين في البحر الجنوبي، الذي تتنازع بكين مع جيرانها (تايوان وماليزيا وفيتنام والفلبين وبروناي) حوله. من آن إلى آخر ترسل واشنطن سفن حربية للمرور من المنطقة تحت مسمى حرية الملاحة، وهو ما يثير غضب بكين، التي عززت نفوذها على أجزاء من البحر، وقال وزير الدفاع الصيني وي فنغ خه، في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة، إن “دولا من خارج المنطقة تأتي إلى بحر الصين الجنوبي لاستعراض عضلاتها باسم حرية الملاحة”.

دوافع الوجود

تدفع واشنطن بقوتها العسكرية لأجل ضمان استمرارية هيمنتها على العالم عن طريق منع وصول أطراف دولية أخرى، كذلك ضمان اقتصاد يسيطر على 25% من التجارة العالمية، بجانب تطبيقها لسياستها الجديدة حول تحويل قواتها في الشرق الأوسط المعبئ بالمشاكل والأزمات. 

منطقة نمو اقتصادي سريع: كما عرفت تلك المنطقة بأنها الإقليم الأسرع نموًا في العالم بمعدل وصل إلى 6.4% في 2014، بالرغم من أن القارة الأوروبية لا تزال تعاني من سلسلة أزمات عقب الأزمة المالية العالمية، رأت واشنطن، عبر سياسة ” Asia Pivot”،  أن وجودها في الجنوب الآسيوي بالضرورة يشاركها النمو الاقتصادي المتصاعد، والابتعاد قليلًا عن أزمات الشرق الأوسط التي لا تنفذ.

عبء الشرق الأوسط: بعدما تزايد الأنتاج الأمريكي من الوقود الأحفوري لمعدل مكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي ومنافسة الدول الكبرى مثل روسيا والمملكة السعودية في تصدير النفط، انخفضت مكانة منطقة الشرق الأوسط لتتحول من نفوذ استراتيجي يعتمد على الحفاظ على أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي والتدفق النفطي إلى نفوذ تقليدي – يميل إلى العبء – يتطلب ضرورة التواجد حتى لا تشغله الأطراف الأخرى المناوئة لواشنطن، وبالتالي خلق مخاطر جديدة على الهيمنة الأمريكية العالمية، ولا سيما من ملء هذا الفراغ عبر الوجود الروسي والصيني، كما يتضح جليًا في الحالة السورية، ولذا ينبع هذا النفوذ التقليدي من مصالح براجماتية تتعلق بصفقات الأسلحة وحصة الشركات الأمريكية داخل اقتصاد الدول الإقليمية. 

ختامًا، يبدو أن الولايات المتحدة غير راضية عن التحول العالمي الجديدة نحو التعددية القطبية، وتتشبث لآخر محاولاتها ضمن الحفاظ على آحاديتها على قمة النظام الدولي بمنع وصول أقطاب دولية جديدة بشتى الطرق الخشنة والناعمة، والاستناد لآليات أخرى تعتمد على الريادة في حقول جديدة طرأت على الساحة الدولية خلال العقد الأخير، يأتي على رأسها التطورات التكنولوجية الهائلة، وحقلها الرئيسي الذكاء الاصطناعي. 
   

ربما يعجبك أيضا