توازن القوى.. أين تقف واشنطن في نزاع أنقرة وباريس حول ليبيا؟

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي 

ما زال الحضور الأمريكي في الأزمة الليبية خجولا، حيث يتباهي معسكر تركيا وحكومة الوفاق الليبية بدعم واشنطن، وفي المقابل تأتي التصريحات والمواقف الدبلوماسية الأمريكية مؤيدة لإنهاء حالة الحرب والعمل على وقف إطلاق النار.

وشهد الخلاف المحتدم بين فرنسا وتركيا، تصعيدًا جديدًا، بعدما أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية، الأربعاء، أنَّ باريس قرَّرت الانسحاب مؤقتًا من عملية للأمن البحري لحلف شمال الأطلسي في المتوسط بسبب خلافاتها مع تركيا، كما دعا وزير الخارجية الفرنسي الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على أنقرة.

تنسيق تركي أمريكي

تزعم أنقرة إن الانحياز الأمريكي ساهم في قوة تواجدها في ليبيا حيث قال نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، الجمعة، إن التعاون بين تركيا والولايات المتحدة في الملف الليبي اكتسب عمقا قد يصنع فارقا إيجابيا.

وأضاف: “نقوم بتعميق محادثاتنا الثنائية حول ليبيا كما اتفق الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في المكالمة الهاتفية في 8 يونيو/ حزيران الحالي، بحيث يمكن للولايات المتحدة وتركيا إحداث فارق إيجابي معا”.

تناقض أمريكي

يتناقض الموقف الأمريكي في العلن عكس ما تصدره تركيا وحكومة الوفاق، وتأتي تصريحات المسئولين الأمريكيين مؤيدة لوقف إطلاق النار والعودة إلى الطاولة السياسية.

وأكد السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، وقائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا الجنرال ستيفين تاونسند، على  ضرورة وقف إطلاق النار في ليبيا.

وحذرا من أن استمرار العنف يزيد من احتمال عودة تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين.

أين تقف وشنطن؟

ثمة علامة استفهام كبيرة تتعلق بموقف الإدارة الأمريكية من الصراع في ليبيا، فقد لاحظنا صدور تصريحات من مسؤولين في الجيش الأمريكي، وكذلك تصريحات من البيت الأبيض تنتقد بشدة الدعم الروسي العسكري لقوات المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وتعتبر ذلك تهديداً للسلام العالمي!

وتكمن مخاوف واشنطن في خشية إقامة روسيا قواعد عسكرية لها في ليبيا، وخصوصاً بعد أن أرسلت موسكو 14 طائرة ميج 29، وسوخوي 24 إلى قاعدة الجفرة الجوية التابعة للجيش الوطني الليبي، بينما نفى عضو بالبرلمان الروسي ذلك. ولم تكتف واشنطن فقط بالتصريحات المنددة بالتدخل الروسي في ليبيا، بل أرسلت لواء للمساعدة الأمنية إلى تونس بغرض التدريب في إطار برنامج للمساعدة العسكرية بعد تزايد النشاط الروسي في ليبيا مؤخرا.

هذا يمكن أن نتفهمه من الناحية الاستراتيجية ضمن لعبة الصراع بين الدول الكبرى أمريكا وروسيا، وبالتالي مخاوف واشنطن من أن يكون لموسكو قواعد عسكرية في ليبيا، وتبرير ذلك بالخطر الذي قد يحدث بأوروبا وحلف شمال الأطلسي إذا نشرت موسكو أنظمة صواريخ بعيدة المدى في هذه القواعد العسكرية الليبية.

لكن ما لا يمكن أن نفهمه، أو بالأحرى ما نستغربه في المواقف الأمريكية أن الإدارة الأمريكية لم تحرك ساكناً لردع الانتشار العسكري التركي السريع والكبير، وتجنيد أنقرة للمرتزقة السوريين، بل وإرسال عناصر إرهابية من القاعدة وداعش إلى ليبيا للقتال دفاعاً عن حكومة السراج الموالي لجماعة الإخوان المسلمين في طرابلس.. وللأسف واشنطن لم تتحرك لردع أنقرة عن إرسال قواتها العسكرية وطائراتها ودباباتها للقتال إلى جانب مليشيات إرهابية مسلحة دعماً للسراج!

مشكلة واشنطن أنها لا تريد التورط أكثر في أزمات وحروب الشرق الأوسط، ولكنها تتذمر إذا تحركت روسيا لملء الفراغ السياسي والعسكري في مناطق الأزمات، تماماً مثلما حدث في سوريا، حيث تخلت أمريكا حتى عن حلفائها الأكراد لصالح توسع النفوذ التركي العسكري في شمال سوريا.

أما المسألة الأخطر فتكمن في مصداقية أمريكا بشأن حقيقة محاربتها للإرهاب في العالم، وتحديداً في ليبيا حالياً، لأن العالم كله شاهد تجنيد تركيا للمرتزقة والإرهابيين وإرسالهم للقتال في ليبيا، وأمريكا تعرف طبيعة العلاقة الفكرية للإخوان المسلمين التي تربط بين السراج وأردوجان والغنوشي في تونس في الوقت الذي تدعي فيه واشنطن محاربتها للإرهاب في العالم، بل وتقود تحالفاً عالمياً لهزيمته عسكرياً!

ربما يعجبك أيضا