«توغل أوكرانيا في روسيا» مقامرة أم ضربة قاضية لبوتين؟

تقدم أوكراني سريع في كورسك يثير تساؤلات حول استراتيجيتها العسكرية

شروق صبري
يقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام طائرتين مقاتلتين من طراز F16

 رغم النجاحات التي حققتها أوكرانيا في مقاطعة كورسك، فإن التوغل يواجه تحديات كبيرة، خاصة في ظل الحاجة الماسة إلى الموارد على الجبهات الأخرى.


أطلقت أوكرانيا عملية عسكرية مفاجئة في مقاطعة كورسك الروسية، حيث تمكنت من تحقيق تقدم سريع في الأراضي الروسية.

وأدى هذا التقدم إلى إحراج كبير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأعاد للأوكرانيين الروح المعنوية بعد عام من الصراعات الدفاعية التي خلفت خسائر فادحة.

حرب أوكرانيا

حرب أوكرانيا

معضلة القيادة الأوكرانية

التحدي الذي يواجه القيادة الأوكرانية الآن هو ما إذا كانت هذه المكاسب تستحق المجازفة باستخدام المزيد من القوات والمعدات العسكرية التي تحتاجها بشدة في الجبهة الشرقية في أوكرانيا. هناك حيث تكافح القوات الأوكرانية لاحتواء تقدم الروس الذي يزداد زخمًا يومًا بعد يوم. حسب ما ذكرت وول ستريت جورنال الأمريكية اليوم الاثنين 12 أغسطس 2024.

في غضون أيام قليلة من بدء العملية، تقدمت القوات الأوكرانية مسافة لا تقل عن 20 ميلًا من الحدود الروسية. أرسلت هذه العملية رسالة واضحة لأوكرانيا نفسها وحلفائها وأعدائها على حد سواء، مفادها أن أوكرانيا لا تزال قادرة على القتال وتوجيه ضربات موجعة لجارتها الأكبر.

تقدم سريع وتأثير واسع

في أول تعليق له على هذا التوغل، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطاب ألقاه مساء السبت: “إن هذه العملية هي جزء من جهودنا لنقل الحرب إلى أراضي المعتدي”. وأضاف: “أوكرانيا تضمن بالضبط نوع الضغط المطلوب على المعتدي”.

تعتبر هذه الخطوة مخاطرة كبيرة، خاصة في ظل نقص القوى البشرية والمعدات العسكرية التي تحتاجها أوكرانيا في الجبهة الشرقية. في تلك الجبهة، يواصل الروس الضغط على القوات الأوكرانية التي تحاول الصمود في وجه الهجمات المتزايدة.

ولا تزال الأهداف النهائية لهذه العملية غير واضحة تمامًا. فالحكومة الأوكرانية قدمت تصريحات قليلة حول العملية، لكن النجاحات الأولية واضحة في مقاطع الفيديو التي انتشرت على الإنترنت، والتي تُظهر القوات الأوكرانية وهي ترفع علمها في عدة بلدات وقرى بالقرب من الحدود، بالإضافة إلى تدمير مركبات عسكرية روسية.

غارة روسية

غارة روسية

العمق الروسي

تشير التقارير الروسية إلى أن التقدم الأوكراني السريع تم تحقيقه باستخدام معدات الحرب الإلكترونية لتعطيل الاتصالات الروسية، ما سمح للقوات الأوكرانية بالاندفاع إلى عمق الأراضي الروسية باستخدام مركبات مدرعة سريعة مدعومة بطائرات مسيرة وأنظمة دفاع جوي.

نجحت أوكرانيا في تأمين موطئ قدم تستخدمه الآن لإرسال فرق استطلاع لاستكشاف المزيد من نقاط الضعف في الدفاعات الروسية واستغلالها. كما نقلت أوكرانيا أنظمة مدفعية إلى هذه المناطق الجديدة لتتمكن من ضرب أهداف داخل العمق الروسي.

التأثير على روسيا وردود الفعل

من جهة أخرى، أعلنت روسيا مرارًا وتكرارًا أنها تصد القوات الأوكرانية عن مناطق الحدود. لكن وزارة الدفاع الروسية اعترفت يوم الأحد بأنها تقوم بضرب وحدات أوكرانية في قرى تبعد نحو 20 ميلاً داخل الأراضي الروسية.

يقول أحد الضباط الأوكرانيين الذين يقاتلون في منطقة تشاسيف يار: “إنها ضربة لبوتين”. وأضاف: “بالطبع، أحب رؤية أننا ضربنا قافلتهم. إذا استمر هذا لبضعة أيام، سأقول إنه كان مفيدًا للغاية”.

رسالة لواشنطن

بعض المحللين العسكريين يشككون في المنطق العسكري لهذه العملية، مشيرين إلى أن أوكرانيا قد تكون تسعى إلى إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة، الداعم الأكبر لها، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر.

تحدث بعض المسؤولين الأمريكيين عن أن الإدارة الأمريكية لم تكن على علم مسبق بهذه العملية، وهو ما يعتبر أمرًا معتادًا في التحركات التكتيكية. وعلى الرغم من أن واشنطن حثت كييف على تجنب الهجمات داخل روسيا، إلا أن هذا التوغل يُعتبر ضمن قواعد الدفاع عن النفس، خاصة في ظل الهجوم الروسي على مقاطعة خاركيف الأوكرانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

رد فعل روسيا

حتى الآن، لم تزد المخاوف من التصعيد بشكل كبير داخل البيت الأبيض. توقعات المسؤولين تشير إلى أن القتال في روسيا سيشبه المعارك داخل أوكرانيا، مما يعطي موسكو مجالًا لعدم الرد بشكل مفرط. ومع ذلك، أعرب بعض المسؤولين الأمريكيين عن قلقهم من أن قتل الجنود الروس على أراضيهم قد يدفع بوتين إلى الانتقام بشدة، من خلال إطلاق صواريخ على المدن والبنية التحتية الأوكرانية.

ومع ذلك، قال زيلينسكي في خطابه مساء السبت 10 أغسطس 2024 إن روسيا استخدمت صاروخًا كوريًا شماليًا لضرب منطقة بالقرب من كييف. بينما يتوقف مسار المرحلة المقبلة من التوغل في كورسك على الموارد التي تستطيع كل جهة حشدها وكيفية استخدامها.

تحتاج أوكرانيا إلى تعزيزات من القوى البشرية والمعدات العسكرية للحفاظ على زخمها، بينما ستسعى روسيا إلى شن هجوم مضاد بسرعة، مستخدمة قوتها النارية المتفوقة، بما في ذلك القنابل الانزلاقية الضخمة، إذا تطور خط المواجهة إلى جبهة ثابتة.

تقدم القوات الروسية

رغم النجاحات التي حققتها أوكرانيا في مقاطعة كورسك، فإن هذه العملية لا تغير الأسس على الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا، حيث تواصل القوات الروسية تقدمها، وإن كان ببطء، ضد القوات الأوكرانية التي تعاني من نقص في العدد والعتاد.

وتواجه أوكرانيا تحديًا كبيرًا في إدارة الموارد العسكرية، حيث يتطلب التوغل في كورسك موارد ضخمة، خاصة في القوى البشرية، التي قد تكون أكثر حاجة لها في أماكن أخرى.

ورغم الآمال في أن يؤدي هذا التوغل إلى سحب القوات الروسية من الجبهة الشرقية، إلا أن العديد من الضباط الأوكرانيين يشككون في ذلك، مشيرين إلى أن روسيا لديها احتياطيات كافية للتعامل مع المعارك على جبهات متعددة.

ربما يعجبك أيضا