تونس على فوهة بركان.. “قانون الميراث” يربك الشارع السياسي

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

على الرغم من كون تونس تعيش بهوية علمانية منذ عهد الزعيم الحبيب بورقيبة، إلا أن مرورها بتغيرات اجتماعية ودينية إضافة إلى كونها أول دولة اندلعت شرارة ما عرف باسم “الربيع العربي” بها، إضافة لصدور دستور عام 2014 الذي شمل بند “الإسلام دين الدولة” الأمر الذي أراح المحافظين والأحزاب ذات الصبغة الدينية بينما أثار قلق المطالبين بفصل الدين عن الدولة وتشريع قوانين تجيز الحريات العامة التي يجد بها الأصوليون العديد من التحفظات.

ظلت الأمور تشهد حالة من التوتر بين الجانبين حول العديد من الأمور الاجتماعية والسياسية حتى أغسطس عام 2017، حيث قام الرئيس “الباجي السبسي” بتشكيل لجنة وكلفها بإعداد تقرير يتضمن إصلاحات تشريعية متعلقة بالحريات الفردية والمساواة، إلا أن تلك الإصلاحات حملت العديد من البنود التي أثارت نوبة من الغضب والرفض كونها تختلف مع الهوية الدينية والعربية لتونس.

في أغسطس الماضي، أعلن الرئيس التونسي، عزمه منح المرأة حقوقًا متساوية في الميراث، وإجراء إصلاحات على القانون الحالي، إلا أنه بعد أسبوعين، رفض حزب النهضة الإسلامي- الحزب السياسي المنافس للسبسي- هذا الاقتراح ، ومع مُشاهدة المواقف الأولية، من المرجح أن يتحول الجدل حول الميراث في تونس إلى صدع كبير قبل انتخابات عام 2019.

حركة النهضة

كانت حركة “النهضة” التونسية قد حسمت في وقت سابق موقفها رسميًا من مشروع المساواة في الإرث بين الجنسين، معلنة عن رفضها المبادرة التي أطلقها الرئيس حول الإرث.

وأكد رئيس مجلس شورى حركة النهضة “عبد الكريم الهاروني”، على رفض الحركة لأي مشروع يتنافى مع الدستور ومع النصوص القطعية للقرآن الكريم ، قائلا : “نحن دولة مدنية لشعب مسلم تحترم إرادة هذا الشعب، وإرادته التمسك بقيم الإسلام وتعاليمه”.

وأردف: “سنناضل من أجل إعطاء الحق للمرأة في الميراث، ونجتهد في تطوير قوانين مجلة الأحوال الشخصية لمزيد من الدفاع عن حقوق المرأة، لكن ضمن احترام الدستور والنصوص القطعية للقرآن الكريم وتعاليم الإسلام”.

ومنذ صدور مبادرة المساواة في الإرث بين الجنسين، تصاعد الجدل داخل حركة “النهضة”، ووصل الأمر حد تبادل الاتهامات، لكن الوضع بات مرشّحًا لمزيد من الاشتعال.

صراع الأجنحة

خالفت رئيسة بلدية تونس “سعاد عبد الرحيم” الموقف الرسمي لحزبها الإسلامي، حركة النهضة التونسية، وأعلنت عن مساندتها لمبادرة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي حول المساواة في الإرث.

ونقلت مجلة “جون أفريك” الفرنسية عن “سعاد” قولها:” اقتراح المساواة في الإرث بين الجنسين يعطي الاختيار بين تقاسم الميراث بالتساوي أو تطبيق القانون الإسلامي بخصوص هذه المسألة، ولا تتعارض مع الهوية التونسية”.

ويعدّ موقف سعاد عبد الرحيم بخصوص مسألة المساواة في الإرث بين الجنسين “خروجًا عن الانضباط الحزبي” داخل حركة النهضة.

ويرى المحلّلون أنّ هذا الموقف، قد يعيد إلى الواجهة “صراع الأجنحة” داخل حركة النهضة، ويفجّر خلافات جديدة أشدّ وأعمق بين قيادات الحركة الإسلامية.

جدل المساواة

في تقرير نشرته “فايننشال تايمز”حول تبعات تشريع مقترح في تونس بشأن المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، أشارت الصحيفة إلى أن النقاش الدائر حول المقترح يظهر صعوبة تغير وضع قائم منذ قرون، محذرة من ردود فعل عكسية قد يلحق بالنساء في الدول العربية.

وبحسب التقرير، فإن “تمرير مشروع القانون لا يزال محل شكوك، لكن الجدل الذي أثاره في عموم الدول العربية لا يزال مستعرا”.

وترى الكاتبة أن المساواة في الميراث ستمثل تحولا كبيرا، وأن عدد كبير من النساء يسعين من أجل هدف أكثر تواضعا وهو الحصول على النصيب البسيط المخول لهن في الوقت الحالي.

وأشارت إلى أنه “حتى رجال الدين يخشون إثارة هذه القضية لأن ذلك سيجعل الجميع ينقلب عليهم”.

معركة أخرى

طرحت مؤسسة “بروكينجر” الأمريكية سؤال: هل ستتمكن تونس من إيجاد حل وسط بشأن إجراءات الميراث ؟. 

تعود قوانين الميراث القائمة في تونس إلى قانون الأحوال الشخصية لعام 1956، هذا القانون الذي منع تعدد الزوجات ومنح المرأة حقوقًا متساوية عند طلاقها من الرجل، وساهم في ذلك القانون الرئيس الأول لتونس “حبيب بورقيبة” ، وعلى الرغم من أن إجراءات القانون أكثر تقدمًا على العديد من الجهات، إلا أن الميراث كان معركة لا يستعد الأفراد مواجهتها.

القانون الحالي يُكرس التقاليد الإسلامية حرفيًا، ولا يحدد فقط الورثة المعنيين الذين يحصلون على الميراث، بل يُحدد أيضًا التفاصيل الدقيقة التي يمكن أن يتحملها الطرفان حيث عادة ما يتم اتباع  الحكم القرآني في هذا الشأن ومن ثم منح المرأة نصف نصيب الرجل ، وعلاوة على ذلك، ووفقًا لهذا القانون، لا يستطيع التونسيون كتابة وصية توزع ميراثهم بالتساوي ، وحاليًا، التونسيون الذين يسعون إلى توزيع ميراثهم بالتساوي، يجب عليهم بدلاً من ذلك تحويل ملكية ثرواتهم قبل وفاتهم.

وبعد مرور ستين عامًا، فإن مشاريع الرئيس السبسي التي لم يجرؤ عليها بورقيبة، “في قضية تساوي الميراث” تجلت بداية من 13 أغسطس عام 2017، في أثناء اليوم الوطني للمرأة في تونس، حيث شكل السبسي لجنة الحريات الفردية والمساواة لدراسة الإصلاحات التي يجب إجراؤها  لوضع القوانين وفقًا لدستور عام 2014 والاتفاقات الدولية.

وفي يونيو من العام ذاته، أصدرت اللجنة تقريرها المؤلف من 235 صفحة، والذين ينادي ويطالب ضمن قضايا أخرى بالمساواة في الميراث، وإلغاء تجريم المثلية الجنسية، وإلغاء عقوبة الإعدام، وفي خلال اليوم الوطني للمرأة للعام الحالي، أعلن السبسي موافقته على توصية تقرير “لجنة الحريات الفردية والمساواة” الخاص بالإرث المتساو، متعهدًا بتقديم مشروع قانون للبرلمان في الأشهر القادمة.

وفي 26 أغسطس الجاري، أصدر مجلس الشورى بيانًا رافضًا مقترح السبسي لأنه يتناقض مع النصوص الدينية في القرآن والسنة، على الرغم من أن حزب النهضة  قدم تنازلات كبيرة في فترة  8 سنوات ماضية بما فيها عدم ذكر الشريعة في الدستور الجديد والمساواة بين الجنسين وحرية العقيدة، إلا أن الحزب الآن رافض تغيير القانون بشأن الميراث.

حلول

هناك أكثر من سيناريو لإنهاء حالة الخلاف حول القانون، السيناريو الأول يقوم السبسي في الوقت الحالي بصياغة قانون لتقديمه إلى البرلمان وقت انعقاد الجلسة في شهر أكتوبر القادم،  وعلى الرغم من أن حزب النهضة يتمتع بالجزء الأكبر  من المقاعد البرلمانية، إلا أن فكرة تساو الميراث يمُكن أن تُطبق دون دعمهم،  مع أن ذلك قد يتطلب توحيد الأحزاب العلمانية المتنافرة في تونس،  في الوقت الذي اختلف فيه أيضًا أفراد من الحزب التابع للسبسي  وانقسموا تبعًا لمقترحه الأخير.

السيناريو الآخر هو أن البرلمان يراجع مشروع القانون بطريقة  ترضي حزب النهضة، وقد يكون أحد الحلول الوسيطة المُستساغة التي تخالف السبسي، وهي السماح للأفراد باختيار  فكرة المساواة في الميراث بإرداتهم ولكن في هذه الحالة سيكون هناك غياب لتطبيق الشريعة الإسلامية.

https://www.youtube.com/watch?v=zEBA2GZJfWk

ربما يعجبك أيضا