ثلوج في أكثر المناطق حرارة.. ماذا يفعل تغير المناخ بكوكب الأرض؟

نادية عبد الباري

تتواصل الآثار الكارثية الناجمة عن ظاهرة تغير المناخ العالمية والاحتباس الحراري حتى إنها بدأت تمس الأنهار الجليدية.. فماذا يحدث؟


على مدار الأسابيع الماضية من 2023، شهدت البلدان الأكثر حرارة في المنطقة العربية سقوط ثلوج، وآخرها مصر.

وبعدما كانت أخبار الطقس تتذيل نشرات الأخبار في المحطات المحلية والعالمية سابقًا، صارت الآن تتصدرها، بعد سقوط ثلوج على الكويت والسعودية الأكثر حرارة وجفاف في العالم، للمرة الأولى، ولكن البطل واحد وراء كل هذا وهو تغير المناخ.

تغير المناخ يغرق الكرة الأرضية

لا يتجاهل مراقبو وباحثو المناخ ما يحدث في كل بقاع العالم من ظواهر ومشكلات يبدو في ظاهرها أنها طبيعية، لكن في واقع الأمر هي بفعل تغير المناخ والاحتباس الحراري. وتتواصل الآثار الكارثية الناجمة عن ويتكثف ظهورها منذ بدايات 2023.

download 55

ذوبان الجليد

ما يفعله باحثو المناخ لا يتوقف عند المراقبة، بل يجرون دراسات تدق ناقوس الخطر لاتخاذ إجراءات احترازية أو سياسية من شأنها الحد من الخطر، وتقليل الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية، سواء أكانت بشرية أم مادية.

دراسات تحذر من ذوبان الجليد

في 5 يناير 2023، أعلنت مجلة “ساينس” الأمريكية المختصة في العلوم ودراسات المناخ، أن قرابة ثلثي الأنهار الجليدية بالعالم في طريقها إلى الزوال بحلول نهاية القرن الحالي. وشملت الدراسة تحليلًا لأحوال جميع الأنهار الجليدية بالعالم، والتي يبلغ عددها 215 ألفًا.

وتعقيبًا على المجلة، أوضح الباحث في شؤون المناخ بجامعة بنسلفانيا، الدكتور مايكل مان، لشبكة رؤية الإخبارية، أن الدراسة ليست مهمة في حد ذاتها، لكن نتائجها تنذر بخطورة بالغة، فالأنهار تذوب بوتيرة أسرع مما كان يعتقد المراقبون، ولكن مدى سرعة ذوبانها يعتمد على مقدار ارتفاع درجة حرارة الكوكب، لذا على الحكومات الحد من الانبعاث الحراري.

القطبان يهددان العالم

خلصت الدراسة إلى أنه لم يعد بإمكان الدول والحكومات التحرك لإنقاذ العديد من الأنهار الجليدية الصغيرة، وفي الوقت ذاته تتوقع أن يتسبب الاحتباس الحراري العالمي في ذوبان ما بين 38 و64 تريليون طن متري من الجليد، من الآن وحتى نهاية القرن، ما يعني ارتفاع إضافي 3.5 إلى 6.5 بوصة لمستويات سطح البحر.

وفي هذا السياق يوضح مايكل مان لـ”رؤية” أن ما يحدث هذا العام امتداد لـ2022 وما سبقه، لكونهما سجلا كوارث مناخية قياسية ومتطرفة يمكن تلخيصها في الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة صيفًا، وهو أدى إلى آثار غير محمودة في أوروبا والأمريكتين، وكوارث بيئية كثيرة كانتشار حرائق الغابات في إسبانيا والبرتغال وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والبرازيل.

ذوبان الأنهار الثلجية

259801 498454203

نتاج تغير المناخ

أشار مايكل مان إلى أن الأمم المتحدة في حصادها الذي عرضته في قمة المناخ الأخيرة COP27 بمدينة شرم الشيخ المصرية، ذكر أن 2022 ثاني أكثر الأعوام سخونة في القارة الأوروبية منذ بدء التسجيل عام 1864، ما يفسر الشتاء الدافئ نسبيًّا هناك حتى الآن.

وتسبب ارتفاع الحرارة بمعدل بلغ 1.3 درجة مئوية، في انخفاض سُمك العمود الجليدي في أوروبا، وتجلى ذلك في تناقص المساحات البيضاء في سويسرا تحديدًا، التي تضم أكثر من 1500 نهر وموقع جليدي، معظمها ضمن نطاق جبال الألب السويسرية، التي فقدت الأنهار الجليدية فيها أكثر من 6% من حجمها خلال عام واحد فقط.

التهديد الأكبر في القطب الجنوبي

يذكر باحث الشؤون المناخية في جامعة بنسلفانيا، أن التهديد الأكبر الذي ترتفع مخاطره، مصدره القارة القطبية الجنوبية، لكونها تضم أكبر مساحة يابسة متجمدة على سطح الأرض.

ولكن عام 2022 أنذر بكارثة لأنه كان عام التسارع في ذوبان أكبر الأنهار الجليدية على سطح الكوكب، فبدأ نهر ثيوتس الأكبر على الإطلاق في الذوبان، وقد رصدته صور الأقمار الصناعية لوكالة ناسا الفضائية، وقدرت حجم انهياره بـ4.2 كيلومتر من قاعدة النهر خلال العقد الماضي فقط.

وفي الدراسات التي عرضها معهد الدراسات المناخية التابع للاتحاد الأوروبي في قمة المناخ الماضية، أوضح أن ذوبان نهر ثيوتس كان كفيلًا برفع مستوى سطح البحر في أوروبا إلى 4.8 متر، الأمر الذي يهدد العالم بإغراق الكثير من عواصمه، والخطر هنا لا يقتصر على المدن الساحلية فقط.

ما أسباب ذوبان الجليد المتسارع خلال العقد الحالي؟

يوضح مايكل مان في حديثه لشبكة رؤية، أن السبب الرئيس الذي يقف خلف ارتفاع مؤشر ذوبان الجليد واحتمالاته المستقبلية، هو معدلات الحرارة بفعل تزايد انبعاثات الغازات الدفيئة والغاز الاحتراري، لكونهما يعملان على حبس حرارة الكوكب داخله بدلًا من تفريغها، ما يرفع معدل ذوبان الجليد ويزيد تسارعه بطبيعة الحال.

وحذرت جامعة بنسلفانيا في دوريتها البحثة المنشورة نوفمبر الماضي، من أن فترة الاستشفاء الشتوية هذا العام لن تكون كفيلة بإعادة التوازن للكتلة الجليدية، قياسًا إلى مدى تسارع الذوبان، خصوصًا وأن 2022 كان من أكثر الأعوام شحًّا من حيث تساقط الثلوج في سيبيريا والمناطق الشمالية.

المخاطر الممكنة لذوبان الجليد

لذوبان الجليد وانهيار الكتل الثلجية مخاطر وفاتورة يدفعها العالم كله، فهو يسبب خللًا بالنظام الجيولوجي لكوكب الأرض، ينتج عنه في الغالب تنشيط الفواصل والفوالق في القشرة الأرضية، ما يسبب انهيارات أرضية ويغمر الوديان والسهول بالكتل الصخرية، وهذا يعني تجريف الكثير من المدن والقرى في البلدان التي تعاني فقدان كتلها الثلجية.

والخطر الأكبر هو الفيضانات وتكوّن البحيرات التي تستنزف الخزين السطحي من المياه العذبة، وتملّحها تدريجيًّا، ثم تتضاعف الكوارث المهددة للأمن المائي والغذائي والاقتصادي والاستقرار الاجتماعي في العديد من البلدان والأقاليم، وقد تصل التبعات إلى نزاعات مسلحة بين البلدان المشتركة في مصادر مياهها العذبة، خاصة بعد نزوح ملايين اللاجئين العام الماضي بسبب تغير المناخ والبحث عن المياه.

هل يمكن إصلاح ما سبق أو تجاوزه؟

يشير خبير شؤون المناخ مايكل مان، إلى شبه روشتة يمكن تقديمها من خلال ما لدى الحكومات والمنظمات من معطيات ودراسات. ووفق مراقبة الجمعيات المناخية لعملية تسارع مراحل الاحتباس الحراري، وعدم التوجه إلى معالجة مسبباته، تتجه الأنهار الجليدية بأوروبا نحو الاندثار، وأصبح ذوبانها وشيكًا، وستختفي هذه الأنهار بنهاية القرن الحالي.

ومن أوروبا إلى الأنهار الجليدية في آسيا، حيث أصبحت أنهار هضبة التبت مثلًا الأكثر دفئًا خلال الأعوام الـ5 الأخيرة، لكن بوتيرة أخف مقارنة بأوروبا. ويطال التهديد بالفقد والذوبان نحو ثلث الكتلة الحالية من الأنهار الجليدية بآسيا، بحلول نهاية القرن.

ولم تسلم الأنهار الجليدية في القطب الجنوبي (أنتاركتيكا) لكونها الأغلظ سُمكا، فهي تشكل التحدي الأكبر، وما زالت الفرصة متاحة لترميمها أمام الحكومات والمنظمات الأهلية، خاصة وأن انهيار أقل من ثلث أنهار أنتاركتيكا كفيل بإنهاء الحياة على وجه الأرض، وليس فقط تهديد الأمن المائي والغذائي، كما يحدث عند ذوبان أنهار أوروبا وآسيا.

ربما يعجبك أيضا