تفاعلي.. الاقتصاد العالمي يدفع ثمن الحرب الروسية الأوكرانية

منه عبد الرازق

بسبب ارتفاع التضخم وصل مؤشر أسعار الغذاء لأعلى معدلاته منذ 16 عامًا، مع توقع استمرار الارتفاع حتى عام 2023 في أغلب بلدان العالم.


وضعت الحرب الروسية على أوكرانيا المقترنة بآثار جائحة كوفيد-19، الاقتصاد العالمي على مسار نمو أبطأ وتضخم متزايد لم يشهده منذ السبعينيات.

وتخبرنا البيانات والأرقام عن وضع اقتصادي حرج في كبرى الاقتصادات العالمية، وتأثير الحرب في 3 أصعدة تشمل تباطؤ التعافي الاقتصادي،وتزايد الضغوط التضخمية، وأزمة غلاء المعيشة.

تضخم غير مسبوق

هذه التداعيات لم تؤثر على اقتصاديات الدول الناشئة والفقيرة فقط، بل طالت أوروبا والولايات المتحدة أيضًا، ويظهر ذلك جليًّا في ظل رفع كبرى البنوك ،مثل الاحتياطي الفيدرالي، والمركزي الأوروبي، والسويسري وغيرهم، أسعار الفائدة لمعدلات لم تشهدها منذ أكثر من عقد من الزمان، لمواجهه موجات التضخم المتنامي في أسعار الطاقة والغذاء خصوصًا.

وتُظهر التوقعات الجديدة خلال التقرير النصف سنوي عن الاقتصادات الكبرى لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، التأثير الكبير والعالمي للحرب في التضخم، الذي وصل بالفعل إلى أعلى مستوياته منذ 40 عامًا في ألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

تركيا والأرجنتين الأعلى في نسب التضخم

ويظل انخفاض الواردات، وضغوط أسعار السلع، وتأثير ارتفاع أسعار الفائدة سيبلغ ذروته لاحقًا، وعند مستويات أعلى مما كان متوقعًا في السابق حتى عام 2023، ولكن من المتوقع مع ذلك أن يظل التضخم الأساسي عند أو فوق أهداف البنوك المركزية في العديد من الاقتصادات الكبرى في نهاية العام.

وأظهرت البيانات التي تتيحها المنظمة عن توقعات التضخم السنوية لعامي 2021 و2022، أن تركيا والأرجنتين أكثر دولتين ضمن أعضاء مجموعة الـ20 زادت بهما نسب التضخم خلال 2022، ففي تركيا وصلت النسبة إلى 72%. أما بالنسبة للدول خارج المجموعة، فكانت النمسا وبلجيكا أكثر دولتين زادت فيهما نسب التضخم إلى 15.6% و14.5% على الترتيب خلال 2022.

 

الأسر تدفع الثمن

تعتبر روسيا وأوكرانيا من الموردين المهمين في العديد من أسواق السلع الأساسية. شكلا معًا نحو 30% من صادرات القمح العالمية، و20% للذرة والأسمدة المعدنية والغاز الطبيعي، و11% من النفط. وارتفعت أسعار هذه السلع على نحو حاد بعد اندلاع الحرب.

وتهدد اضطرابات الإمدادات المتزايدة البلدان منخفضة الدخل التي تعتمد على روسيا وأوكرانيا للحصول على المواد الغذائية الأساسية. ومع استنفاد الميزانيات العامة لمدة عامين من الوباء، يمكن لهذه البلدان أن تكافح من أجل توفير الغذاء والطاقة بأسعار معقولة لسكانها، ما يعرضها لخطر المجاعة والاضطرابات.

أسعار الغذاء في أعلى معدلاتها منذ 2006

وصل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء الحقيقي وهو مقياس للتغيّر الشهري في الأسعار الدولية لسلة من السلع الغذائية. ويتألف من متوسط 5 مؤشرات أسعار لمجموعة السلع، وصل إلى أعلى معدلاته منذ العام 2006، أي ما يقرب من 16 عامًا، وشهد ذروته خلال الأزمة الاقتصادية عام 2008، وفي أثناء ثورات الربيع العربي في 2012،.

ويؤدي الارتفاع الحاد في الأسعار إلى تقويض القوة الشرائية، ما يجبر الأسر ذات الدخل المنخفض على تقليص المواد الأخرى لسداد احتياجات الطاقة والغذاء الأساسية، وتوضح منظمة التعاون الاقتصادي في تقريرها، أن تباطؤ النمو ثمن حرب سُيدفع من خلال الدخل المنخفض وفرص العمل الأقل.

تراجع ثقة المستهلك

في الوقت نفسه، تراجع مؤشر ثقة المستهلك لنسبة أقل من فترة الوباء في أمريكا وأوروبا ومنطقة منظمة التعاون الاقتصادي، وهو مؤشر يقيس التطورات المستقبلية لاستهلاك الأسر وادخارها، بناءً على إجابات المسح في ما يتعلق بوضعها المالي المتوقع، والمشاعر تجاه الوضع الاقتصادي العام، والبطالة والقدرة على الادخار، ويشير القياس فوق 100 إلى موقف متفائل.

أظهرت البيانات أن منطقة اليورو كانت الأكثر تشاؤمًا خلال فترة ما بعد الحرب تجاه الوضع الاقتصادي للأسر، ووصل المؤشر لـ96.1 نقطة، وكان الانخفاض الأقرب هي فترة بدايات الوباء في مايو 2020، في حين كان أعلى معدل في يونيو 2021 الذي تجاوز 102 نقطة، وانخفضت أيضًا التوقعات بالنسبة للولايات المتحدة ومنطقة دول منظمة التعاون الاقتصادي إلى 97 نقطة.

تعافٍ لم يستمر

تشير منظمة التعاون الاقتصادي إلى أنه قبل الحرب الروسية الأوكرانية، كان الاقتصاد العالمي في طريقه لتحقيق التعافي من آثار وباء كوفيد-19، وإن كان تعافيًّا غير منتظم، ولكن الصراع وتأثر سلاسل التوريد فاقمت الأزمة، ووجهت ضربة موجعة نحو النمو.

ووفقًا لقواعد البيانات التي تتيحها المنظمة، فمن المتوقع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي على نحو حاد هذا العام إلى نحو 3%. والناتج المحلي الإجمالي يعد بطاقة قياس الأداء الاقتصادي، فهو القيمة الإجمالية لجميع السلع والخدمات النهائية التي تنتجها أي دولة باعتباره أداة شاملة لقياس إنتاج هذه الدولة داخل حدودها.

ويظل معدل النمو متراجعًا بوتيرة مماثلة في عام 2023 لينخفض إلى 2.8%، وهذا أقل بكثير من وتيرة الانتعاش المتوقعة في ديسمبر الماضي. ومن المقرر أن يكون النمو أضعف بقدر ملحوظ مما كان متوقعًا في جميع الاقتصادات تقريبًا. وتقع العديد من البلدان الأكثر تضررًا في أوروبا، وهي معرضة بشدة للحرب من خلال واردات الطاقة وتدفقات اللاجئين.

ربما يعجبك أيضا