جامع الشيخ زايد الكبير.. عمارة العصور المختلفة تجسد قيم التعايش

عندما أراد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أن يشيد رمزًا يجسد رسالة الإسلام من تسامح وسلام وتعايش مع الآخر، أمر ببناء مسجد كبير، ليكون منارة للعلوم الإسلامية.

وبعد اكتمل البناء أصبح مسجد الشيخ زايد الكبير مرجعًا حيًّا للعمارة الإسلامية الحديثة التي تربط الماضي بالحاضر، ويرسخ ويعمق الثقافة الإسلامية ومفاهيمها السليمة، ويكون منارة تشع بعلمها وفكرها في العالم، ويسهم في مسيرة الإبداع والتقدم، ويقوم على العلم الصحيح.

الرؤية من زوايا مختلفة

جاء البدء بتصميم المسجد بمسابقة دولية، فاز فيها مكتب كونسير الاستشاري في أبوظبي، ثم أعيدت المسابقة عام 1987، وفازت بها شركة المكتب العربي البلجيكي، لتبدأ أعمال البناء في 1998 تحت إشراف دائرة الشؤون البلدية.

أراد الشيخ زايد أن يصبح المسجد مرئيًا من زوايا مختلفة ومن مسافة بعيدة، فأمر ببنائه على ارتفاع 9 أمتار عن مستوى الشارع.

تنوع ثقافي

يدمج تصميم المسجد مدارس العمارة الإسلامية المختلفة، ويحتفي بالتنوع الثقافي، وشيده مهندسون بريطانيون وإيطاليون وإماراتيون استوحوا أفكارهم من تركيا والمغرب وباكستان ومصر وغيرها من البلاد الإسلامية.

ويعتبر المسجد سادس أكبر مسجد في العالم من حيث المساحة الكلية بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي، والمسجد الأعظم بالجزائر، والجامع الأموي في دمشق، ومسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، وأحد أكبر عشرة مساجد في العالم من حيث حجم المسجد.

عمارة تستلهم العصور المختلفة

يزدان المسجد بأربع مآذن يبلغ طول كلٍّ منها 106 أمتار، تتكون من أشكال هندسية مختلفة، يأت الجزء السفلي على هيئة المربع، ويمثل قاعدة المئذنة ليعكس الأسلوب المغربي والأندلسي والمملوكي للعمارة.

ويأخذ الجزء الثاني شكل ثماني الأضلاع، بتصميم من العصر المملوكي، والجزء الثالث على الشكل الأسطواني المعروف في العصر العثماني. بينما يتوج المئذنة من الأعلى مصباح مغطى بفسيفساء الزجاج المطلي بالذهب، ويعود إلى العصر الفاطمي.

قباب رخامية

قباب المسجد

يضم المسجد أكثر من 1000 عمود، و82 قبة يغطيها الرخام الأبيض، ويقع أكبرها في قاعة الصلاة الكبرى، ويأخذ “تاج القبة” شكل القلة المقلوبة، والجزء العلوي منها على شكل الهلال المطلي بالذهب والمزخرف بالفسيفساء.

وذكر موقع زوروا أبو ظبي أن أعمدة المسجد مزدانة بـ 1096 حجرًا من الجمشت واليشب، وثريات مرصعة بكريستال السواروفسكي ومطلية بالذهب وفناء يحتضن واحدة من أعظم الأعمال الفنية المصنوعة من الفسيفساء والرخام في العالم.

إضاءة تحاكي القمر

جامع الشيخ زايد الكبير

صممت الجدران الرخامية بنظام إضاءة فريد، تحاكي مراحل اكتمال القمر، بعد حلول الظلام تصبح الغيوم الرمادية المزرقة أكثر إشراقًا وأغمق وفقًا لكل مرحلة من مراحل القمر. فعند بداية الشهر الهجري عندما يكون القمر هلالاً تكون الإضاءة خافتة، وتصبح أكثر قوة وسطوع عندما يكون القمر بدرًا.

ويحيط الجامع أحواض مائية عاكسة تزيد جمال المكان، وفي النهار يشع اللوني الأبيض والذهبي من أشعة الشمس، وفقًا لأبوظبي للثقافة.

يضم أكبر سجادة يدوية في العالم

أكبر سجادة يدوية في العالم

بأصابع 1200 حرفي، نسجت أكبر سجادة يدوية في العالم مصنوعة من الصوف، التي صممها الفنان الدكتور علي خليقي، وتتضمن 25 لونًا يغلب عليها اللون الأخضر المفضل عند الشيخ زايد. وتبلغ مساحتها 5700 متر مربع، واستغرق تصنيعها نحو عامين منها 8 أشهر للتصميم و12 شهرًا لأعمال الغزل.

صممت أعمدة الأروقة الخارجية من الرخام الأبيض المطعم بالأحجار شبه الكريمة، ثبتها عمال مهرة استقدموا خصيصًا من الهند، إضافة إلى تاج الأعمدة، والمصمم على هيئة رأس نخلة من الألمنيوم المذهب.

فنانون عالميون

داخل المسجد كُتبت آيات من القرآن الكريم بثلاثة أنواع من الخط العربي، كتبها خطاطون من دولة الإمارات وسوريا والأردن، وأشرف عليها مجموعة من الفنانين من مختلف أنحاء العالم.

يحتوي الجامع على 80 لوح “إيزنك” وهي ألواح قرميد مزينة بالسراميك اشتهرت في القرن السادس عشر بعد استخدامها في المباني الدينية التابعة للإمبراطورية العثمانية.

أول صلاة في المسجد

أقيمت أول صلاة في المسجد في عيد الأضحى عام 1428 هجريًّا، 19 ديسمبر 2007، رغم عدم انتهاء أعمال البناء كاملًا، والتي انتهت في مارس 2008. وبلغ إجمالي التكلفة مليارين و167 مليون درهم إماراتي.

ولم يشأ القدر أن يرى الشيخ زايد تحفته المعمارية بعد انتهائها، إذ رحل عن عالمنا ودفن في الجهة الشمالية من الجامع في 3 نوفمبر 2004 قبل الانتهاء من أعمال البناء.