«جانتييه» تحت النيران.. العصابات تهدد استقرار هايتي

إسراء عبدالمطلب

بعد أسابيع من وصول قوة شرطة دولية لمواجهة العصابات، تعمل الجماعات المسلحة على إعادة توجيه حملات الترهيب وبث الذعر خارج العاصمة.


في أحد أيام أواخر يوليو الماضي، شنت إحدى أكبر العصابات المسلحة في هايتي هجومًا على بلدة “جانتييه”، شرق العاصمة.

وعندما وصلت تعزيزات الشرطة، وجدت الشوارع فارغة بعدما غادرت العصابة البلدة بعد تدمير مركز الشرطة المحلي وتعذيب وقتل العديد من السكان، بحسب رئيس البلدية والشرطة.

عصابات هايتي تستهدف بلدة جانتييه

بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، الأحد 11 أغسطس 2024، قال رئيس البلدية، جان فيلونور فيكتور: “تحولت بلدة جانتييه بأكملها إلى منطقة خالية، ولم يتبقى أحد”، وبعد أسابيع من وصول قوة أمنية دولية مدعومة من الأمم المتحدة إلى هايتي، لا تظهر العصابات التي اجتاحت العاصمة بورت أو برنس والمناطق الأخرى أي تراجع في نشاطها.

ويشير الخبراء إلى أن الجهود الدولية لتعزيز الشرطة الهايتية والحكومة الانتقالية حسنت الأوضاع في بعض أجزاء بورت أو برنس، ولكن العصابات أعادت توجيه هجماتها نحو الضواحي، حيث نهبت البلدات التي نجت من عمليات القتل والخطف والاغتصاب.

تحديات في مواجهة العصابات

يعد الهجوم على جانتييه، البلدة التي يبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة، وتقع على طريق سريع يربط العاصمة بالحدود مع جمهورية الدومينيكان، رمزًا لمشكلة الأمن المستمرة التي تواجهها حكومة هايتي في سعيها لإعادة بناء الدولة المدمرة بعد ثلاث سنوات من العنف والهجرة الجماعية والخراب الاقتصادي.

وقال الخبراء إن الموجة الأولى من ضباط الشرطة الكينيين الذين سيتم نشرهم كجزء من القوة المتعددة الجنسيات تفتقر إلى الأعداد والأسلحة اللازمة لتفكيك العصابات القوية.

وأسهمت المشكلة في تفاقم الوضع، حيث يتم التحقيق مع 3 أعضاء من المجلس الرئاسي الانتقالي، الذي تولى السلطة أواخر أبريل من وكالة حكومية لمكافحة الفساد بشأن توزيع الوظائف الحكومية على أعضاء تحالفها من المجموعات السياسية والاقتصادية.

هايتي تعاني

رغم نفي أعضاء المجلس ارتكاب أي مخالفات، قال أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في هايتي، نيكسون بومبا: “الفقر والأمن يسيران جنبًا إلى جنب وكلما تغيرت الأمور، تظل على حالها بالنسبة لمعظمنا”.

يعد تعيين رئيس وزراء جديد في مايو، وهو تكنوقراطي محترم، جاري كونيل، الذي لديه خبرة كمسؤول تنفيذي كبير في الأمم المتحدة، هو جزء من عملية الانتقال الصعب نحو الحكم الديمقراطي، حيث من المقرر إجراء انتخابات العام المقبل.

وتعيش هايتي حالة من الاضطراب منذ يوليو 2021 عندما تم اغتيال الرئيس الأخير، جوفينيل مويس، في غرفة نومه. وكان وصول 400 ضابط شرطة كيني هذا الصيف يهدف إلى تعزيز قوات الشرطة الهايتية التي تواجه هجومًا منسقًا من العصابات منذ أواخر فبراير.

الضواحي تعاني

بحسب بيان لقائد البعثة الكينية، جودفري أوتونجي، قال إن رجاله ساعدوا في تحقيق “عودة تدريجية إلى الوضع الطبيعي”، وزعم أنه ساعد في دوريات وتطهير الطريق إلى جانتييه، مشيرًا إلى وجود جهود “لتحرير” المدينة من سيطرة العصابات. ومع ذلك، قال فيكتور، عمدة المدينة، إن قوات الأمن غادرت سريعاً بعد وصولها، وعادت العصابة بسرعة.

وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر زعيم عصابة يرتدي قبعة شرطي بينما تحترق سيارة شرطة مهجورة في الخلفية. وأشار المحللون إلى أن الشرطة الهايتية ساعدت في تقليل العنف بشكل عام في الأشهر الأخيرة بين مارس ويونيو، إذ قُتل أو جُرح ما لا يقل عن 1379 شخصاً بسبب عنف العصابات في مختلف أنحاء البلاد، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 45% مقارنة بالأشهر الأربعة السابقة، وفقًا للأمم المتحدة.

تدهور الأوضاع في الضواحي

قال خبير الأمم المتحدة في حقوق الإنسان في هايتي، ويليام أونيل: “الوضع في وسط بورت أو برنس أكثر هدوءً”. وقال دييجو دا رين، الذي يراقب هايتي لصالح مجموعة الأزمات الدولية، إن الشرطة الهايتية تمكنت بفضل دعم الضباط الكينيين من دخول أجزاء من العاصمة كانت قد انسحبت منها.

ومع ذلك، تبقى أجزاء كبيرة من بورت أو برنس، بما في ذلك وسط المدينة، مناطق محظورة حيث يخشى السكان أن يخطوا خطواتهم وتغلق المتاجر أبوابها، وعندما ذهب كونيل وفريق من قناة تلفزيونية إخبارية وحراسة مشددة من الشرطة الشهر الماضي إلى المستشفى العام الرئيسي في بورت أو برنس، الذي أصبح مهجوراً بسبب عنف العصابات، تعرضوا لإطلاق نار واضطروا للفرار بسرعة.

قلة الموارد

قال أونيل: “تحتاج الحكومة إلى التحرك بسرعة لطمأنة الجمهور. الناس يريدون رؤية نتائج أسرع”، وكجزء من تحركات كونيل الأولى، أقال رئيس شرطة هايتي والعديد من القادة الكبار، ووعد باتخاذ إجراءات جريئة لاستعادة السيطرة على “جميع المناطق التي تسيطر عليها العصابات منزلاً تلو الآخر ومنطقة تلو الأخرى ومدينة تلو الأخرى”، ولكن العديد من الهايتيين ما زالوا غير مقتنعين.

ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي الهايتي البارز، كيسنر فاريل: “لقد تم إطلاق الكثير من الوعود، ولكن لا توجد أي مؤشرات إيجابية للتغيير حتى الآن. العاصمة ما زالت معزولة عن بقية البلاد بسبب العصابات التي تسيطر على الطرق وتستولي على الأراضي”.

واعترف كونيل في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بأن الشرطة في هايتي تعاني من “نقص في العدد” وأن الدعم الدولي يصل ببطء. وتقول الأمم المتحدة إن ما لا يقل عن 578 ألف شخص نزحوا بسبب العنف خلال العام الماضي، ويفتقر حوالي خمسة ملايين شخص، أي ما يقرب من نصف السكان، إلى الغذاء الكافي لتلبية احتياجاتهم اليومية.

انعدام الأمن

وفقًا لتقرير حديث صادر عن منظمة اليونيسف، فإن أكثر من ربع المدارس في منطقة العاصمة بورت أو برنس غير قادرة على العمل بسبب انعدام الأمن، ويظل الوضع الصحي في العاصمة متدهورًا أيضًا، حيث أغلقت معظم المستشفيات أبوابها بعد نهبها على يد العصابات.

وقال رئيس الشرطة الهايتية الجديد رامو نورميل في بيان إن العمليات الأخيرة أسفرت عن مقتل 104 من “قطاع الطرق”، وهي التسمية المستخدمة لأعضاء العصابات. ورغم الترحيب بالتعزيزات الكينية، فإن عددها لا يزال أقل بكثير من 2500 فرد كان من المتوقع أن يشكلوا القوة الدولية، وتعهدت ست دول أخرى على الأقل بتوفير المزيد من قوات الأمن.

تزايد الاضطرابات رغم الجهود الدولية

تعهدت الولايات المتحدة بالفعل بدفع 360 مليون دولار من إجمالي التكلفة السنوية المقدرة بنحو 600 مليون دولار لنشر القوة، ولكن تفويض الأمم المتحدة للمهمة ينتهي في أكتوبر، وسوف تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين الدعم الصيني والروسي لتمديده لعام آخر.

قال خبراء إن القوة الكينية مجهزة بمركبات مدرعة، لكنها تفتقر إلى الأصول الجوية والبحرية، مما يحد من قدرتها على الرد على هجمات العصابات. وأضافوا أن الضباط الـ400 الموجودين بالفعل في هايتي يحتاجون إلى تعزيزات كبيرة.

ربما يعجبك أيضا