جدل حول مَزارع الرياح.. هل تعرقل المجتمعات الريفية مسيرة أمريكا نحو الطاقة النظيفة؟

بسام عباس

الطريقة الوحيدة التي ستحقق أهداف الطاقة الطموح في الولايات المتحدة الأمريكية هي إقناع المجتمعات الريفية باحتضان مشاريع الطاقة النظيفة.


يضع صانعو السياسة أهدافًا كثيرة لتعزيز شبكة الطاقة الأمريكية، إلا أن مستقبلها تحدده قاعات البلديات ومحاكم المقاطعات في أنحاء البلاد.

وفي مواجهتها ظاهرة الاحتباس الحراري، تضخ الحكومة الأمريكية نحو 370 مليار دولار لدعم الطاقة النظيفة، وتخطط العديد من الولايات لتعزيز طاقة الرياح، في حين يأمل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في أن تصبح الكهرباء نظيفة 100% بحلول 2035.

مشاريع الطاقة النظيفة

أوضحت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، الجمعة 30 ديسمبر 2022، أن تحليلًا أجراه المختبر الوطني للطاقة المتجددة، كشف أن الولايات المتحدة ستحتاج إلى إنشاء أكثر من 6 آلاف مشروع لإدارة الاقتصاد باستخدام الطاقة الشمسية أو الرياح أو غيرها من أنواع الطاقة النظيفة.

وأضافت أن شركة أبيكس للطاقة النظيفة اقترحت مشروعًا في مقاطعة بيات بولاية إلينوي، وأنها أمضت سنوات في التفاوض حول عقود الإيجار مع 151 مالكًا محليًّا للأراضي ومحاولة كسب المجتمع، وتدور الآن مناقشات لتنفيذ المشروع، الذي يبلغ ارتفاع توربيناته نحو 610 أقدام، ويمر عبر 34 ألف فدان.

زيادة المشاريع وزيادة المقاومة

من المتوقع أن يولد المشروع، الذي تبلغ كلفته 500 مليون دولار، 300 ميجاوات، ما يكفي لإمداد نحو 100 ألف منزل بالطاقة، وستساعد الكهرباء المتجددة النظيفة في تشغيل شبكة تتغذى حاليًّا بمزيج من الطاقة النووية والغاز الطبيعي والفحم وبعض توربينات الرياح الحالية، وفق الصحيفة الأمريكية.

وذكرت الصحيفة أنه مع وجود المزيد من مشاريع الطاقة المتجددة قيد الإنشاء في جميع أنحاء البلاد، تزداد المقاومة، لا سيما في المجتمعات الريفية في السهول الكبرى والغرب الأوسط، لافتةً إلى أن تحقيق أهداف الطاقة النظيفة تتيح المزيد من الفوائد للمستهلكين، إلا أن هذه المشاريع تواجه المزيد من التحديات.

حملات ومعلومات مضللة

ذكرت الصحيفة أن الشكوك حول المشروع أثارت قلق أعضاء المجتمع المحلي، مَن لم يقتنعوا بالمزايا الإجمالية للمشروع، في حين انطلقت حملة معلومات مضللة رقمية لتشويه الحقائق حول طاقة الرياح، مشيرة إلى أن أحد مواقع الإنترنت المرتبط بمجموعة معارضة المشروع مليء بالمغالطات حول الطاقة المتجددة.

وأضافت أن السكان المعارضين للمشروع شاركوا، على صفحات فيسبوك، قصصًا سلبية حول مزارع الرياح من أنها قبيحة المنظر، وتقتل الطيور، وأن الضوضاء منخفضة التردد، التي تنبعث منها يمكن أن تؤثر سلبًا في صحة الإنسان، وقالت: “يبدو أن بيئة المعلومات المضللة هذه تؤثر في عدد كبير من السكان”.

الاقتصاد له الأسبقية

أوضحت نيويورك تايمز أن بعض الدعم لمزارع الرياح في المنطقة، التي تريد شركة أبيكس وضع توربيناتها فيها، يرجع إلى الحالة الاقتصادية، وقالت شركة أبيكس إن مالكي الأراضي سيحصلون على 210 ملايين دولار من إيجار ممتلكاتهم على مدى عمر المشروع البالغ 30 عامًا.

وأضافت أن للمشروع فوائد اقتصادية أخرى، بما في ذلك 90 مليون دولار للضرائب المحلية، مشيرة إلى أن المشروع سيوفر 8 وظائف دائمة، وما يقرب من 600 شخص في أثناء البناء، وعلل مالكو الأراضي موافقتهم بأن الرفض لن ينقذ مزارعهم، خاصة مع تغير المناخ، وشح الأمطار، وشدة البرودة.

مخاطر بيئية

في المقابل، يؤمن آخرون بمشكلة تغير المناخ، واستثمر بعضهم في محاصيل الغطاء، التي تمتص الكربون وتحبسه بعيدًا في التربة، وغيرها من ممارسات الزراعة المتجددة، إلا أنهم يعارضون المشروع، فكلفة البذر الجوي لمحاصيل الغطاء ستزداد مع وجود توربينات الرياح القريبة، ما يصعب عليهم الزراعة المستدامة.

وأشارت الصحيفة إلى أن استخدام المعدات الثقيلة لتركيب التوربينات، يمكن أن يعطل أنماط الصرف في الأراضي الزراعية، ما سيعود بالضرر على مزارعهم، وأن المشروع سيؤدي أيضًا إلى تدمير البيئة الريفية الجميلة، ولا يريدون تشويه المكان بتوربينات دوارة وأضواء ساطعة.

تأليب المجتمعات

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الجدل في مقاطعة بيات كان مدنيًّا ومتحضرًا، فجلسات استماع مماثلة في أماكن أخرى تحولت إلى مشادات وصراخ. وفي بعض الحالات، فإن النشطاء المرتبطين بالمنظمات، التي تحمي المانحين، ألبوا المجتمعات ضد مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية المقترحة.

وأضافت أن المعارضة في مقاطعة مونرو لا تضم سكانًا محليين فقط، بل نشطاء مناهضون للرياح لهم علاقات بجماعات مدعومة من شركة كوتش للصناعات، التي تمتلك مصافي النفط ومصانع البتروكيماويات وآلاف الأميال من أنابيب النفط والغاز.

بين القبول والرفض

أفادت الصحيفة أن الجدل لا يزال محتدمًا، ويستشهد معارضو المشروع بالمزيد من الأدلة على أضراره على المنطقة، وناقشوا الآثار الصحية الضارة لتوربينات الرياح، في حين يطرح كلا الجانبين وجهات نظرهما، وينتهي الأمر بالبعض إلى رفض وجود مزارع الرياح الصناعية قرب منازلهم، في حين يطمع آخرون في الحصول على مزيد من المال.

ونقلت عن بعضهم قوله إن مزارع الرياح ستهدد جمال الحياة في الريف، وإن هذه الأرض كانت زراعية عاملة، ومن حقهم استخدامها في الإنتاج الزراعي وليس إنتاج الطاقة، ومن جانبه قال العضو المنتخب في مجلس إدارة مقاطعة بيات، مايكل بيم، إن أي قرار سنتخذه سيُغضب أحد الفريقين.

ربما يعجبك أيضا