جنوب السودان.. أزمة إنسانية تتفاقم ونزاع وشيك يهددان اتفاقية السلام

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

يواجه جنوب السودان مخاطر جمة قد تدفعه لخطر الانزلاق مُجددًا، وذلك بسبب بطء وتيرة الإصلاحات وتنفيذ اتفاقية السلام لعام 2018، ما جعل الأمم المتحدة تدعو لإبقاء الحظر المفروض على الأسلحة لاسيما في ضوء الاشتباكات وأعمال العنف المسلحة التي لأدت لفرار الآلاف، تزامنًا مع تفاقم الأزمة الإنسانية وانتشار خطر المجاعة ما قد يدفع بالبلاد إلى حافة الهاوية ويهدد اتفاقية السلام.

الأمم المتحدة تحذر

حذّر تقرير للأمم المتحدة صدر بالأمس، من أنّ جنوب السودان أصبح معرض لخطر الانزلاق مجددًا إلى “نزاع واسع النطاق” وذلك بسبب بطء وتيرة الإصلاحات وتنفيذ اتفاقية السلام لعام 2018، داعيًا إلى إبقاء الحظر المفروض على الأسلحة.

جاء في هذا التقرير السنوي لخبراء الأمم المتحدة المسؤولين عن تطبيق العقوبات وحظر الأسلحة المفروض على جنوب السودان منذ عام 2018، أنّه في ضوء الدعوات الأخيرة لاستقالة قادة البلاد “ينبغي التحرك في شكل عاجل لمنع العودة إلى نزاع واسع النطاق”.

ووفقًا للتقرير الُمرسل إلى مجلس الأمن الدولي، يطالب الخبراء بـ “ديناميكية جديدة من الشركاء الإقليميين والدوليين لمعالجة انعدام الأمن والانقسامات السياسية المتصاعدة في جنوب السودان”، كما يطالبون بالإبقاء على حظر الأسلحة الذي ينتهي في 31 مايو وبفرض عقوبات جديدة على من يعارضون تطبيق اتفاق السلام ويعرقلون إيصال المساعدات الإنسانية.

ويدعو الخبراء أيضًا إلى إجراء تقييم مستقل لكيفية إدارة الحكومة لمخزونات الأسلحة لديها، ولفتوا إلى إنه “منذ فبراير 2020، أدّى بطء الإصلاحات التي أدخلتها الحكومة والتطبيق الانتقائيّ لاتّفاقية تسوية النزاع في جنوب السودان التي أعيد إحياؤها، إلى إعاقة أي تعزيز لحماية المدنيين وأي احتمالات لتحقيق سلام طويل الأمد”.

يذكر أن الخلافات المستمرة منذ أكثر من عام ساهمت في تعميق الانقسامات السياسية والعسكرية والعرقية القائمة في البلاد، وأسفرت عن اعمال عنف متعددة بين الموقّعَين الرئيسيَّين على الاتّفاقيّة، الحركة الشعبيّة لتحرير السودان بزعامة الرئيس سلفا كير ميارديت، والحركة الشعبيّة لتحرير السودان المعارِضة بزعامة النائب الأول للرئيس رياك مشار تيني”.

الأزمة الإنسانية تتفاقم

بحسب التقرير الأممي، فإن عدد السكان الذين يحتاجون إلى مساعدة إنسانية في جنوب السودان في العام 2021 لم يسبق له مثيل، فهناك نحو  8.5 ملايين شخص لديهم احتياجات إنسانية، في حين وضعت الحكومة عقبات بيروقراطية أمام إيصال المساعدات الإنسانية، في الوقت الذي أدى فيه الصراع المستمر إلى إعاقة توزيعها بشكل آمن.

من جهته، طالب المجلس النرويجي للاجئين أطراف الصراع بدولة جنوب السودان بحل جميع المعضلات الأمنية التي تقود إلى التوترات لتجنيب البلاد خطر الانزلاق نحو المجاعة.

وأشار المجلس، في بيان له بالأمس، إلى أن قتل المدنيين عطل النشاط الزراعي بالبلاد، في وقت يعاني فيه 60% من السكان من انعدام حاد في الغذاء، فالصراع المتزايد أدى إلى تفاقم خطر المجاعة في المناطق الاستوائية بجنوب السودان، ما أدى إلى فرار آلالاف من الأسر والمزارعين من مناطقهم،.

وطالب المجلس النرويجي جميع الأطراف بالسماح للمنظمات العاملة في المجال الإنساني بالوصول للمدنيين المتضررين وعدم تقييد أنشطتها.

وأوضح المجلس النرويجي في بيانه بأن سائقي الشاحنات من الدول المجاورة لايستطيعون إيصال الإمدادات للمدنيين في عدد من المناطق التي تشهد توترات أمنية وأعمال عنف مسلح، قادت إلى فرار أكثر من 1500 شخص من منطقة نهر ياي الواقعة جنوبي العاصمة جوبا.

اتفاق السلام في خطر

كانت الأزمة والصراع المسلح على الحكم التي شهدتها دولة جنوب السودان في عام 2013، تسببت في فرار الملايين من المدنيين إلى دول الجوار في السودان، كينيا، أوغندا، إثيوبيا والكونغو الديمقراطية، بحثا عن ملاذ آمن، فيما لجأت أعداد كبيرة إلى مقار الحماية التابعة لبعثة الأمم المتحدة في العديد من المدن داخل البلاد.

وشهدت أجزاء واسعة من دولة جنوب السودان في الفترة الماضية خاصة مناطق أعالي النيل والاستوائية وقوع أعمال عنف مسلحة بين الحكومة وفصائل متمردة غير موقعة على اتفاق السلام المنشط، أبرزها حركة “جبهة الخلاص” بقيادة توماس سريلو ومجموعات منشقة عن نائب الرئيس الذي قاد المعارضة المسلحة سابقا ريك مشار.

وفي سبتمبر 2018، وقعت الحكومة والمعارضة المسلحة بدولة جنوب السودان، اتفاق سلام بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تم بموجبه تشكيل حكومة انتقالية ممثلة لجميع الأطراف الموقعة، فيما لم تستكمل بعد بقية هياكلها على مستوى الجهاز والتشريعي بالمركز والولايات.

ومع استمرار اعمال العنف والاشتباكات المسلحة، طالبت مجموعة الأزمات الدولية، المجتمع الدولي بالضغط على الحكومة والمعارضة المسلحة في جنوب السودان للجلوس على طاولة التفاوض ووقف أعمال العنف والقتال التي يشهدها إقليم الاستوائية، محذرة في الوقت نفسه من أن عدم استقرار الأوضاع في الاستوائية سيقود إلى انهيار عملية السلام برمتها.

يأتي ذلك، في وقت قدم فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، تقريره لمجلس الأمن اقترح فيه ثلاثة معايير رئيسية وأرفقها بـ 34 هدف محدد لتقييم الجدوى من ابقاء حظر الأسلحة إلى جنوب السودان المطبق منذ 2018، لافتًا إلى أن تطبيقها قد يسهم في تطبيق اتفاق السلام في جنوب السودان ووقف المعارك ووقف دائم لاطلاق النار، وهو ما أيدته منظمة العفو الدولية.

وقال الخبراء الأمميون ان “إعادة إمداد قوات الأمن الحكومية أو الجماعات المسلحة غير الحكومية بالأسلحة والذخائر من شأنها أن تشكل تهديدًا إضافيًا للمدنيين وتعرض السلام والأمن في جنوب السودان للخطر”.

ويشهد جنوب السودان منذ ست سنوات حربا أهلية أوقعت 380 ألف قتيل انتهت رسميا بتشكيل حكومة وحدة وطنية في فبراير 2020.

وعلى الرغم من اتفاق السلام، لا تزال النزاعات الطائفية الوحشية التي تندلع غالبا بسبب نهب الماشية مستمرة، حيث قُتل أكثر من ألف شخص في أعمال عنف بين المجتمعات والقبائل المتناحرة في الأشهر الستة الأخيرة من عام 2020.

تطورات تأتي في وقت تتصاعد فيه الأصوات المطالبة بضرورة حسم الانفلات الأمني، خشية تداعياته على تنفيذ بنود اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والمعارضة، خاصة في الجانب المتعلق ببند الترتيبات الأمنية.

ربما يعجبك أيضا