حدث في رمضان «21»| استشهاد الإمام علي بن أبي طالب

محمود سعيد

كان الإمام عليّ رضي الله عنه يعلم أنه سيموت قتلاً، فقد بشّره النبي -صلى الله عليه وسلّم- بالشهادة


علي بن أبي طالب هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، رابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وهو أول من أسلم من الصبيان.

لُقّب علي -رضي الله عنه- بأبي الحسن، وبأبي ترابٍ؛ وهي كُنيةٌ أطلقها عليه النبي حينما وجده راقداً في المسجد وقد أصاب جسده التراب، بعد أن سقط الرداء عنه، فأخذ النبي يمسح التراب عنه، وهو يردّد: “قُمْ أبَا تُرَابٍ، قُمْ أبَا تُرَابٍ”.

نسب علي بن أبي طالب ولقبه

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كِلاب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

تكفّل النبي -عليه الصلاة والسلام- بعلي بعد أن أصابت قريش في إحدى السنوات أزمةٌ شديدةٌ تضرّر الناس بسببها، وكان أبو طالب كثير الأولاد، فأتاه النبي مع العباس ليكفل كلٌّ منهما أحد أبنائه، فيُخفّفا عنه ضيقه؛ فكَفِلَ العباس جعفر، وكَفِلَ النبي عليًّا.

وتربى علي في بيت النبي وكان ملازمًا له أينما ذهب، فكان يذهب معه إلى غار حراء للتعبد والصلاة، كما يُذكر أنه كان قبل الإسلام حنفيًّا لم يسجد لصنم قط طيلة حياته، ولهذا يقول المسلمون “كرم الله وجهه” بعد ذكر اسمه، وفي رواية عن أنس بن مالك: “بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء”.

فقه علي

قال فيه عبد الله بن عبّاس -رضي الله عنهما-: “كنّا إذا أتانا الثَّبْت عن علي -رضي الله عنه- لم نَعْدل به”، وقال ابن شُبرُمة: “إذا ثبت لنا الحديث عن علي -رضي الله عنه- أخذناه وتركنا ما سواه”.

كان علي من أكثر الصحابة معرفةً بأمور القضاء، فقد ثبت عن أنس بن مالك أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: “أرحمُ أمَّتي بأمَّتي أبو بَكرٍ، وأشدُّهم في دينِ اللَّهُ عمرُ، وأصدقُهم حياءً عثمانُ، وأقضاهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ”.

صفاته

كان عليّ بن أبي طالب رجلاً رِبعةً في القامة، ذا لحيةٍ بيضاء عظيمة تصل إلى صدره، وكان عظيم الذراع؛ وكذلك كانت ساقه وهامَته، وشُبِّه وجهه بالبدر، وهو صغير العينَين، كثير شَعر الصدر والأكتاف، وعريض المنكبَين، أصلع الرأس إلّا من شَعر أبيض من خلفه.

وعُرِف بكرمه، وسخائه؛ فكان يرى أنّ قضاء حاجة الآخرين أحبّ إلى قلبه ممّا في الأرض من ذهبٍ وفضةٍ، وبلغت الأوقاف التي أوقفها 40 ألف دينار.

هجرة علي بن ابي طالب

نام عي في فراش النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم، حماية له من مخطط قريش لقتله، وذلك عند هجرته عليه السلام، وتعرُّضه للحبس والضرب من قِبلهم وكادوا يقتلونه.

ثم هاجر الإمام علي إلى المدينة بعد هجرة النبيّ الذي أمره أن يبقى في مكّة ليعيدَ إلى الناس أماناتهم التي كانت عنده ففعل. وخرج بعد ذلك مُتَتبِّعاً طريقَ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فوافاه عند بني عمرو بن عوف، ونزل في البيت الذي كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- نزل فيه.

وكان في طريقه للمدينة يستخفي في النهار، ويسير في الليل، وقد تسبّب له السير في تشقُّق قدمَيه، ووصل إلى المدينة في منتصف شهر ربيع الأوّل.

حياته في الإسلام

كان أحد كتّاب الوحي، وأحد سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم الذين حملوا رسائله ويدعون القبائل للإسلام، واستشاره النبي في الكثير من الأمور مثلما استشاره في ما يعرف بحادثة الإفك.

وشهد علي بيعة الرضوان وأمره النبي حينها بتدوين وثيقة صلح الحديبية وأشهده عليه، كذلك بعثه النبي إلى اليمن فأسلمت على يديه قبيلة همدان كلها، وتتابع بعدها أهل اليمن في الدخول إلى الإسلام، وولاه النبي قضاء اليمن لما عرف عنه من عدل وحكمة في القضاء، فنصحه ودعا له، ثم أرسله إلى هناك سنة 8 هجريًّا ومكث بها عام واحد.

غزوات علي بن أبي طالب

شارك علي بن ابي طالب في الغزوات جميعها، ولم يتخلّف إلّا عن غزوة تبوك، حين استخلفه النبيّ عليه الصلاة والسلام على المدينة المُنوَّرة. وهو من حَمَلَ لواء المسلمين في غزوة أحد بعد استشهاد مُصعب بن عُمير -رضي الله عنه-

ودافع علي عن الرسول وثبت معه في نهاية الغزوة، فأُصِيب بـ16 ضربةً، وكلّفه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بعد انتهاء المعركة بتحسُّس خبر قريش، فخرج مُتتبِّعاً أثرهم، وعَلِم أنّهم مُتَّجهون صَوب مكّة. وفي غزوة الخندق بارز عمرو بن عبد ودّ العامري، وكان أحد أشهر الفرسان، فتمكّن عليّ من قتله.

خلافة علي وإنجازاته الحضارية والإدارية

بُويِع لعليّ بالخلافة في أوائل السنة 35 للهجرة، بعد استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه، فبايعه المسلمون مهاجرون وأنصار لفضله ومكانته. وحرص في خلافته على بناء المساجد، والحصون، وكلّ ما يحتاجه المسلمون من أدوات لعَيش كريم يُعينهم على بناء الإنسان، والأوطان، ونشر الإسلام وتعاليمه في منطقتهم.

وكان يهتم بالطرقات وبممرات المياه، وحرص على قضاء حوائج المسلمين: حريصاً كلّ الحرص على رعيّته، وقد أخبر بمَنهجه عامّة الناس حين قال: (إنَّ الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقيرٌ إلَّا بتخمة غني).

وعمل عليّ على تنظيم الشرطة وساهم في إنشاء مراكز متخصصة لخدمة العامة كدار المظالم، ومربد الضوال وبناء السجون، وكان يدير حكمه انطلاقًا من دار الإمارة. وازدهرت الكوفة في عهده وبنيت بها مدارس الفقه والنحو، وأمر علي بن أبي طالب أبا الأسود الدؤلي بتشكيل حروف القرآن لأول مرة.

استشهاد الإمام علي

كان الإمام عليّ رضي الله عنه يعلم أنه سيموت قتلاً، فقد بشّره النبي -صلى الله عليه وسلّم- بالشهادة فقال:”أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَشْقَى الناسِ رَجلينِ؟ أُحَيْمِرُ ثمودَ الذي عقَرَ الناقَةَ، والذي يضْرِبُكَ يا عَلِيُّ عَلَى هذِه، حتى يَبُلَّ مِنْهَا هذِه”، يعني لِحيتَه.

واستُشهِد على يد ابن ملجم، الذي جلس يراقب موضع خروج الإمام عليّ فلمّا خرج يوقظ الناس للصلاة ويقول: “الصلاة الصلاة”، ضربه ابن ملجم بالسيف إلى جانب رأسه، فسال دمه الشريف على لحيته، فوصى أهله وسائر المسلمين، ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض، في شهر رمضان سنة 40 هجريًّا.

واختلف العلماء في مكان دفنه فقال ابن تيمية وابن سعد وابن خلكان إنه دُفِن في الكوفة وتحديداً بقصر الإمارة، وقال عبدالله العجلي إنه دُفن بالكوفة بمكانٍ غير معلوم، أما الحافظ أبو نعيم فقال إنه دُفن بالكوفة، ثم نُقل إلى المدينة المنوّرة بواسطة ابنه الحسن.

ربما يعجبك أيضا