حدث في رمضان «18»| وفاة سيف الله المسلول «خالد بن الوليد»

محمود سعيد

تستمر “شبكة رؤية الإخبارية” في عرضها لسلسة “حدث في رمضان” التي تتناول أهم الأحداث التي جرت عبر التاريخ في شهر رمضان، واليوم نتناول شخصية الصحابي الجليل خالد بن الوليد.

وخالد الذي لقبه النبي، صلى الله عليه وسلم، بسيف الله المسلول هو صاحب الفتوح العظيمة، والمواقف الكبيرة في المعارك الفاصلة، وهو الشخصية التي بلغ من عبقريتها الحربية أن تدرَّس خططها التكتيكية في المعارك في الكليات العسكرية، كأحد أعظم المخططين الاستراتيجيين عبر التاريخ.

حياة خالد بن الوليد قبل الإسلام

ولد أبو سليمان، خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي، قبل هجرة النبي بـ25 سنة، يلتقي نسبه مع الرسول في جدّه السادس، مُرة بن كعب. وتميّز بصفات جسدية قويّة، فقد كان طويلًا يفوق المترين، عريض المنكبين، واسع الصدر، قوي العضلات، شديد الشّبه بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب. والده هو سيد بني مخزوم وهو أحد الرجلين اللذين نزل فيهما قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنَ ٱلۡقَرۡيَتَيۡنِ عَظِيمٍ}.

فقد كان والده الوليد بن المغيرة عظيم قريش، كما كان عروة بن مسعود الثقفي، عظيم ثقيف. ولم يشارك خالد بن الوليد في غزوة بدر ضد المسلمين، وشارك في غزوة أحد وقاد الفرسان، وبعدما لاحظ نزول رماة الجيش الإسلامي عن الجبل لجمع الغنائم، التف عليهم وهاجم المسلمين من الخلف، فتحول مسار المعركة لصالح المشركين، وشارك في غزوة الأحزاب.

إسلام خالد بن الوليد

اعتنق الإسلام بعد صلح الحديبية وعمرة القضاء، ولما انتهى النبي، صلى الله عليه وسلم، من العمرة، استدعى شقيق خالد، الوليد بن الوليد وسأله عن أخيه: “ما مثل خالد يجهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين كان خيرًا له، ولقدّمناه على غيره”.

وخرج الوليد وأرسل لأخيه: “أما بعد فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، ومثل الإسلام جهله أحد؟! فاستدرك يا أخي ما قد فاتك، فقد فاتك مواطن صالحة”. وصلت الرسالة إلى خالد، ففرح لتلقيه رسالة من أخيه، ثم قرأ الكتاب وتعجب مما فيه وبدأ يفكر وأعجبته مقالة الرسول، واستقر أمره على الإسلام، وفي الطريق التقى عمرو بن العاص وأسلما معًا وحسن إسلامهما.

حُنين وتبوك

بعد فتح مكة، شارك ابن الوليد في غزوة حنين ضد بني ثقيف من الطائف، وكانت أول معركة يُصاب فيها خالد بن الوليد، وحدثت معجزة بعد أَن تَفل الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومسح على جروحه، حتى برئت ليعود بعدها إلى القتال، وانتصر المسلمون فيها. وشارك في غزوة تبوك تحت قيادة الرسول، صلى الله عليه وسلم.

وقد أرسله النبي محمد في قوات إلى دومة الجندل، فدخلها وأسر صاحبها أكيدر بن عبد الملك، الذي صالحه الرسول على الجزية، وهدم صنمهم “وُدّ”. وفي عام 10 هـ بعثه رسول الله في سرية من 400 مقاتل إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، فلبّى بنو الحارث بن كعب النداء وأسلموا، فأقام خالد فيهم يعلمهم الإسلام ثم قدموا المدينة.

عبقريته العسكرية

ظهرت عبقرية خالد العسكرية سريعًا في معركة مؤتة ضد الرومان، بعد استشهاد قادة الجيش الإسلامي الـ3 وظهرت جلية في حروب الرِّدة، وفتح العراق والشام. وخاض أكثر من 100 معركة أمام الجيوش الرومية والفارسية وحلفائهم من العرب الغساسنة والمناذرة، وأشهر انتصاراته الحاسمة معارك اليمامة ضد جيوش مسيلمة الكذاب، واليرموك ضد الجيش الرومي ومن شايعهم من الغساسنة.

وهزم خالد الجيوش الفارسية في معارك ذات السلاسل وأُلّيس والمذار والولجة وفتح الحيرة، وانتصر في معركة عين التمر وفي غيرها من المعارك، ثم أرسله الصديق أبو بكر لدعم الجيوش المسلمة في الشام، فعبر من العراق إلى الشام عبر البادية الشامية في رحلة خطرة. وكانت آخر معركة لخالد بن الوليد، معركة فتح مرعش، جنوب تركيا حاليًّا، وكانت في 17هـ، وقد استسلمت المدينة دون أي قتال.

خالد وعمر

في أوج انتصاراته العسكرية عزله الخليفة عمر بن الخطاب من قيادة الجيوش، لأنه خشي أن يفتَتِن الناس به، وقال الفاروق عمر: “إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فُتنوا به، فخِفت أن يوكلوا إليه ويُبتلوا به، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة”.

وبعد عزل خالد عن ولاية قنسرين عاش بعدها في حمص 4 سنوات في العبادة، ورعاية الأرامل واليتامى، والفقراء والمساكين، ويقوم الليل، ومن مقولاته: “الحمد لله الذي قضى على أبو بكر بالموت، وكان أحبَّ إلي من عمر، والحمد لله الذي ولَّى عمر الخلافة، ثم ألزمني حُبّه”.

وفاة سيف الله المسلول

بعد عزل خالد بن الوليد انتشر طاعون عمواس في بلاد الشام، وأصيب به خالد، رضي الله عنه، في أثناء إقامته بحمص، ومرض وهو في الـ58 من عمره، وساءت أحواله كثيرًا، وقال جملته الشهيرة: “ليس في جسدي موضع إلا وبه طعنة سيف أو رمية سهم وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء”، وتوفي خالد في السنة 21هـ.

وقال الفاروق عمر، رضي الله عنه: رحم الله الصديق أبا بكر، فلقد كان أعلم بالرجال مني، وعلى مثل أبي سليمان تبكي البواكي، قد ثَلَمَ في الإِسلام ثلمةً لا ترتق”. رحم الله خالد بن الوليد جزاء ما قدم للإسلام والمسلمين، ولقاء ما ذاد عن دين الله وجاهد في سبيله حتى علت كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.

 

 

 

ربما يعجبك أيضا