حدث في رمضان «23»| فتح الجيش الإسلامي لبلاد فارس

محمود سعيد

بعد انتهاء حروب الردة، وجه الصديق بعض الجيوش الإسلاميَّة الموجودة في الشرق إلى فتح بلاد فارس.


تستمر “شبكة رؤية الإخبارية” في عرضها سلسة “حدث في رمضان” التي تتناول أهم الأحداث التي جرت عبر التاريخ، في شهر رمضان، واليوم نتناول فتح الجيوش الإسلامية لبلاد فارس.

وفي اليوم الـ23 من شهر رمضان للعام 31هـ الموافق 652م، وفي عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، انتصر المسلمون على الساسانيين بعد مقتل قائدهم يزد جرد بن شهريار، آخر ملوك الفرس، وانتهت بذلك دولة الفرس.

بدء فتح فارس والعراق

أعلن كسرى العداء للمسلمين، منذ عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومزَّق رسالته، صلوات الله وسلامه عليه، حين وصلت إليه، وطلب من عامل الفرس على اليمن أن يرسل من يأتيه بالرسول، من المدينة المنورة، فدعا النبي الله أن يمزق ملكه وبالفعل توفي كسرى الفرس وأسلم حاكم اليمن الفارسي، وحدثت نزاعات بين الأمراء وقادة الجيوش الفارسية.

وبعدها دعم الخليفة أبو بكر الصديق تقدُّم المثنى بن حارثة وقيادات بني شيبان في مناوشاتهم ضد الجيش الفارسي، وهي قبائل ذات منعةٍ وقوَّة، وقد ثبتت على الإسلام. وبعد انتهاء حروب الردة، وجّه الصديق بعض الجيوش الإسلامية الموجودة في الشرق لفتح فارس، وبدأت القوات في التوجه إلى العراق من جهتين بقيادة خالد بن الوليد وعياض بن غنم ففتحت الحيرة ومناطق واسعة في العراق.

الفتح وخلافة الفاروق

بعد انتقال خالد بن الوليد بأمر الصديق إلى الجبهة الشامية حدثت تراجعات للمسلمين في العراق، وكان منها موقعة الجسر، لذا بدأت الموجة الثانية من الفتوحات في العراق في عصر الخليفة عمر بن الخطاب، تحت قيادة سعد بن أبى وقاص سنة 14هـ/ 636 م، فكان النصر الحاسم بمعركة القادسية وفتحت المدائن.

ووقعت بعدها صدامات بين الجيش الإسلامي والفرس بعدما حاول الفرس استعادة ما خسروه في العراق، ودعموا أعمال تمرد في المسلمين. استشار عمر بن الخطاب كبار الصحابة عن سبب ذلك فأجابوه: “لا يمكن أن تخمد هذه الفتنة ما لم يخرج يزدجرد من حدود إيران، ولا يمكن أن تنقطع آمال الإيرانيين طالما تراودهم هذه الفكرة، وهي أن وارث عرش كنعان موجود على قيد الحياة”.

فتح الأهواز ورامهرمز

تحركت جيوش المسلمين مجددًا وعقد الفاروق عمر، العزم على هزيمة الجيوش الفارسية التي تجمعت في مكانين، نهاوند وتولى يزدجرد أمر حشد الجيوش فيها، والأهواز ويتولى الهرمزان الذي كان قد فر من القادسية، أمرَ الفرس فيها. ونتيجة قرب الأهواز من البصرة، بدأت تحرشات الفرس بالمسلمين هناك، فتقدم أبو موسى الأشعري إلى مدينة الأهواز ففتحها بعد أن كانت قد فتحت مناذر ونهر تيري.

وفر الهرمزان من الأهواز إلى رامهرمز، وبدأت الحشود تتجمع من فارس حوله، بعد تحريض وحث من يزدجرد، فطلب الفاروق عمر، رضي الله عنه، من سعد بن أبي وقاص، أن يوجه النعمان بن مقرن من الكوفة إلى رامهرمز ففتحها سريعًا. وبهذا دانت المدن الفارسية لحكم المسلمين مدينة تلو أخرى.

فتح تستر وإسلام الهرمزان

فر الهرمزان إلى تستر، ولحقه الجيش الإسلامي فحاصر تستر، ولكثرة جيوش الهرمزان وحصون تستر لم يتمكن المسلمون من فتحها إلا بعد وصول أمداد كثيرة من البصرة بقيادة أبي موسى الأشعري، ومن الكوفة بقيادة عمار بن ياسر وإليها، ودار قتال عنيف خارج تستر التي كانت عاصمة خوزستان وأكثر مدنها منعة.

واضطر الفرس إلى الاعتصام بحصونها، وقد دل رجل من أهل تستر المسلمين على مدخل مائي إلى المدينة، فدخل منه مئتان وأربعون مقاتلًا في الليل وفتحوا أبواب المدينة، ودخلها المسلمون، فاعتصم الهرمزان بقلعته ثم أسلم على أن يحكم فيه عمر، رضي الله عنه، وكفت المدينة عن المقاومة، وأُرسل الهرمزان إلى عمر في المدينة، فأعلن إسلامه أمامه.

فتح السوس وجندي سابور ونهاوند

فتح المسلمون بعدها السوس، وبذلك خضع إقليم فارس للمسلمين، وأما يزدجرد فقد استمر يحشد الجيوش في نهاوند من مختلف المقاطعات بقيادة الفيرزان حتى قيل إن جيشه بلغ 150 ألف مقاتل. وكانت نهاوند حصينة، وكان الفرس يخرجون منها فيقاتلون ثم يحتمون بحصونها.

ولم يتمكن منهم المسلمون حتى استدرجوهم بعيدًا عنها، ثم قاتلوهم وهزموهم وقتل الفيرزان واستشهد النعمان بن مقرن الذي أخبره النبي قبلها بسنوات، أنه مستجاب الدعوة فدعا بالنصر وأن يستشهد، وفتح المسلمون نهاوند في شهر محرم عام 21هـ/ ديسمبر عام 641م. وفي أعقابها صالحت همذان ثم الدينور ثم السيروان ثم الصيمرة ثم ماه.

استراتيجية الفاروق بعد نهاوند

استراتيجية عمر بعد نهاوند كانت الانتشار السريع في إيران، لكي لا يجتمع للفرس مرة أخرى، فعقد بنفسه سبعة ألوية، فجعل لواء خراسان إلى الأحنف بن قيس، ولواء أردشير وسابور إلى مجاشع بن مسعود السلمي. ولواء اصطخر إلى عثمان بن أبي العاص الثقفي، ولواء درابجرد إلى سارية بن زنيم الكناني، ولواء كرمان إلى سهيل بن عدي، ولواء سجستان إلى عاصم بن عمرو، ولواء مكران إلى الحكم بن عمرو التغلبي.

وفتحت أصبهان، وانتفضت همذان فأعاد فتحها صلحًا نعيم بن مقرن، واجتمعت جيوش المقاطعات الشمالية من الديلم وأهل الري وأذربيجان بقيادة إسفنديار الرازي، شقيق رستم، قائد القادسية، فهزمهم نعيم بن مقرن في واج روذ. وكان النصر حليف المسلمين، حتى وإن تأخر قليلًا.

فتح الري وقمس وجرجان وطبرستان وأذربيجان

فتحت الري عاصمة معابد النار والري، عام 22 هـ/ 643 م، حاسمًا، لذلك أسرعت حاميات المدن، والأقاليم المجاورة في الدخول في ذمة المسلمين لقاء الأمان وتأدية الجزية، فلما سار سويد بن مقرن إلى قومس، بأمر عمر، لم يتصد له أحد، ودخلها سلمًا بلا حرب، ولا مقاومة.

وبفتح الري وقومس ودنباوند، لم يبق بين المسلمين وشواطئ بحر قزوين من أرض فارس غير جرجان وطبرستان وخراسان، فسارعت سكانه إلى هذا البقاع لطلب الصلح والأمان، ولكن جيش أذربيجان الموالي للفرس حارب جيش حذيفة بن اليمان، ثم أيقن أنه لا فائدة من حرب المسلمين فطلب الصلح.

يزدجرد

بعد سقوط هراة ونيسابور ومرو استمر الأحنف بن قيس بفرقة لفتح نيسابور، وهرب يزدجرد، وطلب مساعدة خاقان الترك، وملك الصغد، قصبتها سمرقند، وملك الصين، لكن يزدجرد قتل بعدما غدر به حاكم مرو، ماهويه، لخلافات بينهم، رغم أنه قال: “لا تقتلوني واحملوني إلى ملك العرب لأصالحه عنى وعنكم، فأبوا ذلك وخنقوه بوتر ثم أخذوا ثيابه فجعلت في جراب وألقوا جثته في الماء”.

وبهذا اكتمل فتح بلاد فارس في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وتحققت بشارة النبي الخاتم، محمد صلى الله عليه وسلم، وأنجز الله له وعده، وحدثت بعض الانتفاضات من جراء الفتوحات المتتالية، لكن الخليفة الراشد عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أخمدها واستتب الأمر في عهده مرة ثانية.

 

ربما يعجبك أيضا