حرب «الكارتلات» مشتعلة في المكسيك.. مَن أطرافها وما التداعيات؟

آية سيد

تخوض كارتلات المخدرات في المكسيك حربًا في ما بينها للسيطرة على الأراضي الغنية بالموارد الطبيعية، ما يؤدي إلى نزوح آلاف المكسيكيين.


في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم، إلى الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، تدور حرب أخرى من نوع آخر في المكسيك.

وتشهد المكسيك صراعًا دائرًا بين عصابات المخدرات والشرطة، وبين العصابات، بعضها مع بعض. وفي هذا السياق، أوردت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا، في 11 إبريل 2022، يسلط الضوء على كيفية تصارع الجماعات الإجرامية على السيطرة على الأراضي المكسيكية.

حرب غير عادية في المكسيك

لفت التقرير إلى أن المكسيك تواجه حربًا غير عادية. ففي منطقة تييرا كالينتى بولاية ميتشواكان، تتخلل المنازل ثقوب الرصاص. وتمتلئ الأسقف بفتحات ناتجة عن القنابل التي تطلقها الطائرات المسيرة. وزرع كارتل “خاليسكو” ألغامًا أرضية. وبحسب وصف المسؤولين الأمنيين، يدور الصراع بين كارتل خاليسكو وكارتل منافس للسيطرة على المنطقة، التي تُعد مركزًا لإنتاج الماريجوانا والميثافيتامين.

ولكن روايات الأشخاص النازحين تشدد على أن هذه الحرب لا تقتصر على المخدرات، فتطال الأخشاب والمعادن ومزارع الفاكهة. وفي كثير من الحالات، تمتلك الجماعات المسلحة علاقات بالحكومات المحلية، والمجموعات التجارية والشرطة. وذكر التقرير أنه، رغم أن المكسيك استبدلت بنظامها الاستبدادي آخر ديمقراطيًّا، فإنها فشلت في بناء نظام عدالة يستطيع محاكمة الجريمة بفعالية.

ازدهار تجارة المخدرات

وفقًا للتقرير، فقد ازدهرت زراعة الماريجوانا في أراضي ميتشواكان الخصبة منذ سنوات. لكن التجارة غير المشروعة بدأت في التغير في التسعينات، عندما ضعفت قبضة نظام الحزب الواحد في المكسيك. وأصبح تجار المخدرات أكثر تنظيمًا وأفضل تسليحًا. ثم تشعبوا إلى الكوكايين والميثافيتامين. وبدؤوا في ابتزاز الأموال من المكسيكيين العاديين.

وأشار التقرير أيضًا إلى أن الأوضاع ساءت إلى درجة أن المزارعين في قرية تيهوانتيبيك أُجبروا على دفع “ضريبة” كلما باعوا بقرة أو جوالًا من الذرة. وبداية من عام 2013، كوّن الآلاف من سكان ميتشواكان ميليشيات مدنية، وطردوا كارتل “نايتس تيمبلار”. وقد أدى هذا إلى هدوء الأوضاع فترة من الزمن.

كارتل خاليسكو

بعد ذلك، جاء نيميسيو أوسيجويرا سرفانتس، المعروف بـ”إل مينشو”. إنه زعيم كارتل “خاليسكو نيو جينيرايشن”، الذي هرّب أطنانًا من الهيروين والميثافيتامين والفينتانيل إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وذكر التقرير أن الحكومة الأمريكية تصفه بأنه “واحد من أخطر خمسة تنظيمات إجرامية عابرة للحدود في العالم”.

ومثل نايتس تيمبلار، جنّد كارتل خاليسكو الرجال المحليين. والآن أصبحت قرى كاملة منغمسة في القتال. وقال محلل شؤون المكسيك في مجموعة الأزمات الدولية، فالكو إرنست: “أصبحت أهداف العنف أوسع نطاقًا”. وتابع موضحًا أنه عندما تدخل جماعة إلى بلدة ما، فإنها لا تطرد الأعداء المسلحين فقط، بل تنفذ أيضًا “تطهيرًا اجتماعيًّا” لأقاربهم ومؤيديهم المدنيين.

ارتفاع أعداد النازحين

وفقًا لتقرير في صحيفة ذا هيل الأمريكية، في 5 أكتوبر 2022، فقد وصل عدد النازحين داخليًّا في المكسيك إلى 375 ألف شخص حتى ديسمبر 2020. وكان عددهم 8 آلاف فقط في 2009. والغالبية العظمى من الأشخاص النازحين داخليًّا في المكسيك جرى إجبارهم على ترك منازلهم، بسبب الصراع والعنف الناشئين من جماعات الجريمة المنظمة التي تتقاتل من أجل السيطرة على الأراضي المدرة للربح.

وأفاد التقرير أن ولاية جيريرو، الغنية بالموارد الطبيعية، تمتلك أكبر عدد من النازحين داخليًّا في المكسيك، وتشير إليها مجموعة الأزمات الدولية بـ”بؤرة الجريمة المنظمة” في الدولة. ووفقًا لتقرير واشنطن بوست، فقد هرب ما يصل إلى 20 ألف شخص من العنف على مدار العام الماضي، في ولاية ميتشواكان. وترك الآلاف منازلهم في ولايات أخرى، مثل زاكاتيكاس وجيريرو.

محاولات لطلب اللجوء

وفقًا لما جاء في تقرير واشنطن بوست، فقد لاحظ النشطاء المعنيون بالهجرة ارتفاعًا في عدد المكسيكيين الذين يصلون إلى الحدود الأمريكية. وقال بيدرو دي فيلاسكو من مبادرة “كينو” للحدود: “إنهم يُجبرون على المغادرة، أو يُجبرون على دفع حصة شهرية للتنظيمات الإجرامية. وعندما لا يستطيعون الدفع يضطرون إلى ترك كل شيء وراءهم والرحيل”.

وقالت مديرة سياسة أمريكا الوسطى والمكسيك بجامعة تكساس في أوستن، ستيفاني لوتيرت: “من الواضح جدًّا وجود عدد كبير من طالبي اللجوء الذين ينتظرون في المكسيك” للحصول على فرصة الدخول إلى نظام الهجرة الأمريكي. وذلك بدافع الخوف على أنفسهم وأبنائهم من تلك العصابات الخطيرة.

القائد “تيتو”

بحسب التقرير، فقد أدى انتشار الفوضى والعنف إلى تأليف ما يُعرف بقوات “الدفاع عن النفس”. يقود هذه القوة، التي تكونت عام 2014، هيكتور زبيدا المعروف بـ”القائد تيتو”. وتضم هذه القوة 120 رجلًا يرتدون دروعًا عسكرية ومجهزين ببنادق هجومية. وقال تيتو: “أنا لا أريد حقًّا حمل السلاح، ولا أي من رفاقي يريد ذلك. لكن يجب علينا أن نقاتل كل يوم، حتى ننجو”.

ويرى الكثير من النازحين المكسيكيين أن القائد تيتو بطل، ذلك أنه وفر لهم منازل تحميهم وأسرهم من التشرد، ومنحهم وظائف في قوته. ولكنه يواجه اتهامات بالعمل مع “كارتليس يونيدوس”، وهو تنظيم إجرامي يضم مجموعة من الكارتلات في ميتشواكان. لكن تيتو ينفي التهمة.

ماذا فعلت حكومة المكسيك لحل مشكلة النازحين؟

أشار التقرير إلى أن مجلس النواب المكسيكي، الذي يهيمن عليه حزب الرئيس، لوبيز أوبرادور، وافق في 2020 على مشروع قانون لتسجيل الأشخاص النازحين ومساعدتهم. وهذا القانون معروض الآن أمام مجلس الشيوخ. ولكن رغم كل وعود الإدارة، فإنه ليس من الواضح ما إذا كانت سياساتها الأمنية ستقلل عمليات الطرد.

ومنذ يناير الماضي، دفعت السلطات بأكثر من 3 آلاف جندي من قوات الجيش والحرس الوطني إلى ميتشواكان لـ”تحرير” البلدات الخاضعة لسيطرة جماعات الجريمة المنظمة. لكن التقرير لفت إلى أن الحكومة المكسيكية أطلقت عمليات عسكرية في ميتشواكان من قبل، غير أن العنف يظهر مجددًا بعد انسحاب القوات. وتفتقر الشرطة إلى التدريب الجيد، ويعاني نظام العدالة نقص التمويل، والتسييس والفساد.

 

ربما يعجبك أيضا