حريات زائفة.. الصحافة في أمريكا الديمقراطية

مها عطاف

رؤية – مها عطاف

“عندما لا تكون الحقيقة حرة لا تكون الحرية حقيقة”.. هذا ما تفعله بلد الديمقراطية الأولى والتي تصدر لنا دائمًا تلك الصورة، فقد يراودك الاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية مكان آمن، أرض الأحلام والحريات، ونموذج الدولة التي تحترم حقوق الإنسان، ولكن كل ذلك ما هو سوى صورة مزيفة تصدرها لنا أمريكا، فمثلًا تعتبر الولايات المتحدة الدولة الأولى في العالم من حيث التجسس ومراقبة وتتبع مواطنيها والأجانب، وكذلك التمييز العنصري ضد السود، وأيضًا الاعتداءات على الصحفيين.

يوافق اليوم يوم مهنة الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي قد تتفاجأ لسماعه، أن أمريكا تحتل المركز الـ43 من 180 دولة بخصوص حرية الصحافة لعام 2017 ، وذلك استنادًا على مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود، والتي تراقب حرية الصحافة في العالم، ويصنف الدول بحسب قدرتها على حماية الصحفيين والسماح لهم بتأدية وظيفتهم.

وبالتالي قد تتساءل لماذا لا تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية أعلى القائمة، كما هو معروف عنها كبلد للحريات والديمقراطية!، وذلك يرجع لقرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منع بعض الصحفيين من دخول البيت الأبيض، وكذلك إلقاء القبض على بعض الصحفيين أثناء تغطيتهم للاحتجاجات، ولم يتوقف الأمر عند ترامب فقط، ولكن كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مارست هي الأخرى ضغوطا على الصحفيين لكشف مصادر التسريبات الحكومة أو المعلومات التي لا يفترض أن تنشر على الملأ.

وفي 2013، حصل محامون تابعون لإدارة أوباما على سجلات هاتفية لصحفيين تابعين لوكالة أسوشيتد برس، وكذلك اتسم رد الحكومة بالبطء وأحيانا الرفض تجاه طلبات صحفية بالكشف عن معلومات.

وفي يناير 2012 وجهت  صحيفة واشنطن بوست الأمريكية  ضربة قاضية تسئ إلى سمعة الولايات المتحدة التى تعتبر نفسها نموذجا  للتعبير عن الحريات وتدعي احترامها لحقوق الإنسان‏، مستدلة فى تقريرها  بأن لديها 10 أدلة علي أنها لم تطبق شيئا من الحقوق التى تنتقدها فى كل دول العالم.

وأشارت الصحيفة إلى قائمة طويلة من القوانين والممارسات الموجودة داخل الولايات المتحدة منذ أحداث11 من سبتمبر2001 التي غيرت شكل السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية والتي جعلت منها دولة لا تحترم حقوق الإنسان ولا تتمتع بالحرية كما يتوهم الأمريكيون.

وفي كتاب صدر بعنوان أسطورة حرية الصحافة الذي كتب مقدمته الكاتب والروائي الأميركي الشهير جورفيدال، يستعرض عدد من ألمع وأبرز الصحفيين الأمريكيين تجاربهم خلف الكواليس في الصحف وشبكات التليفزيون، وعلي مر سنوات طويلة من العمل الصحفى، وكلها تجارب قادرة علي إثارة الدهشة التي قد تصل إلي حد الصدمة، تكشف بجلاء عن السياق الذي تحركت الميديا الأمريكية من خلاله في تغطية الأحداث التي وقعت في أعقاب 11 سبتمبر.

 فكانت الأكاذيب وأنصاف الحقائق هي السائدة في هذا الوقت، فكانت توظف في خدمة السياسة التي رسمها المسئولون في البيت الأبيض، أمة خيرة، ديمقراطية، مُحبة للسلام، تتعرض لهجوم مجموعة من الإرهابيين، الذين يكرهون أمريكا لما تتمتع به من حرية ورخاء. وإزاء ذلك فلا بد من أن تستخدم أمريكا قدراتها العسكرية، وأن تتعقب المذنبين وتقضي عليهم، وتهيئ نفسها لحرب تستأصل سرطان الإرهاب من جذوره وتقضي عليه. أما هؤلاء الذين لا يقفون إلي جانب أمريكا في حربها العادلة في الداخل أو في الخارج فلا بد من اعتبارهم متواطئين يسري عليهم ما يسري علي مرتكبي الجريمة.

وكان موقف الصحافة الأمريكية غريب، فلم تطرح سؤالاً واحدًا عن مدي استفادة أمريكا عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا من عسكرة الحياة الأمريكية وخوض الحرب، ولم تتساءل عن جدوي الحرب في القضاء علي الإرهاب أو إنزال القصاص العادل بالمسئولين عن أحداث سبتمبر. وهي تساؤلات وشكوك كان من الطبيعي أن تثيرها الصحافة الحرة في مواجهة أي حكومة تقف علي أهبة حرب عالمية في ظل نظام ديمقراطي.

وتعتبر مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خير مثال على ذلك، فهجومه المستمر على وسائل الإعلام الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل نيويورك تايمز، وشبكة سي إن إن، واتهامهم بأنهم مرضى، وأنهم لا يحبون أمريكا، ويحاولون التخلص من التراث والتاريخ الأمريكي، فكل ذلك ما هو سوى تحريض على العنف ومهاجمة الصحفيين.

ربما يعجبك أيضا