حصاد 2022| إفريقيا تتكبد فاتورة ثقيلة لتغير المناخ.. ومصر تقود المواجهة

أسماء حمدي

ساهمت أسوأ موجة جفاف ضربت القارة السمراء، خلال العام 2022، في تفاقم وضع انعدام الأمن الغذائي.


تضررت القارة السمراء بقدر كبير من تداعيات ‏تغير المناخ، خلال عام 2022، ما أدى لتفاقم أزمات الجفاف والفيضانات بمختلف أنحاء إفريقيا.

وخيّم شبح المجاعة على مناطق واسعة في القرن الإفريقي، في ظل أسوأ موجة جفاف تضرب المنطقة منذ أكثر من 40 عامًا، تسببت بتلف المحاصيل، ومقتل المئات من الماشية، التي يعتمد عليها معظم السكان سواء للعمل أو الغذاء.

انعدام الأمن الغذائي

دقت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي التابعين للأمم المتحدة ناقوس الخطر هذا العام، بسبب ارتفاع حدة أزمة انعدام الأمن الغذائي، بسبب الجفاف الحاد الذي يضرب منطقة القرن الإفريقي، ما تسبب بمعاناة ملايين الأفارقة.

ومع بداية 2022، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن 13 مليون شخص في القرن الإفريقي يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بسبب الجفاف وتصاعد النزاعات والتطرف المناخي، وعدم استقرار الأوضاع الاقتصادية، إضافة إلى آثار جائحة كورونا، وصولًا إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

UN0607653 1

على حافة المجاعة

مع حلول منتصف العام، وبعد الحرب الروسية الأوكرانية، التي استحوذت على اهتمام الجهات المانحة الدولية، وتسببت برفع أسعار المواد الغذائية والوقود، ارتفع العدد في القرن الإفريقي إلى 20 مليون شخصًا يكافحون للحصول على ما يكفي من الطعام، وفقًا للأمم المتحدة.

ورأى المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة، شو دونيو، أن الجفاف الشديد الذي ضرب المنطقة، دفع الناس لحافة المجاعة، مشددًا على أنه دون استجابة إنسانية واسعة النطاق تشمل في جوهرها المساعدات الزراعية المراعية لعامل الوقت والمنقذة للأرواح، قد يتفاقم الوضع خلال الأشهر المقبلة.

آثار كارثية

قال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي، إن تغيير المناخ له آثار كارثية في العالم بأثره، مضيفًا: “هنا في إفريقيا الوضع لا يختلف، نحن ننظر الآن إلى 20 مليون شخصًا يهددهم الجوع، منهم 7 ملايين في الصومال، وهذا ضعف ما كان عليه قبل 6 أشهر فقط.”

وأضاف بيزلي: “هذه المرة الثالثة خلال 10 سنوات، التي يتعرض فيها الصومال لتهديد بمجاعة مدمرة، ففي 2011 حدثت المجاعة بسبب تعاقب موسمين على التوالي انحسرت فيهما الأمطار، إضافة إلى النزاعات، وها نحن اليوم نشهد العاصفة بمعناها الحقيقي، مع احتمال موسم أمطار فاشل خامس على التوالي، وجفاف يستمر خلال 2023”.

somalia famine

خطر محدق

في ظل تلك الأزمة، يواجه سكان القرن الإفريقي ارتفاع أسعار الغذاء، وقلة فرص كسب المعيشة بقدر كبير في أعقاب جائحة كورونا، وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي: “نحن بحاجة ماسة لتوفير المساعدة لأولئك الذين يعانون من خطر المجاعة الشديد في إفريقيا، خاصة في الصومال، وبؤر الجوع الساخنة الأخرى”.

ولم يرحم خطر المجاعة حتى الحيوانات، ففي مناطق في الصومال وكينيا، وكذلك إثيوبيا، أصبحت على شفا جوع مدمر واسع الانتشار، وقد يودي بحياة مئات الآلاف من الأشخاص والماشية.

تفاقم الأزمة

ساهمت أسوأ موجة جفاف ضربت القارة السمراء، هذا العام، في تفاقم وضع انعدام الأمن الغذائي، وتواجه المنطقة معدلات ارتفاع درجات الحرارة أسرع من باقي أنحاء العالم، ما أدى إلى نقص حاد في المياه وجفاف المراعي، وصولًا إلى هلاك الماشية، ما أصاب مصادر عيش المجتمعات الرعوية في شرق إفريقيا في مقتل.

ومع تتابع مواسم الأمطار الفاشلة والأزمات الاقتصادية والنزاعات، ترك ذلك آثارًا تراكمية مهلكة في الأسر الفقيرة، وتسببت ندرة المياه في تدني نسبة الحصاد إلى أقل من المعدل المتوسط، إضافة إلى نفوق الماشية، ونزوح مئات الآلاف من الأشخاص بحثًا عن لقمة العيش، وهربًا من النزاعات التي تنشب على الموارد.

نقص المساعدات الإنسانية

في ظل خطر انقطاع المساعدات الإنسانية، بسبب نقص التمويل، يواجه ما يصل إلى 26 مليون شخص مرحلة الأزمة أو أسوأ، في الصومال وجنوب وشرق إثيوبيا وشمال وشرق كينيا، مع احتمالية حدوث المجاعة في مدينة بيدوا وبورحكب في محافظة باي‎‎ جنوبي الصومال.

ودون وجود استجابة إنسانية كافية، يتوقع المحللون حدوث عدد من الوفيات اليومية بداية من ديسمبر 2022، بمعدل 4 أطفال واثنين بالغين من بين كل 10 آلاف شخص، في حين يواجه مئات الآلاف من الأشخاص خطر الموت جوعًا كل يوم، مع توقع مستويات مذهلة من سوء التغذية بين الأطفال الأقل من 5 سنوات.

210890 scaled

بؤر ساخنة

تظل كل من أثيوبيا ونيجيريا وجنوب السودان والصومال في حالة التأهب القصوى باعتبارها بؤر ساخنة، ويواجه ما يقارب المليون نسمة مستويات كارثية من الجوع، إضافة إلى الجوع الشديد والوفاة اللذان أصبحا يمثلان واقعًا يوميًّا في هذه البلدان، وفقًا للأمم المتحدة.

وتظل حالات الطقس المتطرف، كالفيضانات والعواصف الاستوائية والجفاف، العوامل الجوهرية المحركة في العديد من بقاع العالم، بعد أن تسببت الفيضانات بمقتل المئات وتشريد الآلاف في جنوب السودان والنيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا وتشاد، التي ألحقت مياه الفيضانات بها أضرارًا لأكثر من مليون شخص.

أسوأ موجة فيضانات

أعلنت الأمم المتحدة، في نهاية أكتوبر الماضي، أن أكثر من 3.4 ملايين شخص نزحوا في غرب ووسط إفريقيا، بسبب الدمار الناجم عن الفيضانات، وشهدت نيجيريا هذا العام، أسوأ فيضانات منذ 10 سنوات، وأودت بحياة المئات وشردت 1.3 مليون شخص، وأثرت في أكثر من 2.8 مليون آخرين.

وللعام الرابع على التوالي، أثرت الفيضانات المدمرة بجنوب السودان في أكثر من 900 ألف شخص، وجرفت المياه المنازل والماشية وأجبرت الآلاف على الفرار، وغمرت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ما أدى إلى تفاقم حالة الطوارئ الغذائية، وكذلك تسببت الأمطار بجنوب إفريقيا، إبريل الماضي، بدمار كبير للجسور والطرق، وأوقعت أكثر من 300 قتيل.

DSC 3522

فاتورة باهظة

يبدو أن القارة السمراء باتت تدفع فاتورة باهظة لأزمة المناخ وتواجه تحديات مضاعفة، على الرغم من أنها لم تساهم إلا قليلًا في تغير المناخ، ولم تولد سوى جزء ضئيل من الانبعاثات العالمية، لكنها قد تكون المنطقة الأكثر عرضة لتبعات المشكلة وتداعياتها، وأبرزها التصحر والفقر.

لمواجهة تداعيات تغير المناخ في إفريقيا، تصدرت المطالب بدعم الدول الإفريقية والنامية أجندة مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ cop27، الذي انعقد بين يومي 6 و18 نوفمبر 2022 بمدينة شرم الشيخ المصرية، بحضور العديد من قادة وزعماء العالم، وناشطين في مجال المناخ.

حياة كريمة لإفريقيا

من مؤتمر cop27، أطلقت مصر، تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، العديد من المبادرات لصالح القارة الإفريقية، في مقدمتها مبادرة تغير المناخ واستدامة السلام CRSP، ومبادرة حياة كريمة لإفريقيا صامدة أمام التغيرات المناخية، بهدف تحسين جودة الحياة في 30% من المناطق الريفية الأكثر ضعفًا وفقرًا بالقارة بحلول عام 2030.

ولاقت المبادرات المصرية تأييدًا كبيرًا من قاده الدول الإفريقية وممثليها في قمة المناخ cop27، وقالوا إن إقرار المؤتمر للمرة الأولى مبدأ الخسائر والتعويضات هو انتصار للقارة ويمثل أحد أهم النجاحات للمؤتمر الدولي الذي استضافته مصر.

وشدد القادة على أن هذه المبادرات لن تحافظ فقط علي الأرواح والاقتصاد، إنما تشكل أحد أهم المحاور للحفاظ على كوكب الأرض من التغيرات المناخية، بما يتماشى مع أهداف المؤتمر، وأنها تمثل نقلة كبيرة وتحول في تلك الأزمة، التي تهدد حياة البشر، من مرحلة التعهدات إلى التنفيذ وتحقيق العدالة المناخية.

ربما يعجبك أيضا