حقبة جديدة.. فرنسا تمر بمرحلة تاريخية فارقة

الجبهة الشعبية الجديدة على أعتاب انتصار قد يغير مسار التاريخ الفرنسي

بسام عباس
ماكرون ولوبان

منذ أن حل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشكل مفاجئ الجمعية الوطنية، ودعا إلى انتخابات مبكرة، نظر العديد من المراقبين إلى ماضي فرنسا السياسي الثري لاستلهام ما قد يحمله المستقبل بشكل أوضح.

وتأتي في صدارة الأحداث التاريخية، أزمة العام 1958، التي دفعت إلى ظهور الجمهورية الخامسة، كذلك أزمة عام 1940، حين احتلت القوات الألمانية فرنسا وشكلت حكومة فيشي المتعاونة مع برلين.

أزمة تاريخية مشابهة

أوضحت صحيفة بوليتيكو الأمريكية في تقرير للكاتب روبرت زاريتسكي، الثلاثاء 16 يوليو 2024، أن أزمة تاريخية أخرى تعود إلى عقود مضت لم ينتبه المراقبون إليها، وهي أزمة 16 مايو 1877، حيث يبدو المأزق السياسي آنذاك، كأنه انعكاس للمأزق الحالي، فكلاهما يتمتعان بتأثير عميق على مسار التاريخ الفرنسي.

وأضافت أن فرنسا، في العام 1877، كانت تتعافى للتو من كارثة عسكرية مؤلمة على أيدي الجيش البروسي، عقب قمع “كومونة باريس” الدموي، على يد الجيش الفرنسي الجمهوري، حين واجهت الجمهورية الثالثة تحديًا من القوى الرجعية المعروفة باسم “النظام الأخلاقي”، والتي سعت إلى استعادة النظام الملكي، وبلغ هذا الصراع ذروته عندما اكتسحت أغلبية جمهورية كبيرة مقاعد الجمعية الوطنية نتيجة الانتخابات.

أبرز زعماء “النظام الأخلاقي”

كان الرئيس آنذاك الجنرال البونابرتي “باتريس دي ماكمهون”، أبرز زعماء “النظام الأخلاقي”، والذي سارع حينها إلى حل الجمعية الوطنية المنتخبة حديثًا قبل الدعوة إلى انتخابات جديدة، لأنه كان واثقًا من أن الناخبين الفرنسيين سوف يعودون إلى رشدهم، وفعلًا قاموا بذلك وانتخبوا مرة أخرى أغلبية جمهورية كاسحة.

في النهاية أقر ماكمهون بالهزيمة واستقال من منصبه الرئاسي، وكان لاستسلامه تأثير عميق ودائم على العلاقة بين موقع الرئيس والبرلمان في الجمهورية الثالثة، حيث لم يعد الرئيس يستسهل تحدي الجمعية الوطنية وتهديدها بالحل، الأمر الذي عزز من الهيمنة السياسية للجمعية الوطنية حتى انهيار الجمهورية في العام 1940.

فارق أساسي

قال زاريتسكي إن إدراك الكثير مما يجري في المشهد السياسي الفرنسي المتغير بسرعة أمر صعب، فلم يسبق للجمهورية الخامسة أن شهدت أقصى اليمين يقترب إلى هذا الحد من السلطة، ولم يسبق لرئيس في السلطة أن اقترب إلى هذا الحد من العجز، ولم يسبق لفرنسا أن شهدت ائتلافًا يساريًا راديكاليًا يتحد بمثل هذا النجاح والسرعة.

وأضاف أن فارق أساسي بين الجمهورية الثالثة في بداياتها والجمهورية الخامسة التي دخلت مرحلة الشيخوخة، فالآن يوجد 3 كتل سياسية وأيديولوجية، وليس كتلتان، ومع أن أداء حزب النهضة الذي يتزعمه ماكرون أفضل من المتوقع، تمكن رئيس الوزراء جابرييل أتال بالكاد من إنقاذ ما يمكن إنقاذه من كارثة ماكرون، ويبقى الحزب محكومًا عليه بالموت وليس بالولادة الجديدة.

تحويل مسار التاريخ

أوضح الكاتب أن التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان زادت حصته من الأصوات إلى مستويات غير مسبوقة، من 9 ملايين في الجولة الأولى إلى أكثر من 11 مليون صوت في الجولة الثانية، والحزب يشبه “النظام الأخلاقي” في رد فعله التحسسي تجاه المثل العليا “الحرية والمساواة والإخاء”، فضلًا عن مزيجه البونابارتي وتطلعه نحو الحكم الاستبدادي بقناع ديمقراطي.

وعلى غرار الجمهوريين بقيادة ليون جامبيتا في العام 1870، تقف الجبهة الشعبية الجديدة على أعتاب انتصار يحمل في طياته قدرة على تحويل مسار التاريخ الفرنسي، وقد تحول الجبهة اليسارية الجمهورية الخامسة التي أسسها شارل ديجول في عام 1958 إلى الجمهورية البرلمانية التي تصورها جامبيتا، ولم يستطع تحقيقها قبل 150 سنة.

قوى داخلية

ذكر الكاتب أن على الجبهة اليسارية مواجهة قوى هائلة داخلية يتعين التغلب عليها، في مقدمتها مارين لوبان وإيمانويل ماكرون الذي سوف يستخدم ما لديه من سلطات، من حريته في اختيار من يرغب في تشكيل حكومة جديدة، وتقويض مشروع زعيم الجبهة الشعبية الجديدة جان لوك ميلينشون لتشكيل حكومة فعالة.

وأضاف أن المخاطر الكبيرة التي تواجه الائتلاف اليساري تنبع من داخله وتهدد بانهياره، مشيرًا إلى أن قيادة الجبهة الشعبية الجديدة لم تتفق على مرشح لمنصب رئيس الوزراء، مع أن فرنسا في عز التحول التاريخي الآن، وتنتظر أن لا يفشل زعماء اليسار في التحول معها.

ربما يعجبك أيضا