حكومة إيطاليا مليئة باليمين المتطرف.. هل تعود الفاشية من جديد؟

بسام عباس

مع تغلغل اليمين المتطرف في الحكومة الإيطالية، تزداد المخاوف من عودة الفاشية في إيطاليا من جديد


حذر الخبير في الشؤون المالية والسياسة الإيطالية، بن مونستر، من عودة الفاشية مع امتلاء الحكومة الحالية بأعضاء من اليمين المتطرف، أو منحدرين منه.

ولفت بن مونستر في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي“، أمس الأول الخميس 24 نوفمبر 2022، إلى أن وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو بيانتيدوسي، لم يعترض على مسيرات لجماعات تحيي الذكرى المئوية للزعيم الفاشي الراحل بينيتو موسوليني.

ازدواجية المعايير

قال خبير الشؤون الإيطالية، في التقرير، إن وزير الداخلية، بيانتيدوسي، تعهد بمعاقبة منظمي الحفلات الصاخبة ومروجيها بعقوبات صارمة، لافتًا إلى أن العقوبات ستطبق فقط على الحفلات الشبابية الصاخبة وليس على المسيرات الفاشية، التي يرى بيانتيدوسي أنها “لم تكن قابلة للمقارنة”.

وأضاف بن مونستر أن المعارضة اعتبرت القانون الجديد غير متوازن، ودليلًا على “ازدواجية المعايير الخبيثة” لحكومة رئيسة الوزراء، جيورجيا ميلوني، التي تولت السلطة في سبتمبر الماضي، على رأس تحالف يميني متطرف له صلات بفاشية موسوليني.

توازن صعب

يرى بن مونستر القانون الجديد انعكاسًا للتوازن الصعب الذي كان على حكومة ميلوني أن تحققه، في محاولاتها للتوسط بين هدفين متعارضين، الأول التأثير في قاعدتها الشعبية لتحقيق انتصارات دعائية في الحرب الثقافية، باستهداف المهاجرين والحفلات الشبابية، والثاني مراعاة الرأي العام الدولي.

وكان الحل الأوَّلي لميلوني هو وضع حلفائها الأكثر تشددًا على هامش حكومتها، مع تعيين مسؤولين معتدلين في الوزارات الرئيسة، ممن يفترض أنهم سيلتزمون بخط التأسيس بشأن السياسة المالية، إلا أن هذا مجرد وهم، لأن معظم هؤلاء المعتدلين ينحدر من أقصى اليمين، حسب الخبير.

المعتدلون اليمينيون

أفاد بن مونستر  أن من يسمون أنفسهم بالمعتدلين في حكومة ميلوني، هم يمينيون متطرفون، مثل بيانتيدوسي، الذي عمل مع زعيم حزب الليجا اليميني المتشدد، ماتيو سالفيني، لمنع رسو سفن الإنقاذ المليئة بالمهاجرين على الشواطئ الإيطالية، وحاول عرقلة سفينتي إنقاذ خلال أول أسبوع له في منصبه.

وأضاف بن مونستر أن هذه الراديكالية تكشفها اختيارات ميلوني “رفيعة المستوى” للوزارات الحساسة من الناحية السياسية، تلك التي تأمل أن تبقي الحكومة في وضع جيد. فمن جانبه، بذل وزير المالية الجديد، جيانكارلو جيورجيتي، جهودًا كبيرة لتهدئة الأسواق بميزانية محدودة الإنفاق.

فاشية جديدة

ذكر بن مونستر  أن معظم أعضاء الحكومة من اليمين المتطرف المؤيد لفاشية موسوليني، رغم ظهورهم كمعتدلين، مشددًا على أن أي قاضٍ معتدل لن يجد مكانًا في حكومة ميلوني اليمينية، مشيرًا إلى وزير العدل، كارلو نورديو، الذي كان معارضًا صريحًا للمثلية الجنسية ويساويها بالاعتداء الجنسي على الأطفال.

وأشار أيضًا إلى وزير الخارجية الجديد، أنطونيو تاجاني، الذي أعلن أن “موسوليني قدم أشياء جيدة للعالم”، ونائب وزير الأعمال والصناعة الإيطالية، فالنتينو فالنتيني، الذي كان مساعدًا شخصيًّا لسيلفيو برلسكوني، والذي لا يُخفي ولعه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

قاع البرميل السياسي

قال بن مونستر  إن ميلوني شكلت حكومتها من مجموعة متشددين يمينيين مرعبين، من قاع البرميل السياسي، فإلى جانب عدد قليل من شخصيات حقبة برلسكوني، الغارقة في الفضائح المالية وتضارب المصالح، تضم الإدارة الجديدة من يشعرون بالحنين إلى سنوات الفاشية والمفطومين في معسكرات الشباب اليمينية المتطرفة.

وأضاف أن أحد الأمثلة على هؤلاء، نائبة وزير الدفاع، إيزابيلا راوتي، التي قاد والدها الراحل، بينو راوتي، الحركة الاجتماعية الإيطالية “ما بعد الفاشية”، التي خرج منها حزب “إخوان إيطاليا”، مشيرًا إلى أنها ألقت خطابًا غريبًا قالت فيه إن اليمين سيتمكن أخيرًا من الظهور علنًا، ولن يكون “مُجرَّمًا” بعد الآن.

اليمينيون المتطرفون حاضرون بقوة

نقلت “فورين بوليسي” عن ديفيد برودر، مؤلف كتاب “أحفاد موسوليني: الفاشية في إيطاليا المعاصرة”، قوله إن الحكومة جرمت الفاشيين الجدد لأنهم كانوا يقصفون القطارات، مضيفًا أن الحكومة الجديدة “تعتقد اعتقادًا غريبًا بأن الفاشية الجديدة جُرِّمَت، بدلاً من كونها مُجرِمة، عندما خطط أعضاؤها لهجمات إرهابية وانقلابات”.

وأوضحت المجلة أن اليمينيين المتطرفين حاضرون بقوة في السياسة الإيطالية، وإن كان ذلك في أدوار أقل بروزًا، وأقل أيديولوجية، وبدلًا من إقصائهم، تبوؤوا مناصب رفيعة، مثل فانيا جافا وفرانشيسكو باولو سيستو، وهما وزيران جديدان تربطهما علاقات وثيقة ببرلسكوني.

إرث الفاشية الجديدة

قال برودر، في مقال بصحيفة “الجارديان“، إن قادة الحركة الاجتماعية الفاشية وافقوا على القيم الليبرالية الديمقراطية، وأسقطوا اسمهم القديم، وأدانوا معاداة موسوليني للسامية، إلا أن الكثير منهم يعتز بإرث الفاشية الجديدة بعد الحرب، وقد تأسس حزب إخوان إيطاليا عام 2012 لتأييد الحركة الفاشية.

وأضاف برودر أن ما يحدث الآن في إيطاليا لا يعني مجرد العودة للماضي، لأن حزب إخوان إيطاليا متجذر في الحركة الاجتماعية الإيطالية الفاشية، مضيفًا أن الحزب وعد بتغييرات كبيرة في الإرث السياسي للبلاد، من بينها تهميش البرلمان والأحزاب من خلال إدخال رئاسة منتخبة مباشرة. 

ميلوني ليست موسوليني

أوضحت صحيفة الجارديان، في مقال آخر، أن من يرمون حزب إخوان إيطاليا بالفاشية يخطئون الهدف، لأن حزب ميلوني ليس وريث حركة موسوليني الفاشية، بقدر ما هو أول مقلد أوروبي للحزب الجمهوري الأمريكي بقيادة دونالد ترامب.

ووصفت الصحيفة ميلوني بأنها “ماهرة” وقادرة على ممارسة اللعبة، مشيرة إلى أنها في عام 2012 تركت الأمان النسبي داخل حزب برلسكوني لتأسس حزبها الصغير “إخوان إيطاليا”، ودشنت قاعدتها الجماهيرية بشق الأنفس، رافضة الوصول السريع إلى السلطة، بعدم الانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية بقيادة ماريو دراجي.

ربما يعجبك أيضا