حملة «كسب الود».. كيف تفكر الصين في ضبط سياستها الخارجية؟

آية سيد
الرئيس الصيني

تحاول الصين إصلاح الخلافات مع العالم كجزء من جهد أوسع لعرقلة الجهود الأمريكية لتوحيد العديد من الدول في ائتلاف فضفاض مناهض لبكين.


قال عالم السياسة الأمريكي، ستيفن والت، إن الصين تحاول إعادة ضبط سياستها الخارجية، عبر إطلاق حملة لكسب الود.

وفي تحليل، نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، يوم الاثنين الماضي 23 يناير 2023، عزا والت السبب وراء هذا الجهد إلى عدم نجاح النهج الأساسي، الذي اتبعه الرئيس الصيني، شي جين بينج، في السياسة الخارجية.

جهود صينية

وفق التحليل، شرع الزعيم الصيني في عدد من التغييرات المذهلة. فبعد تعزيز قبضته على السلطة في المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي، أكتوبر 2022، رد شي على اندلاع الاحتجاجات الشعبية بالتخلي المفاجئ عن سياسة صفر كوفيد، وخفف جزئيًّا من نهجه اللينيني تجاه الاقتصاد، وحاول طمأنة القطاع الخاص.

وقال والت، الذي يشغل منصب أستاذ العلاقات الدولية في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، إن الصين تحاول الآن إصلاح الخلافات مع العالم الخارجي، كجزء من جهد أوسع لتحسين صورتها، وإعادة تنشيط نموها الاقتصادي، وعرقلة الجهود الأمريكية لتوحيد العديد من الدول المهمة في ائتلاف فضفاض مناهض لبكين.

أخطاء بالجملة

السبب الرئيس وراء هذه الجهود، هو أن نهج شي في السياسة الخارجية لم ينجح، بسبب ارتكاب عدد من الأخطاء، مثل إعلان هدف الصين بأن تصبح قوة عالمية رائدة بمنتصف هذا القرن، لأن هذه الخطوة الجريئة أثارت قلق الولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى.

وكان من الخطأ أيضًا الجمع بين التعزيز العسكري و”بناء الجزر” لأغراض عسكرية في بحر الصين الجنوبي، ورفض حكم محكمة دولية يرفض المطالبات الصينية في هذا الممر المائي، وتهديد تايوان واليابان عبر إرسال طائرات وسفن إلى المناطق المتنازع عليها، والاشتباك مع القوات الهندية، والاصطفاف مع روسيا عشية الحرب الروسية الأوكرانية.

وأشار عالم السياسة الأمريكي إلى أن بكين اتبعت هذه السياسات المقلقة، ودافعت عنها من خلال دبلوماسية “الذئب المحارب” العدوانية، التي تقوم على فكرة أن مضايقة دبلوماسيي ومسؤولي الحكومات الأجنبية، والتقليل من شأنهم سيُكسبهم الأصدقاء، ويعزز النفوذ الصيني.

نتيجة عكسية

أسفرت السياسة الخارجية لشي عن نتائج غير مواتية للصين. ووفق والت، أدت إلى إجماع الحزبين في الولايات المتحدة على مواجهة “تهديد الصين”، وحرب تجارية تكنولوجية تهدف إلى عرقلة قطاع التكنولوجيا الصيني، وتعزيز تحالف (الكواد)، الذي يجمع الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا.

وأدت سياسات شي كذلك إلى قرار اليابان بمضاعفة إنفاقها الدفاعي بحلول 2027، وتوطيد التعاون مع الولايات المتحدة، وتلميحات كوريا الجنوبية بأنها قد تطور أسلحة نووية، والتدهور الهائل في الصورة العامة للصين في الاتحاد الأوروبي، وأستراليا، وغيرها من الدول.

حملة لكسب الود

قال والت إن بكين انتبهت إلى الحاجة لإعادة ضبط علاقاتها، وبدأت حملة لكسب الود. لذلك، عقد الرئيس الصيني اجتماعًا وديًّا مع نظيره الأمريكي، جو بايدن، على هامش قمة مجموعة الـ20 في إندونيسيا، واستقبل المستشار الألماني، أولف شولتز، في زيارة رسمية، والتقى عددًا من رؤساء دول جنوب شرق آسيا، وسافر إلى السعودية، وعقد سلسلة من الاجتماعات.

وفي المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، أخبر نائب رئيس الوزراء الصيني، ليو هي، الحضور بأن “الصين عادت”، وأنها “مفتوحة أمام الأعمال التجارية”. وظهر ليو مع وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، ودعاها إلى زيارة بكين، في إشارة على الاهتمام بالتنسيق الاقتصادي الصيني الأمريكي للمرة الأولى منذ سنوات.

هل تنجح جهود الصين؟

رأى أستاذ العلاقات الدولية أنه في المدى القصير، سيجد التخلي عن دبلوماسية الذئب المحارب، وتأكيد رغبة الصين في إقامة علاقات اقتصادية وثيقة مع الدول الأخرى، ترحيبًا في مناطق كثيرة. ولفت إلى أن مكانة بكين ونفوذها، اليوم، نابعان من حجم اقتصادها وتطورها التكنولوجي المتنامي، ما يجعل الكثير من حلفاء الولايات المتحدة غير راغبين بقطع العلاقات معها.

ولهذا السبب، رأى والت أنه يتعين على الصين التوقف عن محاولة فرض وتيرة التغيير، وتبني ما وصفه بـ”سياسة الصبر الاستراتيجي”. وأن يكون تركيزها الأساسي على التنمية الاقتصادية الداخلية، خاصة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، ما يعزز رغبة الدول الأخرى في الحفاظ على علاقات وثيقة مع بكين.

ونصح السياسي الأمريكي الصين أيضًا بمواصلة جهودها لبناء النفوذ داخل المؤسسات العالمية القائمة، وهو مسعى قد ينجح إذا لم تقلق الدول الأخرى بشأن كيفية استخدام بكين لهذا النفوذ في المستقبل.

احترام سيادة الدول

هذا النهج، حسب والت، سيستفيد من التزام الصين القوي بنظام “وستفاليا” لسيادة الدول، الذي ينص على أن كل دولة لها سيادة على أراضيها وشؤونها الداخلية. فعلى الرغم من أن النموذج السياسي للصين لا يلقى استحسانًا عالميًّا، نادرًا ما تتدخل بكين في السياسة الداخلية للدول الأخرى.

لكن على النقيض، تحب الولايات المتحدة إعطاء محاضرات للآخرين بشأن كيفية حكم دولهم، وتحاول إجبارهم على تبني قيمها الليبرالية. وأضاف والت أن نهج بكين الأقل تطفلًا في العلاقات الثنائية قد يلقى استحسانًا لدى الأنظمة غير الديمقراطية، التي يفوق عددها الأنظمة الديمقراطية الحقيقية.

الصعود السلمي أو الفشل

حذر عالم السياسة الأمريكي من أنه إذا لم تُعد بكين لشيء يشبه استراتيجية “الصعود السلمي”، التي اتبعتها في الماضي، ستفشل جهودها الحالية. وهذا الفشل قد يكون نتيجة لتمسك شي بتحقيق أهداف معينة، في أثناء وجوده في المنصب، مثل إعادة التوحيد مع تايوان، حتى لو انطوى ذلك على مخاطر مرتفعة.

ولفت والت إلى أن الدول نادرًا ما ترد بحزم عندما ينمو اقتصاد دولة أجنبية بقوة، بل ترحب به في أكثر الأحيان، لأنها تستفيد من الفرص التي يقدمها. وتنزعج الدول الأخرى، فقط، عندما تبدأ القوة الصاعدة في إلقاء ثقلها الجديد على الآخرين، ومحاولة تغيير الوضع الراهن بالقوة، كما تحاول روسيا الآن مع أوكرانيا، على حد قوله.

وختامًا، أشار والت إلى أن موقف الصين اليوم غير مواتٍ، لأن شعب تايوان يعارض بشدة إعادة التوحيد مع بكين، ولن يُرغم على ذلك، سوى بالعمل العسكري. لذلك فإن نجاح حملة الصين الأخيرة لكسب الود يعتمد على ما إذا أدرك شي وزملاؤه هذه المشكلة، وكبحوا طموحاتهم القومية، وركزوا جهودهم على مواصلة بناء القوة الاقتصادية بالداخل.

ربما يعجبك أيضا