حول إدلب: بوتين خدع أردوغان بالانتصار المعنوي وبرمجه نفسيًا

يوسف بنده

رؤية

توتّر الوضع في إدلب الأسبوع الماضي إثر مقتل 36 جندياً تركياً بضربة جوية نسبتها أنقرة إلى دمشق. ومنذ مطلع فبراير، تجاوز عدد القتلى من الجنود الأتراك عتبة الستين في إدلب، في أكبر حصيلة قتلى تكبدتها أنقرة منذ بدء تدخلها في سوريا عام 2016.

وردّت أنقرة على مقتل جنودها بقصف مواقع لقوات النظام بالمدفعية وطائرات مسيّرة موقعة عشرات القتلى. كما قررت فتح حدودها مع اليونان، ما تسبب بتدفق آلاف اللاجئين والمهاجرين نحو الحدود وأثار غضب دول الاتحاد الأوروبي التي اتهمتها بمحاولة “ابتزازها”.

انتصار معنوي

لم يحمل الاتفاق الذي عاد به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيّ إشارات إلى أن الوضع الميداني في إدلب سيعود إلى ما قبل هجوم القوات السورية والروسية، التي حققت تقدما كبيرا على حساب المجموعات المتشددة المدعومة من أنقرة، في وقت يتحدث فيه الرئيس التركي عن الإبقاء على نقاط المراقبة كما هي.

فقد نقلت وزارة الدفاع التركية السبت عن وزير الدفاع خلوصي أكار قوله: إن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في إطار اتفاق مع روسيا في إدلب بسوريا لم يشهد أي انتهاكات.

وقال أكار: “سنظل قوة ردع لمنع أي انتهاك لوقف إطلاق النار. لم يحدث أي شيء منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ”. ما يشير إلى أن أنقرة لا زالت تتحدث بنبرة تهديد رغم تكبدها خسائر ميدانية وتراجع الفصائل المتحالفة معها.

وتم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في موسكو بعد محادثات لاحتواء الصراع الذي أدى إلى نزوح نحو مليون شخص في ثلاثة أشهر.

وقال أكار أيضا: إن تركيا ستستخدم حق الدفاع عن النفس إذا كان هناك أي هجوم يستهدف قواتها أو قواعدها في المنطقة.

ودعا الاتفاق إلى القيام بدوريات مشتركة للقوات التركية والروسية حول طريق إم-4 في منطقة إدلب بدءا من 15 مارس/ آذار.

وقال أكار: إن تركيا بدأت العمل على إرساء قواعد الممر الآمن حول الطريق، وإن وفدا عسكريا روسيا سيزور أنقرة هذا الأسبوع لمناقشة الخطوات التالية.

ويأتي تصريح أكار بعد يوم من اشتباكات دامية في جنوب إدلب أمس الجمعة بعد ساعات من بدء تنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار.

وقد أعلن الكرملين، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أبلغ نظيره السوري بشار الأسد، في اتصال هاتفي، بفحوى الاتفاق بين موسكو وأنقرة حول وقف إطلاق النار في منطقة إدلب السورية، حسبما أفاد موقع “قناة روسيا اليوم”.

وأشار البيان إلى أن “الأسد أشاد بنتائج المحادثات بين الرئيسين الروسي والتركي” كما أعرب عن شكره لبوتين “على الدعم في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وعلى الجهود المبذولة الرامية إلى ضمان سيادة سورية ووحدة أراضيها”.

المستنقع السوري

لطالما سعى أردوغان إلى هذه الهدنة بعدما فقد الكثير من مساحات تواجده في إدلب وما حولها هو والجماعات المسلحة المتحالف معها.

المأزق بالنسبة للجيش التركي يكمن في مقتل عشرات الجنود مما أوقعه في فخ لم يكن متوقعا، وبذلك بدأ الغرق في المستنقع السوري، وهو يشاهد مناورات الروس المساندين للنظام السوري.

الهدنة الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ الجمعة هي المحاولة الثالثة لوقف إطلاق النار في محافظة إدلب منذ شن النظام السوري حملته العسكرية في أبريل 2019 للسيطرة على آخر معقل كبير للفصائل المسلحة.

احتواء أردوغان

وحسب تقرير صحيفة العرب، يرى مراقبون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجح في مجاراة نظيره التركي الساعي لإظهار أن مجرد اللقاء وصور المجاملة بين الرئيسين هي نصر معنوي وسياسي له، بعد أن سعى لأسابيع للحصول على هذه الفرصة، لإظهار أنه شريك متساوي الدور والتأثير مع موسكو في الملف السوري وفي اتفاق سوتشي.

وبات الرئيس الروسي أكثر خبرة بشخصية أردوغان، الباحث عن الإطراء والظهور الإعلامي، ولذلك أظهر بوتين حفاوة بضيفه أمام وسائل الإعلام، ونجح بالمقابل في تمرير اتفاق يحافظ على مكاسب القوات السورية على الأرض.

وذكرت مصادر دبلوماسية روسية أن الاتفاق سيكون مرحليا إلى حين تهدئة خواطر أردوغان، وأن روسيا ماضية في خطتها لاستعادة كامل إدلب وحلب ومساعدة قوات الأسد في بسط نفوذها على كامل الأراضي السورية، خاصة أن المسؤولين الروس شددوا على ضرورة الاستمرار في مواجهة الجماعات الإرهابية، وهو رسالة واضحة على أن وقف إطلاق النار ظرفي، وأن حديث أردوغان عن ثبات نقاط المراقبة في مكانها ليس أكثر من محاولة لإظهار أنه لم يخرج بيد فارغة من القمة التي سعى لها لمدة أسابيع.

ولا يتضمن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد لقاء دام ست ساعات بين الرجلين في موسكو، كذلك أجوبة لمسألة نقاط المراقبة العسكرية التركية الموجودة في مناطق سيطر عليها النظام السوري مؤخراً، لكن روسيا نجحت أيضا في جعل الرئيس التركي يقر بالاستمرار في صفقة صواريخ “إس – 400”.

وذكر مكتب الرئيس التركي الجمعة أن مراكز المراقبة العسكرية التركية في إدلب السورية ستحتفظ بوضعها الحالي ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته أنقرة مع روسيا، وأضاف أن “الاتفاق وضع الأساس لإعادة الأوضاع في المنطقة إلى طبيعتها”.

وقال أردوغان: إن تركيا ستقوم الشهر المقبل بتفعيل أنظمة الدفاع الروسية “إس – 400” التي اشترتها من موسكو رغم احتجاج واشنطن، مضيفا أنه طلب أيضا شراء أنظمة باتريوت الأميركية، وهو التناقض الذي دفع الأمريكيين إلى التحجج بعدم تسليمه منظومة باتريوت بالرغم من الدعوة العاجلة التي وجهها بسبب الخسائر التي لحقت بجنوده.

وأكد الرئيس التركي أن “وقف إطلاق النار يحقق العديد من المكاسب في عدة مجالات”، معتبراً أنه “يعزز أمن تركيا الحدودي أمام هجمات الإرهابيين والنظام” و”يشكل أساسا لإعادة الاستقرار إلى إدلب”.

وذهب الرئيس التركي بعيدا في تفاؤله بالقول: إن بوتين سيتخذ إجراءات في ما يتعلق بمرتزقة فاغنر في ليبيا، مع أن روسيا تنكر أيّ علاقة لها بالملف، وهو ما يوحي بأن أردوغان يوظف الحفاوة الظاهرة في لقائه مع بوتين للتنفيس عن أزماته من جهة، والإيحاء للميليشيات الحليفة في ليبيا وسوريا بأنه دافع عنها في اللقاء.

وقال إنه تلقى أنباء إيجابية بخصوص مرتزقة فاغنر، دون الإفصاح عن تفاصيل، قائلاً “نتمنى تطبيق هذه الأمور على الأرض، وفي حال طبقت سيكون عملنا وعمل (فائز) السراج يسيرا في ليبيا”.

ربما يعجبك أيضا