خطة الناتو لدعم أوكرانيا.. استراتيجية الرمال المتحركة

هل تتحول استراتيجية الناتو في حرب أوكرانيا إلى «لعبة الروليت» الروسية؟

بسام عباس
روسيا ضد أوكرانيا

التقى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بالرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض الجمعة الماضية لمناقشة مسألة استخدام أوكرانيا للصواريخ بعيدة المدى لضرب عمق روسيا، لكن لم تكن هناك إعلانات، ولم يكن هناك أي مؤتمر صحفي مشترك.

وصرح ستارمر لاحقًا لوسائل الإعلام أن المحادثات كانت “مثمرة”، لكنها ركزت على “الاستراتيجية” بدلاً من “خطوة أو تكتيك معين”، ولم يشر إلى أي قرار بشأن السماح لكييف بإطلاق صواريخ بعيدة المدى على روسيا.

تورط الناتو في الحرب

قالت مجلة “أوراسيا ريفيو”، في تقرير نشرته الأربعاء 18 سبتمبر 2024، إن أحد أسباب هذا التكتم الشديد هو أن البلدين تدركان التحذير الصريح الذي أطلقه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم الخميس الماضي بأن أي استخدام للصواريخ الغربية بعيدة المدى لضرب روسيا “سيعني أن دول الناتو والولايات المتحدة والدول الأوروبية أطراف في الحرب في أوكرانيا”.

وأوضح بوتين أن هذا يعني تورطها المباشر في الصراع، وسيغير بوضوح جوهر الصراع وطبيعته بشكل كبير”. مضيفًا بكلمات مدروسة: “هذا يعني أن دول الناتو – الولايات المتحدة والدول الأوروبية – في حالة حرب مع روسيا، وإذا كان الأمر كذلك، فمع الأخذ في الاعتبار التغيير في جوهر الصراع، سنتخذ القرارات المناسبة ردًا على التهديدات التي ستوجه إلينا”.

بوتين يكشف المستور

أوضحت المجلة أن موسكو تقدر أن بوتين، في تصريحاته يوم الخميس، رفض مرة أخرى المغالطة الأنجلو أمريكية القائلة بأن أوكرانيا هي التي ستستخدم الصواريخ الغربية بعيدة المدى وليس الناتو، مشيرًا إلى أن الجيش الأوكراني “غير قادر على استخدام أنظمة بعيدة المدى عالية الدقة ومتطورة يوفرها الغرب، بدون بيانات استخباراتية من الأقمار الصناعية التي لا تمتلكها أوكرانيا.

وأضاف أن “أفراد الجيش التابع لحلف الناتو فقط هم من يمكنهم تعيين مهام طيران لهذه الأنظمة الصاروخية، ولا يستطيع العسكريون الأوكرانيون ذلك، وأن الأمر لا يتعلق بالسماح للنظام الأوكراني بضرب روسيا بهذه الأسلحة أم لا، بل بتقرير ما إذا كانت دول الناتو ستشارك بشكل مباشر في الصراع العسكري أم لا”.

ومن المثير للاهتمام أن واشنطن ولندن لم تدحضا حتى الآن هذا التفسير الذي قدمه بوتين، ومن الغريب أن هذا التفسير حُذف بالكامل من التقارير الصحفية البريطانية، ربما خوفًا من معارضة الرأي العام لمثل هذا التدخل المباشر من جانب المملكة المتحدة في حرب ضد روسيا بدور قتالي.

ظاهرة عشوائية

ذكرت المجلة أن موسكو تتوقع أن تكون الخطة الأمريكية البريطانية هي اختبار الموقف أولًا، باستخدام صاروخ “ستورم شادو” البريطاني بعيد المدى الذي يطلق من الجو، والذي حصلت عليه أوكرانيا بالفعل، مشيرةً إلى أت روسيا، يوم الجمعة، طردت 6 دبلوماسيين بريطانيين يعملون في السفارة البريطانية في موسكو، محذرةً بريطانيا من العواقب الوخيمة لاستخدام “ستورم شادو” لضرب الأراضي الروسية.

وأضافت أن ما يجعل الموقف المتطور شديد الخطورة هو أن لعبة القط والفأر التي كانت تدور حتى الآن حول تورط حلف الناتو السري في حرب أوكرانيا قد أفسح المجال للعبة الروليت الروسية التي تتبع قوانين نظرية الاحتمالات، بمعنى أنه لا يمكن هزيمة روسيا أو طردها من الأراضي الأوكرانية التي ضمتها.

وأوضحت أن بايدن يعتقد أن هيمنة روسيا الحالية على ساحة المعركة هي ظاهرة عشوائية، وأن النتائج المحتملة تتراوح بين تدمير القوة العسكرية الروسية وتعطيل الحياة بها وانهيارها المحتمل، ما يؤدي إلى إضعاف اليد الروسية في أي مفاوضات مستقبلية، وببساطة تدور الحرب الآن حول روسيا وليس أوكرانيا، ويمكن أن تكون الصواريخ بعيدة المدى بمثابة عامل تغيير.

رمال متحركة

قالت المجلة إن مثل هذه الاستراتيجية المبنية على رمال الاحتمالات المتحركة تشبه “لعبة الروليت الروسية”، والواقع أن خيارات بايدن لدعم أوكرانيا تتضاءل مع كل تصعيد، وكما تقول صحيفة “وول ستريت جورنال”: “مع بقاء 4 أشهر فقط في إدارة بايدن وقليل من الأمل في موافقة الكونجرس على تمويل إضافي لأوكرانيا بغض النظر عمن سيفوز بالرئاسة، يناقش البيت الأبيض أفضل السبل لمساعدة كييف بالنظر إلى صندوق أدواتها المحدود”.

وعلى نحو مماثل، يتضاءل اهتمام أوروبا بالحرب أيضًا، فالسياسة الأوروبية أصبحت غير متوقعة مع صعود اليمين المتطرف في ألمانيا، وأزمة القيادة السياسية في فرنسا، والانحدار النسبي لاقتصاد الاتحاد الأوروبي في مواجهة المنافسين العالميين بسبب الابتكار المحدود، وارتفاع أسعار الطاقة وفجوات المهارات، وبالطبع الأزمة الاقتصادية الشاملة في أوروبا التي لا نهاية لها تلوح في الأفق.

في الأساس، يحدد بايدن مسار الحرب بعد يناير المقبل حتى بعد تقاعده، حيث يظل نهجه السياسي الهادف إلى إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا على المسار الصحيح، وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، إن واشنطن تعمل على جولة “كبيرة” من المساعدات الإضافية لكييف، مؤكدًا عقد اجتماع هذا الشهر بين بايدن ونظيره الأوكراني زيلينسكي.

ربما يعجبك أيضا