خط أنابيب سيبيريا.. هل تحول روسيا دفتها نحو الصين؟

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي

يعني توسيع خط أنابيب قوة سيبيريا أن روسيا ماضية في زيادة صادراتها من الغاز إلى الصين، وهو أمر قد يسمح لموسكو بتشديد الخناق على المستهلكين في الاتحاد الأوروبي، لمن هناك من يرى بأن الخط قد ينفجر في وجه روسيا.

سعت روسيا إلى زيادة صادرات الغاز إلى الصين حتى قبل نشوب أزمة الطاقة بين موسكو والدول الأوروبية وقرار موسكو خفض إمدادات الغاز، إذ يرغب الدب الروسي في تنويع أسواق الغاز مع تقليل اعتماده على السوق الأوروبي في بيع الغاز الروسي.

يأتي ذلك بالتزامن مع زيادة الطلب الصيني على الغاز وحاجتها إلى التخفيف من تداعيات أي حرب تجارية محتملة في مجال الطاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا. يضاف إلى ذلك رغبة الصين في الاعتماد على الغاز الطبيعي في إطار مساعي بكين لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060.

ويبدو أن هذا الأمر بات مترجما على أرض الواقع إذ ذكرت الإدارة العامة للجمارك الصينية أن الصين باتت أكبر مستهلك للغاز في العالم إذ تستورد قرابة 43 بالمائة من احتياجاتها من الغاز بما في ذلك 89 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال و 46 مليار متر مكعب من الغاز الذي ينقل عبر خطوط الأنابيب. بحسب دويتشه فيله.

ويبلغ استهلاك الصين السنوي من الغاز أكثر من 331 مليار متر مكعب. ورغم أن هذا الرقم أقل من استهلاك أوروبا السنوي من الغاز البالغ 541 مليار متر مكعب، إلا أنه يُتوقع أن تُقدم الصين على زيادة استهلاكها من الغاز ليصل إلى 526 مليار متر مكعب بحلول 2030 بالتزامن مع خططها لتقليص الاعتماد على الفحم كأحد المصادر الرئيسية للطاقة.

كذلك قدرت شركة ماكينزي الرائدة في مجال الاستشارات أن يتضاعف الطلب الصيني على الغاز بحلول 2035 فيما نشرت شركة ​سينوبك​ الصينية بيانات في سبتمبر جاء فيها أن استهلاك الصين السنوي من الغاز يُتوقع أن يرتفع إلى 620 مليار متر مكعب بحلول عام 2040 . وفي حالة حدوث ذلك، سوف يتجاوز الغاز النفط ويحتل مرتبة أعلى كمصدر رئيسي للوقود في الصين بحلول عام 2050، وفقا لما أشارت إليه سينوبك الرائدة في مجال الطاقة في الصين.

التوجه صوب الصين

في عام 2014 وقع عملاق الغاز الروسي “غازبروم” اتفاقا مع مؤسسة البترول الوطنية الصينية بقيمة 400 مليار دولار لمدة 30 عاما من أجل بناء خط أنابيب “قوة سيبيريا” الذي سيمتد بطول 3000 كيلومتر في روسيا و 5000 كيلومتر في الصين.

حاولت روسيا فعليا بناء خط أنابيب لنقل الغاز إلى الصين منذ عقد من الزمن قبل أن تعطي الصين موافقتها عام 2014، ولم يكن توقيت الإعلان عن الاتفاق الروسي-الصيني عرضيا من قبيل الصدفة، بل جاء عقب العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا بعد سيطرة جماعات موالية لها على أجزاء من شرق أوكرانيا وضمها موسكو لشبه جزيرة القرم.

يشار إلى أنه تم تدشين خط “قوة سيبيريا” أواخر عام 2019 فيما يُتوقع أن يمد الصين بقرابة 38 مليار متر مكعب من الغاز سنويا بمجرد تشغيله بطاقته الكاملة عام 2025. وكانت شركة غازبروم الروسية قد توقعت العام الماضي أن ينقل خط “قوة سيبيريا” 10 مليارات متر مكعب من الغاز إلى الصين.

ويمثل المشروع أهمية استثنائية لروسيا حيث سينقل الغاز إلى الصين مباشرة دون الحاجة إلى عبور دول أخرى كما هو الحال مع نقل الغاز الروسي إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. وتأتي رغبة موسكو في توجيه الغاز الروسي صوب الصين تأتي مدفوعة “جزئيا بالجغرافيا والاقتصاد وجزئيا بالسياسة. وتقول الصين إنها تخطط للتخلص التدريجي من الفحم وفي هذه الحالة سوف تحتاج إلى المزيد من الغاز لتعويض الفحم، كذلك تشعر بكين بالقلق جراء تداعيات الاعتماد على استيراد الغاز عن طريق البحر في حالة توقفه بسبب نشوب أزمة أو صراع.

يشار إلى أن تكلفة الاستثمارات الروسية في تطوير حقلين للغاز في شرق سيبيريا وخط أنابيب إلى شمال شرق الصين بلغت قرابة 55 مليار يورو أي ما يعادل 48 مليار دولار. ورغم زيادة التكلفة إلا أن الصين لم تقدم أي قروض، إلا أنها تعهدت بشراء قرابة 38 مليار متر مكعب سنويا من الغاز بموجب آلية تسعير متفق عليها بين الجانبين.

بيد أن روسيا طرحت لاحقا فكرة لإغراء الصين إذ عرضت أمام الاستثمار الصيني فرص للمشاركة في مشروعات المنبع إذ عرض عملاق النفط الروسي “روسنفت” للبيع حصة في حقل “فانكور” النفطي الضخم في شرق سيبيريا عام 2016. بيد أن الشركات الصينية رفضت العرض وهو ما اعتبره البعض بمثابة “صفعة في وجه روسيا”. ويحمل الأمر في طياته “نذيرا” بصعوبات قد تعترض مفاوضات التسعير في المستقبل. ورغم ذلك، وافقت الصين في الوقت نفسه على أن تكون أول مشتر أجنبي لنظام الدفاع الصاروخي الروسي (إس 400.

ربما يعجبك أيضا