حزب الله و«ملك مخدر الكبتاجون» في لبنان.. صداقة ومصالح

رنا أسامة

ألقي القبض على ملك الكبتاجون للمرة الأولى في سبتمبر 2015، بعد انتقاله إلى بعلبك اللبنانية، عاصمة نفوذ حزب الله.


دعت مساعدة باحثة في برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب بمعهد واشنطن، لورين فريدريكس، الحكومة الأمريكية إلى التدخل في قضية حسن محمد دقّو، أحد أباطرة المخدرات المُلقّب بـ”ملك الكبتاجون” في لبنان.

وفي تقرير نشرته فريدريكس بمعهد واشنطن، 9 مايو الحالي، قالت إن مواصلة ملك الكبتاجون ذي الأصول السورية، ترويع اللبنانيين، ومساعدة نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، يمنح واشنطن حق التدخل في قضيّته، مُطالبة بالتحقيق في علاقاته مع أحد رجالات حزب الله.

ما قضية دقو؟

محمد دقو الملقب بملك الكبتاجون

بحسب التقرير، انعقدت محكمة الجنايات في بيروت، 6 إبريل الماضي، لإصدار حكم في قضية دقو، بعد توقيفه العام الماضي، على خلفية علاقاته مع حزب الله، وجهوده لتهريب الكبتاجون إلى اليونان وماليزيا والسعودية. وبدلًا من إصدار حكم بحقه الشهر الماضي، علّق القاضي سامي صدقي، القرار إلى أجل غير مُسمّى، ما أثار قلقًا حول سماح الطبقة الحاكمة الفاسدة اللبنانية لدقّو بالانزلاق بين ثغرات القوانين.

ولم تكن هذه المرة هي الأولى التي يفلت فيها ملك الكبتاجون من العدالة، فقد أشار التقرير إلى إلقاء القبض عليه في سبتمبر 2015، بعد انتقاله إلى لبنان، وتحديدًا في بعلبك، عاصمة نفوذ حزب الله، بعد عثور دورية عسكرية على مخدرات في منزله، حينها، أُطلق سراحه بعدها بفترة وجيزة، وسرعان ما بدأ، بمساعدة حزب الله، في إعادة تأليف المجتمعات اللبنانية واستغلالها على طول الحدود مع سوريا.

متى بدأت إمبراطورية “ملك الكبتاجون”؟

امبراطورية الكبتاجون

افتتح دقو، وهو نجل مهرّب كبير، صالة عرض سيارات وشركات وهمية عديدة في سوريا والأردن ولبنان، قبل أن يبدأ في استيراد المواد الخام اللازمة لإنتاج الكبتاجون. وبحلول عام 2018، سعى إلى الحصول على الجنسية اللبنانية ونجح في ذلك، وبدأ يشتري مساحات شاسعة من أراضٍ زراعية، ممتدة بين قريتي طفَيل اللبنانية إلى عسل الورد السورية.

وبعد الانهيار الجزئي لسوريا، خلال الحرب الأهلية، سيطر حزب الله على هذه المنطقة الواقعة على بعد 36 ميلًا من دمشق، ما أدى إلى عزل قرية طفيل عن الدولة اللبنانية. ومنذ منتصف 2020، اشترت شركة سيزر للإنشاءات، التابعة لدقو، 13 مليون متر مربع من الأراضي المحيطة بطفيل، تحت ستار توفير فرص العمل والاستثمار المحلي، وفق التقرير.

تدمير محاصيل وهدم منازل

دقو، الذي ذاع صيته مؤخرًا كرجل أعمال، لم يفِ بوعده بتوظيف شباب البلدة، وتوفير فرص عمل لهم في مصانع جديدة، وبدلًا من ذلك همّ في تدمير محاصيل، من بينها نحو 450 ألف شجرة فاكهة، وهدم منازل عديدة بجرّافات. ورافقت عناصر مسلّحة تابعة لحزب الله المقاولين المشرفين على هذه العمليات، وأجبر سكانًا كثيرين على الاختيار بين دفع رشوة أو التهجير القسري عن منازل أجدادهم.

وبينما حُكم لصالح أحد سكان المنطقة، ويُدعى منصور شاهين، بعد تقدّمه بشكوى ضد “سيزر”، وأمر محافظ بعلبك الشركة التابعة لدقّو بوقف البناء، استمرت عمليات الهدم. وفي يوليو 2020، تعرّض شاهين للضرب على يد عناصر من حزب الله، وجرى اقتياده من منزله، وتسليمه إلى “الفرقة الرابعة في الجيش السوري”، وأطلقوا سراحه بعد 3 أشهر.

محمد حسن دقو الملقب بملك الكبتاجون

ترهيب لبنانيين

فور إطلاق سراحه، اتهم شاهين، دقو ومختلف شركائه باختطافه، في محاولة لترهيب سكان طفيل اللبنانيين، ما أدى إلى اعتقال دقو للمرة الثانية، لكن أُطلق سراحه ثانية بعد أيام قليلة، واستمر في الإشراف على بناء مصانع جديدة مشبوهة. وبالنظر إلى الأدلة المتاحة، خلُص التقرير إلى أنه يوجد هدف واضح من هذه المصانع، على ما يبدو، هو بناء مملكة كبتاجون في لبنان.

ويأتي ذلك إلى جانب امتلاكه قصورًا كبرى بملايين الدولارات في طفيل وغرب سوريا، ينتقل منها إلى مساكن مختلفة في زحلة وبيروت، بمرافقة موكب من 12 سيارة ورجال مسلّحين. وساعده مسؤولون لبنانيون من وراء الكواليس في تكوين هذه الإمبراطورية. وعلى سبيل المثال، في أثناء تولي حليف حزب الله، محمد فهمي، منصب وزير الداخلية اللبناني، منح دقو الإذن ببناء 5 حظائر ضخمة في طفيل.

أنفاق تهريب

تحتوي الأراضي التي تملكها دقو حديثًا، على أنفاق تهريب تصل إلى سوريا، وتسهل له الوصول إلى الفرقة الرابعة في الجيش السوري، المُكلّفة بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد، صوريًّا بالإشراف على أمن المساكن، ولكنها في الواقع تدخّلت أيضًا في الإدارات المحلية، وانخرطت بعمق في تجارة النظام للكبتاجون على خلفية الحرب، وفق تقرير معهد نيولاينز الأمريكي للدراسات الاستراتيجية، إبريل الماضي.

وتعمل الفرقة من كثب، مع حزب الله، الذي تفيد تقارير أنه يوفر الأمن لمختبرات الكبتاجون السورية، ويشرف على نقاط العبور الرئيسة، مثل طفيل، لتسهيل انتقال المخدرات إلى لبنان، حتى يتسنى تهريبها إلى دول الخليج العربي وغيرها من الدول الأخرى، فضلًا عمَّا وراءها.

شحنة كبتاجون مهربة

أكبر شحنة مخدّرات في العالم

أسهمت انتهاكات دقو في طفيل، في ارتفاع طفيف بإنتاج الكبتاجون المحلي اللبناني، ما أظهرته سلسلة عمليات مصادرة ضخمة للكبتاجون، من لبنان أو ميناء اللاذقية السوري، الذي يسيطر عليه حزب الله. وفي إبريل 2021 أحبطت السعودية محاولة تهريب 5.3 مليون حبة كبتاجون مخبأة في فاكهة الرمان، ما دفع المملكة إلى حظر استيراد الفواكه والخضراوات اللبنانية.

واعترضت ماليزيا، الشهر الماضي، بمساعدة وزارة الداخلية السعودية، أكبر شحنة مخدرات، تضم 800 ألف قرص كبتاجون بـ94 مليون دولار، مصدرها اللاذقية، ما أدى إلى اعتقاله لاحقًا، بعد العثور على صورة من فاتورة الشحنة على هاتف دقو. وفي 6 إبريل 2021، احتجزته قوات أمن لبنانية، بجانب 4 من مساعديه في منطقة الرملة البيضاء الساحلية الغنية ببيروت.

زنزانة دقو.. كيف بدت؟

وفي أثناء سجن دقو، تشير تقارير محلية إلى أن حزب الله رتّب له البقاء في غرفة مريحة، وزوّده بالإنترنت، ليتمكّن من مواصلة إدارة عمليات تصنيع المخدرات. ومن داخل الزنزانة المجهزّة له جيدًا، أصرّ دقو على تهديد أهالي طفيل وإحكام قبضته على المنطقة.

وفي أكتوبر 2021، أطلق مسلحون تابعون لدقو وحزب الله، النار على منازل وسكان، ما أدى إلى إصابة طفل عمره 12 عامًا. واقتحم مسلحون، مرتبطون به على الأرجح، قرية طفيل الشهر الماضي، وفتحوا النار على المنازل 8 ساعات. ووفق سكان هناك، كان الهدف طردهم من البلدة.

ربما يعجبك أيضا