دبلوماسية الأمم المتحدة في زمن كورونا

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

يبدو أن العالم على وشك التغير للتأقلم مع الوضع المتأزم الجديد حيال تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) في أكثر من 100 دولة حول العالم، فالجميع يرتعد من مواجهة هذا الفيروس شديد الانتشار، فلا يزال أمر لقاحه في مرحلة التطوير والاختبار، ولذا تتبع الدول إجراءات متشابهة لمحاصرة تفشيه من تحويل مدنهم لحجور صحية، لمنع التجمعات وكبح جماح الإصابات المتتالية التي تأخذ في طريقها آباءنا وأجدادنا، ناهيك عن هشاشة الاقتصادات الدولية قبل قدوم الفيروس. 

كواحدة من أهم المؤسسات الدولية، شرعت الأمم المتحدة في اتخاذ إجراءات تتماشى مع الوضع الحالي من منع الاجتماعات واللقاءات والمؤتمرات، إذ بدأت بعض وفود الموظفين العودة من نيويورك إلى وطنهم وسط زيادة كبيرة في الإصابات بالفيروس التاجي.

العمل من المنزل!

بدأت مقرات الأمم المتحدة الصمت الرهيب هذا الأسبوع، حيث بدأ بعض الدبلوماسيين في حزم حقائبهم والفرار من مدينة نيويورك، إذ طُلب من جميع موظفي الأمم المتحدة بالمغادرة باستثناء الأساسيين وأمروا بإدارة مشاكل العالم من سلامة أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم في المنزل.

توقف مركز الدبلوماسية العالمية في الوقت الذي ناضل فيه الدبلوماسيون لإعادة التفكير بشكل أساسي في الطريقة التي يمارسون بها أعمالهم في أعقاب تحذير مرعب من قبل مسؤولي الصحة في نيويورك بأن الفيروس التاجي انتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء المدينة.

وقال ديميتر داسكالاكيس نائب مفوض مدينة نيويورك لمكافحة الأمراض لمجموعة من أكثر من 200 دبلوماسي أجنبي يوم السبت “يجب على كل شخص في نيويورك اعتبار أنفسهم معرضين” للفيروس التاجي.

كما أبلغت الوفود الدبلوماسية، بما في ذلك كندا وكولومبيا وإثيوبيا وإندونيسيا، الزملاء أنها سترسل موظفين إلى منازلهم في منطقة نيويورك للعمل خلال الأسابيع المقبلة، وكان البعض الآخر يرسل أولئك الأكثر عرضة للفيروس إلى منازلهم. 

في الأسابيع الأخيرة، توقفت الأمم المتحدة عن تناوب جنود جدد في مهامها لحفظ السلام، خوفًا من انتشار الفيروس الجديد إلى بعض الدول الأكثر ضعفًا على وجه الأرض، كما تم تعليق المشاورات الخاصة التي أجراها مجلس الأمن حول مجموعة من الأزمات – مثل سوريا واليمن – إلى أجل غير مسمى. 

ناهيك عن تعطل سلاسل التوريد التي تشكل ضغوطًا على قدرة الأمم المتحدة على شحن السلع الأساسية – من أجهزة الكمبيوتر إلى أجزاء الشاحنات – إلى عملياتها النائية، كذلك يزداد قلق مسؤولي الأمم المتحدة للإغاثة والجمعيات الخيرية الدولية من أن الأزمة ستدفع الحكومات المانحة إلى إعادة توجيه المساعدة الأجنبية إلى برامج التحفيز المحلية التي تهدف إلى إبقاء اقتصاداتها واقفة على قدميها.

مجلس الأمن عبر الهاتف

وفي غضون ذلك، توقف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشكل أساسي عن الاجتماع في غرفته حول مائدته المتميزة على شكل حدوة حصان، ومن غير المحتمل أن يُعاد فتحه في المستقبل المنظور، حيث يصدر مراسيمه من جهاز كمبيوتر بعيد، وقال أحد دبلوماسيي المجلس إن الاجتماعات المغلقة الحساسة التي تعتبر حاسمة لإبراز الخلافات ستؤجل.

وفي يوم الثلاثاء الماضي، كانت الأمم المتحدة والصين – التي تتولى رئاسة مجلس الأمن هذا الشهر – تختبران برنامجًا جديدًا وآمنًا للمؤتمرات عبر الهاتف للسماح للمجلس المكون من 15 دولة بعقد اجتماعات عامة. وقال سفير الصين لدى الأمم المتحدة تشانغ جون، في رسالة وجهها إلى أعضاء المجلس، إن جميع اجتماعات المجلس ستلغى طوال هذا الأسبوع.

لكن تشانغ، الذي يواجه ضغوطًا من روسيا لمواصلة اجتماعاته في الأمم المتحدة، قال إن المجلس “يدرس عقد اجتماع فعلي الأسبوع المقبل” لاعتماد عدد من الإجراءات، بما في ذلك قراران يجددان تفويضات مهمة سياسية للأمم المتحدة في الصومال وهيئة خبراء تراقب انتهاكات العقوبات ضد كوريا الشمالية. في حالة اجتماع المجلس، حث تشانغ زملاءه على “بذل قصارى جهدهم لتقليل مخاطر انتقال العدوى وضمان سلامة ورفاهية جميع الزملاء، واتخاذ الإجراءات اللازمة أثناء الاجتماع الجسدي مثل استخدام معقم اليدين وارتداء أقنعة الوجه”. 

لا تزال تصارع الأمم المتحدة لأجل إيجاد حلول مناسبة لتفشي الأوبئة حول العالم، تلائم طبيعة عمل دبلوماسييها ومؤتمراتها التي تحتاج قدرًا من الخصوصية بعيدًا عن احتمالية اختراق الآليات الأخرى عبر الاجتماعات الافتراضية، وكذلك بعيدًا عن تقليدية عملها درءًا لمخاطر انتقال العدوى بين حاضريها، ولا سيما أن اجتماعاتها تتخطى الساعات ويحضرها الكثير من دبلوماسيي الدول وصحفيي الوكالات الإخبارية.
 
 
 

ربما يعجبك أيضا