دماء موزمبيق شاهدة عليهم.. تحذيرات جديدة من نشاط داعش في إفريقيا

عاطف عبداللطيف
تنظيم داعش في موزمبيق - أرشيفية

كتب – عاطف عبداللطيف

مر أكثر من عامين على سقوط ما يعرف بدولة الخلافة التي سعى تنظيم داعش لإقامتها بقوتي السلاح والدم في سوريا والعراق، ومع مقتل زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي إثر استهداف أمريكي ومقتل قيادات قوية في التنظيم وتشتت العديد من عناصره الفاعلين في العديد من الجيوب الإرهابية النشطة ومناطق الصراع التي وضع التنظيم المتطرف قدمه فيها، أصيب “داعش” بحالة من التشتت وأضحى يعتمد على ضربات هنا وأخرى هناك وزرع العبوات والمفخخات وعمليات القنص؛ دون أن يكون له وجود قوي على الأرض ليوجه وجهته بقوة صوب الأراضي الإفريقية ليعوض خسائره على الأرض ويجذب مقاتلين جدد ويستفيد بدعم مادي قوي.

مع زيادة التهديدات والجرائم التي ارتكبها داعش في الشهور الأخيرة داخل القارة السمراء مستغلًا حالة التزاوج واندماجات مع جماعات إفريقية مسلحة خاصة في منطقة الصحراء، حذرت مجموعة الأزمات الدولية من إمكانية تنامي قوة تنظيم (داعش) في معاقل التنظيم بقارة إفريقيا؛ نتيجة لجماعات الأمن الأهلية المحلية التي تؤجج مظاهر الظلم. وقالت المجموعة إن صعود المجموعات المناهضة للجهاديين في منطقة “تيلابري” في شمال النيجر، من شأنه أن يوفر لداعش مزيدًا من المقبلين على الانضمام للتنظيم.

شواهد كثيرة تؤكد أن البنية الاجتماعية القبلية في المناطق الحدودية الإفريقية، إلى جانب سيطرة الزعماء المحليين على الكثير من الجغرافيات، بما يتجاوز سلطات الدولة الرسمية نفسها، مع هشاشة مؤسسات الحكم والمراقبة، سيعطي للتنظيم القدرة على شراء الذمم والولاءات وارتكاب أعمال عنف إجرامية كثيرة.

تجربة مريرة

قالت مجموعة الأزمات الدولية، غير الربحية، في تقرير لها، أمس الجمعة، إنه يتعين على النيجر أن تعي الدرس جيدًا من دولتي بوركينا فاسو ومالي، المجاورتين، حيث دفع ظهور مليشيات محلية المدنيين في البلدين إلى الانضمام إلى صفوف الجهاديين، أو جماعات الدفاع عن النفس على حد قولها.

وأضاف التقرير: يتعين على السلطات في النيجر الحيلولة دون تشكيل جماعات الأمن الأهلية، “التي أثارت العنف، وتتوسط في النزاعات الطائفية التي تؤجج عمليات التجنيد للجماعات المسلحة”.

وكانت مجموعات مسلحة شنت في 24 مارس هجومًا كبيرًا تبناه تنظيم داعش على مدينة بالما في موزمبيق، التي تضم 75 ألف نسمة، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى من مدنيين وعسكريين وشرطيين، وارتفع العنف المرتبط بالجماعات المحلية الموالية لداعش في إفريقيا بنسبة 43% في 2020 مقارنة بـ2019، وفقًا لمركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون).

ضعف واستغلال

يستغل التنظيم الإرهابي جماعات متمردة محلية تشكو من مظالم مختلفة، لتكوين ما قد يوصف بـ«زواج مصلحة»، تستفيد منه هذه المجموعات في تحسين إمكاناتها وتسليحها، وجعلها أكثر قدرة على شن هجمات أكثر تعقيدًا، وفي المقابل، ينتفع «داعش» من هذه العلاقة المشبوهة، في شن حملات دعائية توحي باتساع رقعة سطوته ونفوذه.

ويمثل ما يحدث في موزمبيق إثباتًا على هذا، في ضوء مؤشرات تفيد بأن التنظيمات المسلحة المحلية العاملة هناك، والمعروفة بأسماء من بينها «أهل السنة والجماعة» و«أنصار السنة» و«الشباب»، أصبحت قادرة على تنفيذ اعتداءات أوسع نطاقًا وأكثر دموية، منذ أن اعترف بها «داعش» رسميًا في أبريل 2019، ومن أمثلة هذه العمليات، كما يشير المحلل كولين بي كلارك مدير قسم الأبحاث والدراسات بمجموعة صوفان للاستشارات الأمنية والاستخباراتية في الولايات المتحدة، الهجوم المدمر الذي شنه إرهابيون على بلدة «بالما» الساحلية في مارس الماضي، ما أدى إلى مقتل عشرات الأشخاص.

ويقول محللون غربيون، إن تنظيم داعش الإرهابي يستغل ضعف قدرات الأجهزة الأمنية في عددٍ من الدول الأفريقية، والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها هذه البلدان، وتجعل مجتمعاتها تعاني هشاشة نسبية، فضلًا عن تفشي معدلات البطالة بين الشبان هناك، ما يحولهم إلى لقمة سائغة أمام القائمين على عمليات التجنيد.

بيئة مناسبة

تنظيم داعش الدموي، يعتمد في انتشاره بأراضي إفريقيا على عامل التزاوج مع جماعات مسلحة فصلًا عن تأجيجه الصراع الديني في مناطق لا تتمتع بأغلبية مسلمة في إفريقيا، الباحث العراقي المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، ستار حلفي، ربط بين الأحداث الدموية التي شهدتها دولتي الكونغو وموزمبيق وهجمات إرهابية قوية تسببت في مقتل العشرات ونزوح آلاف السكان من بلدة وقرى بموزمبيق، وبين الإعلان الذي طرحه تنظيم داعش الإرهابي قبل أكثر من عامين، حينما كشف في أبريل 2019 عن تأسيس تنظيم في وسط إفريقيا “ISCAP”، لتكون المنطقة التي تتوسط دول الكونغو وموزامبيق وتنزانيا وزامبيا مركزًا لنشاطه.

لا شك أن فترة العامين الماضيين كانت كافية لتلقي الفاعلين على الأرض أشكالًا من الدعم المالي واللوجستي المعقد من تنظيم داعش الأم، وإن كان يتصرف كجسم مستقل، لكن الروابط بين الطرفين موجودة دون شك، ونظرًا لتعقيدات تلك المنطقة، فإنها تكاد تكون بيئة مثالية لاستقرار التنظيم المتطرف، وإمكانية حفاظه على نفسه لأطول مدة ممكنة.

وتوغلت الجماعات المسلحة المحلية الموالية لداعش في مناطق لم يمسها العنف المتطرف في السابق، وتمتد من سواحل السنغال إلى السودان وعلى طول ساحل المحيط الهندي في الصومال وفي أقصى جنوب موزمبيق، كما ارتفع عدد الهجمات التي تبناها تنظيم داعش في إفريقيا بأكثر من الثلث بين عامي 2019 و2020، وفقا لمسؤولين أمريكيين وغربيين يعملون في مجال مكافحة الإرهاب.

ربما يعجبك أيضا