ذا استراتيجيست | الانخفاض العالمي في الاستثمار الأجنبي يعكس تصاعد التوترات الجيوسياسية

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

مع تدهور العلاقات بين الصين والغرب، بات يُنظر إلى الاستثمار الأجنبي المباشر على أنه تهديد للأمن القومي، حيث فرضت 25 دولة لوائح أمنية جديدة للتحكم في تدفقات الاستثمار خلال العام الماضي.

والآن هناك 34 دولة تفحص الاستثمار الأجنبي بحثًا عن تهديدات الأمن القومي. وجميع هذه الدول تقريبًا دول متقدمة، على الرغم من أن الصين والهند وروسيا فرضت جميعها حواجز أمنية قومية جديدة العام الماضي. وعلى الصعيد العالمي، انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي في عام 2020 إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2005. ومع تأثير جائحة كورونا السلبي على الاقتصاد العالمي، أدى انخفاض الاستثمار في العام الماضي إلى زيادة الاتجاه الذي كان جاريًا الآن منذ أربع سنوات. وقد بلغت التدفقات العالمية في عام 2020 التي تقل قليلًا عن تريليون دولار أمريكي نصف مستوى عام 2016، وذلك وفقًا لآخر تقرير سنوي عن الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).

ومع ذلك، يبدو أن تأثير الحواجز التنظيمية الجديدة وفقدان ثقة المستثمرين هو في الأساس إحدى ظواهر الدول المتقدمة. حيث انخفضت التدفقات الوافدة إلى الدول المتقدمة إلى 314 مليار دولار أمريكي فقط العام الماضي، بعد أن بلغت ذروتها عند 1.34 تريليون دولار أمريكي في عام 2016. كذلك فقد انهارت تدفقات الاستثمار الخارجي من الاقتصادات المتقدمة، حيث انخفضت من ذروة عام 2015 البالغة 1.26 تريليون دولار أمريكي إلى 347 مليار دولار أمريكي في عام 2020. وانخفضت التدفقات الخارجة من شركات الاتحاد الأوروبي إلى 91 مليار دولار أمريكي فقط، وهو أدنى مستوى منذ عام 1987 وبنسبة 87٪ أقل من ذروة عام 2015.

كما تضررت أيضًا أستراليا، التي كانت تقليديًّا من المتلقين الرئيسيين للاستثمارات الأمريكية والبريطانية، من الانخفاض، حيث استثمرت الشركات العالمية 20 مليار دولار فقط العام الماضي، أي أقل من ثلث ذروة عام 2018 البالغة 68 مليار دولار.

وفي المقابل، تصمد تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة والخارجة فيما بين الدول النامية بشكل أفضل. حيث انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي الداخلة بنسبة 8.3٪ فقط لتصل إلى 663 مليار دولار العام الماضي، وهو ضعف تدفق الاستثمار في الدول المتقدمة. فيما انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي من الدول النامية بنسبة 7٪ إلى 387 مليار دولار أمريكي، وهذه هي المرة الأولى التي تستثمر فيها الشركات الموجودة في الدول النامية أموالًا في الاستثمار الأجنبي أكثر من الشركات الموجودة في الدول المتقدمة.

وتقوم الصين بدور ريادي في هذا الاتجاه، حيث ارتفع الاستثمار الأجنبي في الصين في الواقع العام الماضي، بزيادة قدرها 5.8٪ إلى 149.3 مليار دولار أمريكي. وتجاوزت تدفقات الاستثمار إلى الصين التدفقات إلى الاتحاد الأوروبي للمرة الأولى، وهي الآن أقل بنسبة 4.5٪ فقط من التدفقات إلى الولايات المتحدة.

يقول تقرير الأونكتاد إن الصين لا تزال حافزًا مهمًا للاستثمار الأجنبي المباشر:

رغم عدم اليقين الكبير الذي يشوب التطورات المتعلقة بالتوترات الجيوسياسية والتجارية، تواصل الشركات متعددة الجنسيات الاستثمار بكثافة في الصين، معتبرةً أنها سوق استراتيجية لا غنى عنها.

كما تشجعها القوة الشرائية المتزايدة، والبنية التحتية المتطورة ومناخ الاستثمار الملائم بشكل عام. وربما تُعيد بعض الشركات متعددة الجنسيات التوطين أو التنويع بعيدًا عن الصين بسبب ارتفاع تكاليف العمالة والحاجة إلى تحسين مرونة سلسلة التوريد.

ومع ذلك، فإن التدفق الكبير للاستثمار الأجنبي المباشر الباحث عن الأسواق، ولا سيما من جانب الشركات المتعددة الجنسيات في صناعات التكنولوجيا والخدمات، يحدّ من أي اتجاه سلبي في الاستثمار الأجنبي المباشر الباحث عن الكفاءة.)) 

ارتفع الاستثمار الأجنبي إلى هونج كونج بنسبة 62٪ إلى 119 مليار دولار أمريكي، مع ترحيب الأعمال التجارية العالمية بنهاية المظاهرات التي اندلعت في عام 2019. وكانت بعض الزيادة في الاستثمار في هونج كونج موجهة بالفعل إلى الصين، على الرغم من أن التقرير علَّق على أن هذا يعكس أيضًا توجه الشركات الصينية لإعادة هيكلة الشركات التابعة لها في هونج كونج.

وانخفضت استثمارات الشركات الصينية في الخارج بنسبة 3٪ فقط لتصل إلى 132 مليار دولار العام الماضي، رغم أن نمو الاستثمار الصيني العالمي خلال العقد الماضي كان غير عادي. وفي عام 2010، بلغ الاستثمار الصيني الخارجي 317 مليار دولار أمريكي فقط، وهو ما يقل بنسبة 30٪ عن استثمارات الشركات الأسترالية في الخارج.

تبلغ استثمارات الصين الخارجية الآن 2.4 تريليون دولار أمريكي. الانتشار العالمي للمشاريع الأمريكية أكبر بكثير، حيث يبلغ 8.2 تريليون دولار أمريكي، لكن هذا يعكس أنشطة الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات خلال فترة 75 عامًا بعد الحرب. كان الاستثمار الخارجي من الصين العام الماضي أكبر بنسبة 43٪ من الاستثمار الأجنبي المباشر من قبل الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات.

يعلق مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) على أن الاستثمار في الخارج من قبل الشركات الصينية قد تم تقييده منذ عام 2017 بسبب تنامي عملية التحقيق الأمني للاستثمار، لا سيما في الولايات المتحدة، والقيود الصينية المفروضة على تدفقات رأس المال.

ومع ذلك، يقول التقرير إن الاستثمار الأجنبي الصيني يتم دعمه من خلال مبادرة الحزام والطريق والتوسع المستمر للشركات الصينية متعددة الجنسيات. وقد تضاعفت عمليات الاندماج والاستحواذ الخارجية التي عقدتها الشركات الصينية العام الماضي لتصل إلى 32 مليار دولار أمريكي. وكانت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة Tencent وشركة الكهرباء المملوكة للدولة State Grid من أكبر المستثمرين الأجانب من الدول الناشئة. وينعكس الاتجاه الواسع للاستثمار الأجنبي المباشر الذي يتراجع في الدول المتقدمة، ولكنه، في الوقت نفسه، يزداد في الدول النامية رغم اختلاف مناهجها.

تاريخيًّا، كانت الدول المتقدمة أكثر انفتاحًا على الاستثمار الأجنبي، بينما كانت الدول النامية، التي تشعر بالقلق إزاء الضعف النسبي لأعمالها المحلية، أكثر تقييدًا. ومع ذلك، فإن تركيز الدول الناشئة الآن ينصب على تحرير أنظمتها في الاستثمار الأجنبي، مع 63٪ من اللوائح الجديدة خلال العام الماضي تجعل من السهل على الشركات الأجنبية الاستثمار، و14٪ فقط تجعل الأمر أكثر صعوبة.

وفي المقابل، 85٪ من اللوائح الجديدة التي تؤثر على الاستثمار الأجنبي في الدول المتقدمة جعلت الأمر أكثر صعوبة على الشركات الأجنبية. ويتبع الأونكتاد 35 لائحة جديدة تتعلق باهتمامات الأمن القومي بشأن الملكية الأجنبية للبنية التحتية الحيوية أو التكنولوجيات الأساسية أو غيرها من الأصول المحلية الحساسة.

وقد اتخذت بعض هذه الإجراءات لحماية الشركات المحلية أثناء جائحة كورونا، لكن البعض الآخر كان يستهدف بشكل مباشر الأمن القومي. ففي أستراليا، قام مجلس مراجعة الاستثمار الأجنبي بتـطبيق التخفيض المؤقت لعتبة التحقق إلى الصفر؛ ما يعني أن جميع الاستثمارات الأجنبية تتطلب الموافقة، وقد اتُّخذ كإجراء وبائي، ولكنه أصبح دائمًا لجميع الشركات في قطاعات “الأمن القومي” المعنية.

ووفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تمتلك أستراليا الآن ثاني أكثر عمليات فحص الاستثمار الأجنبي صعوبة في العالم بعد نيوزيلندا، فهناك دول أخرى تفرض قيودًا أكثر صرامة على الأسهم أو تفرض شروطًا على استخدام العاملين الأجانب. ولم تكن أستراليا وحدها التي عملت على تشديد اللوائح الأمنية، فعلى سبيل المثال، خفضت اليابان عتبة الاستثمار الأجنبي في الأعمال ذات الصلة “بالأمن القومي” قبل طلب الموافقة من 10٪ إلى 1٪، كما خفضت المملكة المتحدة عتبات التدقيق الحكومي لعمليات الاستحواذ في الذكاء الاصطناعي والتشفير والمواد المتقدمة. بينما تطلب الولايات المتحدة من الشركات المدرجة في البورصة أن تعلن أنها ليست مملوكة أو خاضعة لسيطرة حكومة أجنبية، كما أنها منعت المواطنين الأمريكيين من الاستثمار في الشركات الصينية ذات العلاقات العسكرية.

كما شددت الصين والهند وروسيا قواعدها الاستثمارية؛ حيث باتت الصين الآن تطلب من الشركات الأجنبية الحصول على الموافقة قبل إبرام أي استثمارات في قطاعات الجيش والزراعة والطاقة والنقل وتكنولوجيا المعلومات، فيما أضافت روسيا شروطًا تتطلب عمليات شراء مؤقتة لحصص التصويت في الشركات الاستراتيجية للحصول على الموافقة. أما الهند، وفي خطوة تستهدف الصين بوضوح، فإنها ستحقق في جميع الاستثمارات التي تجريها شركات في الدول المشاركة معها في الحدود البرية.

للاطلاع على الرابط الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا