ذا دبلومات | قبرص.. المحطة المقبلة لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

في نوفمبر من عام 2021، أعلنت الصين وقبرص رسميًّا شراكتهما الاستراتيجية في الذكرى الخمسين لعلاقتهما الدبلوماسية، وتمثّل هذه الشراكة مرحلة مهمة في العلاقات الثنائية بين البلدين. قرر رئيسا البلدين تطوير العلاقات الصينية – القبرصية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية أثناء مكالمة هاتفية. وقال الرئيس الصيني “تشي جين بينغ” في المكالمة: إن “البلدين يدعمان بقوة مصالح وشواغل بعضهما الرئيسية”، مضيفًا: “حققنا تعاونًا مثمرًا في مجالات مثل الطاقة والاتصالات”. وتابع قائلًا: إن الصين وقبرص “شريكان في بناء مشروع الحزام والطريق”.

ظهرت منطقة شرق البحر المتوسط باعتبارها مكوّنًا رئيسيًّا لمبادرة طريق الحرير البحري الصيني، والتي تمثّل نصف مبادرة “الحزام والطريق” الأوسع نطاقًا. تهدف الاستثمارات الصينية في مرافق الموانئ ومشاريع البنية التحتية المهمة واسعة النطاق في شرق المتوسط لفتح روابط تجارية جديدة بين الصين ومنطقتي أوراسيا وإفريقيا. إن مبادرة طريق الحرير البحرية هي مخطط كبير عبارة عن طريق بحري يبدأ من موانئ في ساحل الصين الشرقي باتجاه بحر الصين الجنوبي وجنوب شرق آسيا، مرورًا بالمحيط الهندي والشرق الأوسط، وصولًا إلى شرق المتوسط. إن الاستثمارات الصينية في موانئ ومشاريع بنى تحتية مهمة واسعة النطاق في منطقة شرق البحر المتوسط، تتناسب مع أهمية السوق الأوروبي، أكبر شريك تجاري للصين.

تمارس الصين علاقاتها مع العالم عبر اتباع استراتيجية دبلوماسية الشراكة بدلًا من سياسات التحالف (هذه العلاقات ليست تحالفات، إذ لا تحبذ الصين تاريخيًّا عقد تحالفات). وفي إطار مبادرة الحزام والطريق، وقّعت الصين عددًا من اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية تتضمن استثمارات اقتصادية وتجارية كبيرة، وتم ذلك مع بلدان رئيسية غنية بالموارد ومتوسطة الدخل في الشرق الأوسط. مع هذا، من الضروري التذكير أن دبلوماسية الشراكة الصينية تتمحور حول العلاقات والشراكات الثنائية مع حلفاء حاليين للولايات المتحدة بهدف زيادة المنافسة الإقليمية على النفوذ والموارد والعمل في الوقت ذاته على تجنب المواجهة مع واشنطن.

إن علاقات الصين مع قبرص مرتبطة ارتباطًا وثيقًا باستراتيجية مبادرة طريق الحرير البحري في شرق المتوسط. ربما تمثل هذه الجزيرة محطة في طريق الحرير البحري الصيني؛ ما سيساهم في ربط المحيط الهندي والبحر المتوسط عبر خليج السويس ومشاريع طاقة. بالرغم من أن مبادرة الحزام والطريق لن تقرّب بين الجانبين فورًا، إلا أنها تسمح لهما بمناقشة دور الصين الجديد في منطقة البحر المتوسط وزيادة تعزيز العلاقات الثنائية دون تحدّي توجّه قبرص الموالي للغرب. وبوصفها حلقة وصل تجارية بحرية، تسمح قبرص للصين بزيادة وجودها وتعزيز هيمنتها في منطقة البحر المتوسط.

تتناسب استثمارات الصين في الجزيرة مع المبادرة، والتي تؤكد على المرافق والترابط. إن قبرص هي حلقة الوصل بين طريق الحرير البحري وطريق الحرير البرّي الموجّه نحو أوروبا. وكما ذكر سفير الصين لدى قبرص “هوانغ شينغ يوان” في مايو 2017، فإن “المبادرة تتعلق بربط الصين مع أوروبا، وقبرص هي نقطة استراتيجية بين آسيا وأوروبا وإفريقيا. لهذا يمكنها أن تلعب دورًا مهمًا في تعزيز هذه المبادرة وذلك بفضل امتلاكها قطاع شحن متطورًا وقطاع خدمات حيويًّا. هذا مجرد مثال على كيف يمكن لمبادرة الحزام والطريق أن تُفيد البلدان المشاركة فيها”.

وكما أشار “هوانغ”، فإن قبرص هي إحدى أهم محطات استراتيجية مبادرة طريق الحرير البحرية في شرق المتوسط بسبب موقعها المركزي الرابط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا. تعمل الجزيرة وبلدان الشرق الأوسط بنشاط على بناء طرق مبادرة الحزام والطريق. وبالرغم من صغر مساحة قبرص وعدد سكانها القليل، إلا أنها مفترق طرق مهم يربط القارات الثلاث، وهي مهمة للغاية في تحقيق المبادرة. إن أهمية موقع قبرص الجغرافي والاستراتيجي بوصفها جزيرة عبور أساسية – بفضل موقعها على مفترق طرق أوروبا وآسيا وإفريقيا – تتعزز أكثر بفضل عضويتها في الاتحاد الأوروبي، وميزاتها التنموية الاجتماعية، ومنافعها الاقتصادية، وعلاقاتها السياسية الجيدة تاريخيًّا مع الصين. تمنح جميع هذه العوامل قبرص دورًا أساسيًّا ناجحًا في تعزيز أهداف وقيم استراتيجية مبادرة طريق الحرير البحرية الصينية.

والأهم من هذا هو أن الجزيرة يمكنها أن تصبح أحد أهم محطات استراتيجية طريق الحرير البحرية الصينية في شرق المتوسط. إن قبرص هي أول ميناء أوروبي تقابله السفن بعد خروجها من قناة السويس ودخولها المياه الأوروبية، مستفيدة من قربها من الشرق لأوسط. بالإضافة إلى هذا، تُعدُّ الجزيرة أيضًا مركز خدمات وأعمال دولية موثوقًا به. إن موقع الجزيرة الاستراتيجي مثالي لبناء مناطق صناعية ومراكز توزيع لمناطق أخرى، من بينها شرق أوروبا وجنوب شرق أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

بالإضافة إلى ميزاتها الجغرافية، فإن قبرص مؤهله أكثر من غيرها من البلدان، بفضل امتلاكها طيفًا جغرافيًّا متنوعًا للأعمال، وعمالة ماهرة، وبيئة عمل تجارية فعّالة من حيث التكلفة، وأحد أكثر الأطر الضريبية التنافسية المتاحة. نتيجة لهذا، تعد الجزيرة جذابة بشكل خاص للصين لتستثمر في مناطق صناعية ومراكز لوجستية قريبة من موانئ لتسهيل إيصال بضائع من الصين إلى أسواقها المتنامية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا. تقع قبرص في الركن الشمالي الشرقي لحوض المتوسط، في تقاطع لممرات شحن دولية وإقليمية رئيسية، وبفضل هذا تعد موانئ قبرص محطة توقف طبيعية لسفن تبحر من منطقة البحر المتوسط وإليها. بالتالي، وبالرغم من الحجم الصغير نسبيًّا لتجارتها الخارجية، هناك 100 خط مختلف لرصد حركة السفن يخدمون قبرص بانتظام؛ ما يوفر اتصالات شاملة ومنتظمة بين الجزيرة وبقية العالم.

إن قبرص هي أكبر وأبرز مركز إدارة في الاتحاد الأوروبي وهي من بين أهم ثلاث مراكز في العالم. إن شركات الشحن العالمية الموجودة في قبرص اليوم هي الأكبر من نوعها عالميًّا، وتدير نحو 20 بالمائة من الأسطول المُدار من طرف ثالث في العالم. لقد ازداد عدد الشركات من 168 شركة عام 2017 ليصبح 220 شركة في عام 2019، مع ارتفاع عدد مُشغلي إدارة السفن إلى 50، ما يضع قبرص على رأس هذه الفئة في الاتحاد الأوروبي. كما تمتلك الجزيرة أيضًا ثالث أكبر أسطول تجاري في أوروبا والأسطول الحادي عشر على مستوى العالم. في عام 2020، ضمّ أسطول قبرص التجاري أكثر من 1.857 سفينة بحمولة إجمالية بلغت 21 مليون طن.

إن مبادرة الحزام والطريق تقرّب بين الصين وقبرص، ما يسمح لهما بمناقشة دور الصين الجديد في منطقة البحر المتوسط وزيادة تعزيز العلاقات الثنائية دون تحدّي توجّه قبرص الموالي للغرب، كما أن رؤية قبرص تتناسب مع استراتيجية طريق الحرير البحري الصيني ما يعمّق من التعاون في الموانئ والنقل البحري وتشييد البنية التحتية وهو ما يساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي أكثر، ولا شك أن الصين مهمة لقبرص لأسباب اقتصادية، فضلًا عن كونها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي.

بفضل موقعها المركزي بين أوروبا وآسيا وإفريقيا، من المتوقع أن تؤدي الجزيرة دورًا مهمًّا في توسيع وجود الصين في شرق المتوسط، بفضل موقعها البحري المميز، ومخزوناتها من الغاز، وخبرتها الكبيرة في تقديم خدمات مالية. يمكن للصين أن تستفيد من مميزات “موانئ” قبرص لتسهيل وزيادة تدفق البضائع من الصين والشرق الأقصى إلى الاتحاد الأوروبي والبلقان ومنطقة البحر الأسود، وبالعكس. يمكن للخيار القبرصي أن يعزز أكثر من القدرة الإنتاجية للرابط البحري -البري الصيني السريع مع أوروبا.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا